هو وَطن صغير يحتوينا، يحتضن أشياءنا الصغيرة بكل تفاصيلها، وَطن صغير نَسكنه جميعا عفوا ! بل هو من يسكننا وطن يدعى الحي المحمدي، وسط ساحة صغيرة احتضنت أفكارنا الصغيرة وأجسادنا النحيفة، في تلك الساحة المسماة ب "هانكس"، لم نكن نعرف معنى الاسم؟ عند اللّعب كنا نردد عبارة " بشْوية بشْوية راه كايْنينْ الناس لتَحْتْ " بالطابق التحت أرضي، احتراما لأولئك الذين يحتضنهم المعتقل السري لدرب مولاي الشريف والذي كانت تمتد مساحته إلى حدود الساحة!! عثرنا في أحد الأيام على ظرف بريدي بداخله رسالة خطية مكتوب عليها بخط خطته أنامل ترتجف!! أمي، اقرئي رسالتي التي لم تُكتب بعد !! تتساءلين لماذا يا أمي؟ مكسورة أصابعي لم تُشف بعد !! مفتوحة جراحي لم تندمل بعد!! وعد منك أمي قبل فتحها أن تمنحي دموعك إجازة... ولم تكتمل الرسالة نظرا لأن الورقة التي كتبت عليها مُزقت عند حُدود "إجازة" لم نتمكن من معرفة التفاصيل لكنها حتما ستكون تفاصيل من دم!! وعلمنا أن الأسوء لحق بكاتبها، كان يصف فيها لأمه ما لحقه من أنواع التنكيل وكم هي أدوات التعذيب التي تراقصت على جسده النحيل !! لربما كان شابا من بين آخرين ارتبطوا بأفكارهم وآمنوا بها مرتبطة بمرحلة كونية!! تلك الأشياء مَسّتنا نحن كذالك،حيث كنا نتطلّع للأفضل بعيدا عن التهميش والفقر فسُجلنا ضمن لائحة جيل أدى غاليا الثمن!! كنا دائما ننظر لذلك المكان كفضاء تحوم حوله علامات استفهام كثيرة!! من كان يلج إليه لا يعرف مصيره و لا أنه هناك فقط بمرور القطار فوق سكته المجاورة حيث يصدر صوته، وشاحنات عملاقة لنقل أحجار معمل الإسمنت المجاور! ليس من السهل الحديث عن فضاء شكل محطة نزل بها ذات يوم زوار اضطراريون أو بالخطأ!! فضاء ضمن آخر كبير يُدعى الحي المحمدي في حاجة ماسة لسيارة إسعاف كبيرة، لكي يتخلص من استغلاليين ومصاصي دماء أناس بسطاء، ساهموا في تشويه صورة الحي وألصقوا به الأشياء السلبية وتناسوا حناجر صرخت ذات يوم للحرية وكرامة الوطن وقاطنيه !! صورة حي بمثابة مصنع يحتوي على المواد الأولية ومراحل تصنيع الفن والأدب والرياضة والثقافة والعلوم التي تصدر إلى أمكنة بعيدة !! حي بحاجة ماسة لسيارة إسعاف كبيرة يكون عنوانها احترام وحب لذاكرة هذا الحي لإنقاذ ما يمكن إنقاذه وإنقاذ الأشياء الجميلة التي باتت لهذا الفضاء وتتكلم باسمه...