إن التدجين الذي تعرضت له الشعوب العربية جعلنا نجزم بأنها ماتت ولن تستطيع حراكا ولا نطقا ولا احتجاجا..كنا على يقين أن الشعوب قد آمنت بقدرها الذي هو أن تبقى قطيعا يرعاها الذئب..وقد سلمنا بأنها شكلت في قوالب جامدة لن تعرف بعدها حركة ولا سكون..لأنها جوعت فطبعت علاقتها مع الجوع حتى صار الخبز الحافي أحلى عندها من العسل..وذلت حتى نسيت أن كرامتها تداس في اليوم ألف مرة..وظلمت حتى اختلط لديها الظلم بالعدل.. وخوطبت بخطابات شرعت للفقر وشجعت الناس على قبول قدرهم والرضا بوضعهم لأن الفقراء أول من يدخل الجنة..وأمرت بالصبر لأن الله مع الصابرين..وقد حوصرت ومنعت من أن تسمع خطابات تقول: " ما ضاع حق وراءه طالب" وقد أنفقت الأنظمة الملايير من أجل كرة قدم ملآى بالهواء حتى تفرح الشعوب بنصر مغشوش في غياب النصر الحقيقي الؤزر..وأنفقت الملايير على كل فن قذر والبرامج السخيفة المخدرة حتى يتلهى الجائع فينسى جوعه..ويتلهى المظلوم فينسى من ظلمه..ويتلهى المسلوب فينسى من سلبه ونهبه.. لقد غسلنا أيادينا بماء نار وأقسمنا أن هذه الشعوب ما هي سوى عار وأعجوبة تنظاف على عجائب العالم السبع. رأينا في كل الدول الغربية كيف أن زيادة سنتيم أو سنتيمين في مادة الحليب تجعل الشعب يقيم الأرض ولا يقعدها..وجزمنا أمرنا أن مهما بلغت الزيادات في وطني العربي فلن يحرك الشعب ساكنا ولن يفتح فمه لأن هناك خوفا دفينا من الرقيب الذي ينتشر أمثاله في كل رقعة وشارع وزقاق يحصي الأنفاس ويكتب التقارير التي غالبا ما تجعل تهمة أي أحد فتح فاه أنه يريد المس بأمن الدولة. لم يحلم أي إنسان عربي أنه سيرى شعوبا عربية تثور وتزأر كالأسود..وتملك الجرأة والشجاعة الكافية لتقول كلمة حق عند الأنظمة الجائرة..لم نكن نحلم بأنه سيأتي يوم تتحرر الشعوب العربية من خوفها الذي سكن جلدها منذ قرون..وبكل بسالة تطالب الصنم بأن يغور وتطالب بكسر الوثن..لم يكن أحد في كل العالم يستطيع أن يتنبأ بأن يوما ما ستقف الشعوب العربية على قدم وساق وتندفع إلى الأمام بصدور عارية لا تخشى الرصاص ولا الدبابات ولا الطائرات ولا المرتزقة المدججين بكل أنواع الأسلحة..كل العالم قد أجزم أمره بأن الشعوب العربية قد خنعت وماتت لما رآه من استبداد وظلم وقهر وجور وفساد.. من كان يصدق أن أنظمة حديدية بمدرعاتها وطائراتها وجنودها وأموالها ودباباتها ومرتزقتها وبلطجيتها وخيلها وجمالها وحميرها ستركع أمام الشعب العاري الذي لا يملك إلا الصحوة والاستيقاظ من سباته الطويل. ستنحني لهذا الشعب عندما زمجر بكل قوة فشكل عاصفة أتت على الأخضر واليابس في أقبية النظام. كنا نسمع أنه لابد للنائم من يقظة، ولابد للمظلوم أن يثور..ولكن لم نكن نصدق أن الأمر يمكن أن يصدق على الشعوب العربية لما عانت من تنميط وقولبة وتدجين وتهجين حتى ظن الجميع أنها فقدت هويتها العربية وصارت فقط تحسن البكاء على الأطلال فتفخر بإنجازات الأجداد وتنظر إليها كأنها فيلم خيالي يستحيل أن يتحقق من جديد. ولكن، إن أبت الأقلام أن تكتب شيئا على صفحات التاريخ، فإن دم الشهداء أقوى من أن يوقفه أحد أو يمنعه من أن يخط في كتاب التاريخ أقوى الملاحم معلنا أن الأوان حان لإسقاط الأنظمة الخائنة، وأن الشعوب مهما طال سباتها فلابد أن يأتي يوم تثأر فيه من جلاديها وتأخذ حقها كاملا وزيادة..وتقلب الطاولة لتنقلب الأدوار فيخرج الشعب من سجون الأنظمة ليفسح المجال لكل وزير خائن وعميل ظالم وكل سفيه ظن أنه في الأرض خالد وأنه إلاه مسلط على البلاد والعباد بالقتل والتشريد والفساد..وقد غاب عنه أن دوام الحال من المحال وأن لكل طاغية يوما وأن الله يمهل ولا يهمل وأنه مهما طال الليل لابد يبدده الضياء.[/align]