هل تتحول البوليساريو من منظمة عسكرية إلى تنظم سياسي مدني؟أعلنت جبهة البوليساريو خلال احتفالاها بذكرى 35 ما يسميه "الجمهورية الصحراوية" في منطقة تيفاريتي المنزوعة السلاح منذ وقف إطلاق النار بين المغرب والبوليساريو سنة 1991، عن تفجير مخزونها الرابع من الألغام المضادة للأفراد وللجماعات والآلات العسكرية. وأكدت في بيان لها بالمناسبة أنها قد تخلصت من حوالي 1506 لغم في رابع مجموعة يتم تدميرها منذ 2006. وقال منسق عملية تدمير الألغام على مستوى ما تسمى ب "وزارة الدفاع الصحراوية" محمد سالم عبد الله انه بتدمير هذه المجموعة الرابعة من الألغام يصبح العدد الإجمالي للألغام المدمرة من قبل جبهة حوالي ال12 ألف لغم. وتأتي هذه التطورات متزامنة مع انعقاد مفاوضات حول الصحراء بين المغرب والبوليساريو بجزيرة مالطا في الفترة ما بين 7 و 9 مارس الجاري، بحضور الجزائر وموريتانيا. ومتزامنة أيضا مع رسالة بعث بها الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة إلى الأمين العام لجبهة البوليساريو يدعوه فيها إلى مواصلة التفاوض بجدية مع المغرب لإيجاد حل للنزاع في الصحراء. إذ تشير قراءة الرسالة في السياق المحلي والإقليمي أنها تأتي على وقع الحراك الشعبي الاجتماعي والاقتصادي والسياسي العصيب الذي تعيشه الجزائر، احتجاجات استنكرت وأدانت تفويت المسؤولين الجزائريين لجزء من عائدات البترول إلى مرتزقة البوليساريو. مؤشرات أخرى جد دالة تؤكد أن جبهة البوليساريو تعيش ضغطا دوليا وإقليما مؤثرا غداة اتهامها من قبل عدة تقارير صحفية واستخباراتية بضلوع أعضائها في عمليات إرهابية مشتركة مع تنظيم القاعدة في المغرب الإسلامي. ولعل ذلك هو الذي يجعلها تقيم حملة دعائية لتسويق عملية تدمير جزء من مخزون أسلحتها العنقودية، وتنظيم لقاءات صحفية رفقة رئيس منظمة ''لاندماين أكشن'' الدولية المتخصصة في نزع الألغام، أكد فيها أن الجبهة قد تعاونت مع منظمته لتطهير 136 منطقة، منها تطهير 57 منطقة بتيفاريتي و79 بأمهيريز، وفي الأودية الشمالية، بحيث تجاوزت مساحة المنطقة المطهرة 15 مليون متر مربع تم خلالها التخلص من أزيد من 10000 من القنابل العنقودية و2000 من الذخيرة الحية و2000 لغم غير متفجرة. وأضاف في السياق ذاته أن منظمته تواصل حملة تطهير منطقة بئر لحلو للتخلص من أزيد من 2000 لغم غير متفجر. كما ستقوم المنظمة بتطهير القطاع الجنوبي من القنابل العنقودية، وتطهير حقول الألغام ال38 عبر طاقم محلي من 69 موظفا موزعين على ثلاث فرق لتطهير مسارح المعارك وفريق متخصص في التخلص من الذخائر غير المتفجرة بالإضافة إلى طاقم عملياتي وإداري ولوجيستيكي. إن رضوخ البوليساريو للتعاون مع المنظمة الدولية لنزع أسلحتها العنقودية لا يمكن إلى أن يترجم حدة الضغط الدولي عليها لتلبية مضامين "معاهدة أوتاوا" أو "نداء جنيف الدولية"، ولتصريف جزء من هذا الضغط اضطرت على غير غرة الإعلان في مناسبة الاحتفال بذكرى تأسيس جمهوريتها الوهمية بأنها قد تخلصت نهائيا من الألغام والقنابل العنقودية، التي قتلت أزيد من 300 صحراوي في مناطق تشجع الجبهة على تعميرها باعتبارها مناطق محررة. هذه النبرة لا تخفي توجها جديدا لموقف البوليساريو في التفاوض مع المغرب بشأن النزاع في الصحراء، في وقت يتأكد فيه أن المنتظم الدولي لا يحبذ نشوء دويلات أخرى في المنطقة، رؤية بدت بشكل واضح من دعمه لوحدة ليبيا في مرحلة ما بعد معمر القدافي. كما أن البوليساريو التي بدت اليوم شبه معزولة، بدليل تراجع إشعاع احتفالاتها في تيفارتي، التي كانت تستعرض فيها قواتها العسكرية وتراجعها عن خطابات الإعلان عن جاهزيتها لخوض حرب عسكرية ضد المغرب على غير المعتاد. وهو الأمر اللافت في خطاب البوليساريو خلال المناسبات السابقة، حيث سجل تخفيف حدة لهجتها بدون سابق إعلان، بل بادرت إلى الإعلان عن تفجير جزء من أسلحتها، وهو دليل آخر على أن ملف النزاع حول الصحراء قد يعرف منعطفا حاسما في المستقبل، وكنا قد أشرنا في تحليل لمحطة راديو أطلنتيك إلى ذلك غداة التحرك الدبلوماسي الذي قادته إسبانيا لدى دول أصدقاء الصحراء، بعد أن ثمنت مقترح الحكم الذاتي المغربي. سياقات الضغط الدولي انهالت على البوليساريو بعد الإعلان عن تقارب كبير بين الجزائر والمغرب بعد الزيارة التي قامت بها وزيرة الطاقة المغربية أمينة بنخضرة إلى الجزائر، واتفاق الطرفين على تزويد الجزائر للمغرب بالغاز الطبيعي من منطقتي حاسي الرمل وغرداية جنوبالجزائر الغني بالغاز. والإعلان أيضا عن سلسلة من تبادل اللقاءات الدبلوماسية في المستقبل مكن المرتقب أن يتوج عنها فتح الحدود المغلقة بين البلدين لأزيد من 15 سنة. صفعة قوية تلقتها جبهة البوليساريو حينما تورط مرتزقتها في تقتيل المحتجين الليبيين إلى جانب القدافي في تقتيل الشعب الليبي، بحسب ما أوردته وكالات الأنباء الدولية والمعارضة الليبية، حيث ذكرت مصادر جزائرية أن المئات من مقاتلي جبهة البوليساريو الانفصالية عبروا الحدود الجزائرية الليبية وبدءوا في التمركز بالقرب من طرابلس. وهو الأمر الذي لم تستطع البوليساريو ولا الجزائر تكذيبه بعد إفادة مؤكدة من المعارضة الليبية التي أضافت أنه إلى جانب وجود مرتزقة البوليساريو لقمع المتظاهرين، فإن الجزائر وظفت جزء من طائراتها لنقل السلاح والمرتزقة داخل ليبيا لدعم معمر القدافي. في وقت يتقوى فيه الموقف التفاوضي للمغرب غداة الإعلان عن موعد مفاوضات مالطا، حيث أعلن مساعد وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون ويليام بورنز "أن الولاياتالمتحدة مقتنعة، وستستمر، في اعتبار المبادرة المغربية بتخويل سكان أقاليم الصحراء في جنوب البلاد حكما ذاتيا موسعا في إطار سيادته الوطنية جدية وتحظى بالمصداقية". وأضاف في هذا السياق أن الولاياتالمتحدةالأمريكية ستواصل دعم جهود الأمين العام الأممي ومبعوثه الشخصي، من أجل إيجاد حل سلمي لقضية الصحراء. وفي سياق آخر قال "بورنز" إن الشراكة بين المغرب والولاياتالمتحدةالأمريكية تحظى حاليا بالأولوية أكثر من أي وقت مضى، مضيفا أن "المغرب يعتبر نموذجا للإصلاح والديمقرطة بالمنطقة". وما يفسر أيضا التراجع اللافت في الموقف التفاوضي للبوليساريو؛ فشل دعايتها في استثناء مياه شواطئ الأقاليم الجنوبية من اتفاق المغرب والاتحاد الأوروبي على تمديد العمل باتفاقية الشراكة للصيد البحري، الجاري العمل بها، منذ مارس 2007، لمدة أربع سنوات تصل إلى سنة 2015، على أن يستفيد المغرب من مبلغ مالي يصل إلى 144,4 مليون أورو لقاء هذه الاتفاقية، إضافة إلى دعم الاتحاد لقطاع الصيد بالمغرب. إن تأثير الضغط الدولي وتراجع موقف التفاوضي للبوليساريو برز بشكل بارز في احتفالاتها بالذكرى 35 للإعلان عن تأسيس ما تسميه الجمهورية الصحراوية، حيث تراجعت الجزائر عن تقديم الدعم المالي والعسكري لها، وتراجع عدد من المنظمات الدولية في حضور الاحتفال الذي تمخض عنه تنظيم مارطون فاز به عداء جزائري، أي بدون مشاركة دولية. بالنظر إلى المؤشرات السابقة بإمكاننا القول أن جبهة البوليساريو تمر بأيام جد عصيبة اليوم وسط أنباء تتحدث عن غليان شعبي كبير داخل المخيمات بعدما فشلت آلتها القمعية في تهدئة الأوضاع، حيث أعلن شباب الثورة الصحراوية من داخل مخيمات تندوف لحمادة تنظيم تظاهرة 5 مارس 2011 ضد الفساد والمفسدين في قيادة البوليساريو رغم سياسة التعتيم الإعلامية التي تمارسها الجبهة بإبقاء المخيمات في عزلة تامة عن العالم الخارجي تنعدم فيها إمكانيات الربط بشبكة الانترنت. وكان خط الشهيد قد طالب بالحق في دخول المخيمات مصحوبين بالصحافة وممثلي المجتمع المدني الأوربي والمنظمات الحقوقية، وذلك للمشاركة في تظاهرة 5 مارس التي ينظمها شباب المخيمات ضد الفاسدين في جبهة البوليساريو، التي يتزعمه عبد العزيز المراكشي لأزيد من 36 سنة. *محلل سياسي مهتم بالنزاع في الصحراء Elfathifattah_(at)_yahoo.fr