أثار موقف الدبلوماسية الجزائرية من الأحداث الجارية في ليبيا ومن قبلها في مصر وتونس الكثير من التساؤلات، خاصة وأن مواقف الجزائر بدت متأخرة نوعا ما فيما يخص ما جرى في تونس ومصر، ومتذبذبة وغامضة نوعا ما فيما يتعلق بما يجري في ليبيا، وهو ما جعل البعض يتهم السلطات الجزائرية بدعم نظام العقيد معمر القذافي، حتى وإن كان وزير الخارجية مراد مدلسي أعلن عدة مرات أن الجزائر تربطها علاقات مع الشعوب وليس مع الأنظمة. وقال عبد العزيز رحابي الوزير والسفير السابق في اتصال مع 'القدس العربي' ان موقف الجزائر 'لم يستبق الأحداث ولكن كان متابعا لها، مشيرا إلى أن آخر بيان صدر عن وزارة الخارجية لأول مرة يتحدث فقط عن التآزر مع الشعب الليبي، ولم يتحدث أو يشر إلى نظام القذافي ولم يدع للحوار، وهذا شيء جديد مقارنة بما سبق'. واعتبر رحابي المتقاعد من الحكومة والدبلوماسية، أن الأحداث تجاوزت الدبلوماسية الجزائرية. وشرح قائلا 'عندما بدأ نظام القذافي في ممارسة العنف لم تندد الجزائر بطريقة واضحة، ثم كانت المواقف داخل الجامعة العربية متذبذبة نوعا ما، خاصة فيما يتعلق بفرض منطقة حظر جوي'، مضيفا أن ما جرى داخل اجتماع الجامعة العربية هو أن الاقتراحات كانت متعددة، وظهر موقف ما كان يعرف في الماضي جبهة الصمود والتصدي المتمثلة في الجزائر واليمن وسورية والسودان، وكان موقف هذه الدول رافضا لفرض منطقة حظر جوي في ليبيا. وأشار إلى أن الموقف لم يكن قد حسم بعد حينما خرج أحد الدبلوماسيين المصريين وتحدث إلى مراسل وكالة الأنباء الفرنسية فنقل الأخير ما جرى، ولكن الموقف تطور فيما بعد، والجزائر التحقت بالموقف الذي تم الإجماع حوله والمتعلق بفرض منطقة حظر جوي، حسب الدبلوماسي السابق. واعترف رحابي بأن موقف الجزائر من الأحداث التي عرفتها ليبيا كان متذبذبا، داعيا في المقابل إلى التفريق بين الدبلوماسية الجزائرية وبين الدبلوماسيين الجزائريين الذين عمل إلى جانب الكثير منهم لسنوات طويلة، لأن هؤلاء 'يتحلون بالكفاءة وسبق لهم وأن أداروا فترات حرجة مثل سنوات الإرهاب دون أن تصدر أي لائحة تدين الجزائر'. وقال: يمكن القول ان الدبلوماسيين الجزائريين أكثر كفاءة من الدبلوماسية نفسها. واعتبر أن المشكلة هي أن الدبلوماسية أصبحت من اختصاص الرئاسة، وحتى البرقيات التي ترسل من طائرة الرئيس عندما يمر على أجواء دولة ما، والتي كان في السابق مدير مكتب بوزارة الخارجية يتكفل بها كإجراء روتيني، أصبحت تمر على رئاسة الجمهورية التي ترسلها إلى وكالة الأنباء الرسمية. وأكد رحابي أن تركيز القرار الدبلوماسي في يد الرئاسة 'قتل قدرة الدبلوماسية التفاعلية مع الأحداث، وهذا ما جعل أن الدبلوماسيين لم يعودوا أصحاب قرار بينما كانت لهم في السابق ردود فعل تلقائية وسريعة تجاه الأحداث المختلفة، بدليل أن رد الفعل تجاه إشاعة إرسال الجزائر لمرتزقة إلى ليبيا لم يكن سريعا وحازما، مع أن الموضوع لا أساس له من الصحة'. وأشار السفير السابق إلى أنه 'من غير المفهوم أن تتأخر الجزائر في إدانة جرائم القذافي ضد شعبه'، مشيرا إلى أن السؤال الذي كان يجب أن تطرحه الدبلوماسية الجزائرية على نفسها هو: 'أين هي مصلحتها'؟ هل مصلحتها في استمرار نظام القذافي الذي تسبب في نزاع عالمي على حدودها؟ موضحا أن القذافي الذي كان يدعي محاربة الامبريالية والاستعمار، هو من كان السبب في تدخل عسكري أجنبي بالقرب من الحدود الجزائرية، حسب رحابي. وتساءل عن الكيفية التي ستتعامل بها الجزائر مع نظام ما بعد القذافي على ضوء هذه المواقف المتذبذبة، مشيرا إلى أن الموقفين المصري والتونسي من أحداث ليبيا كانا أكثر جرأة. الجزائر احترمت مبادئها! من جهته يرى أمحند برقوق رئيس معهد الدراسات الاستراتيجية والأمنية أن موقف الجزائر كان متوافقا مع المبادئ الأساسية التي قامت عليها الدبلوماسية الجزائرية، خاصة فيما يتعلق بمبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول، كما أنها رأت منذ البداية أن الأمر يتعلق بصراع بين أطراف ليبية داخلية وكانت تلح على ضرورة إيجاد حل داخلي بين نظام القذافي والمعارضة. وذكر برقوق أن السرعة التي تحول بها مسار الانتفاضة السلمية إلى تمرد عسكري غيّر صورة هذا النزاع، موضحا أنه حسب القانون الدولي، فإن التمرد العسكري هو مسألة داخلية ويمكن للدولة استخدام العنف المشروع في إطار حماية حياة وممتلكات المواطنين، ولكن الطريقة العنيفة التي رد بها نظام القذافي واستخدامه الأسلحة الثقيلة مثل الطيران ولجوءه إلى المرتزقة وضع كل الدول في حرج بسبب ما وقع من خروقات لحقوق الإنسان وجرائم ضد الإنسانية. واعتبر برقوق أن الجزائر 'أصرت على احترام أربعة مبادئ أساسية: الأول هو ضرورة حماية السيادة الليبية، والحفاظ على الوحدة والسلامة الترابية، وكذا منع تواجد عسكري فوق أراضيها، والعمل على إيجاد حل سلمي، وأن الأمن والسلم الدوليين هما من اختصاص الأممالمتحدة، وهذا ما تم التأكيد عليه خلال آخر اجتماع للجامعة العربية عقد في 12 آذار/مارس'. وأشار إلى أن الجزائر قلقة من الوضع في ليبيا لأن هناك حدود طويلة بين البلدين أي تفوق الألف كيلومتر، مشيرا الى احتمال أن تتحول الأزمة الليبية إلى حرب أهلية، إضافة إلى احتمال وجود قوات أجنبية على الأرض بالقرب من الحدود الجزائرية مع ما يمثله هذا من مخاطر تزايد أعداد اللاجئين على الحدود الجزائرية الليبية، بما قد ينذر بأزمة إنسانية. واعتبر برقوق أن 'احتمال قيام القوات الدولية بعمليات على الأرض قد يكون السبب في تعقيد المعادلة الأمنية في المنطقة'، قائلا ان 'الإرهاب الموجود في الساحل يمكن أن ينتقل إلى الشمال، وهو ما يؤثر على القدرات العملياتية للجزائر في محاربة الإرهاب والقضاء عليه'. وقد حاولت 'القدس العربي' مرارا الاتصال بوزارة الخارجية لطلب موقفها أو تعليقها في الموضوع، لكن دون جدوى.