يعيش الشارع الجزائري حالة من الصدمة بسبب نداء استغاثة بعثت به المجاهدة الجزائرية جميلة بوحيرد، أو "الشهيدة الحية" كما تعرف عربيا، تطلب فيه من الشعب الجزائري مساعدتها للعلاج بالخارج من عدة أمراض تعاني منها، في الوقت الذي أكد وزير سابق بالحكومة الجزائرية بأن "الرئيس بوتفليقة تكفل عام 2007 بعلاج المجاهدة الكبيرة". وتناقلت صحف الجزائر ومواقع الأنترنت استغاثة المجاهدة الكبيرة وجرى نقاش ساخن جدا بين الجزائريين في المنتديات والمواقع التفاعلية على شبكة الأنترنت خصوصا الفايسبوك، وانقسم المهتمون بقضية "جميلة الجزائر" بين مؤيد لخرجتها الإعلامية وبين معارض وحتى مشكك لها. واتهم بعض المتدخلين السلطات الجزائرية ب" تعمد تهميش رموز الثورة وقيادات كبيرة في البلد من أمثال بوحيرد "، بينما رفض آخرون التهمة وشددوا على أن " الرسالة غير واضحة الهدف وأن هناك من دفع المجاهدة لتقول هذا الكلام، لأنه من غير المعقول أن تكون مجاهدة كجميلة بوحيرد فقيرة لهذه الدرجة، وهي التي ساعدت كثيرين في حل مشاكلهم مع السلطات". نداء استغاثة وأحدث نداء المجاهدة بوحيرد هبة تضامنية كبيرة من الجزائريين، وبدأت القصة عندما نشرت صحف جزائرية نداء "استغاثة" المجاهدة جميلة بوحيرد، توجهت فيه بطلب المعونة من الشعب الجزائري ليساعدها في دفع تكاليف العلاج بالخارج من عدة أمراض تعاني منها وعلى رأسها مرض في القلب". كما رفضت اقتراح طبيب فرنسي نصحها بتسجيل نفسها في الشبكة الاجتماعية الفرنسية لتستفيد من الرعاية الصحية، لكنها رفضت مقترحه بشدة وقالت:كيف أعالج بأموال الدولة التي حاربتها؟". ونقلت صحيفة "صوت الأحرار" الناطقة باسم الحزب الحاكم في الجزائر، جبهة التحرير الوطني، حياة "الشهيدة الحية" في شقتها الكائنة بحي المرادية الراقي الذي يضم أيضا مقر رئاسة الجمهورية، وقالت الصحيفة في عددها لنهار اليوم الثلاثاء أنها " تعيش في شقة يعبق منها تاريخ الثورة متكونة من ثلاث غرف بالطابق ال15 للعمارة". وقالت جميلة التي تبلغ من العمر اليوم 74 سنة وما تزال تحتفظ بجمالها حسب الصحيفة، أن ما أنطقها هو "المرض الذي ألم بها وبدأ يحاصرها"، كما كشفت أنها تلقت بعد نداء استغاثتها "اتصالات من مختلف مسؤولي الدولة وشخصيات مرموقة من دول الخليج يواسونها ويعرضون عليها المساعدة مجددا لحل مشكلتها". قصتها مع سفير الجزائر بباريس وتقول عنها رفيقة دربها المجاهدة فاطمة أوزقان في تصريح لصحيفة الوطن الناطقة بالفرنسية في عدد أمس الاثنين 14- 12-2009 أن "جميلة بوحيرد انتقلت إلى باريس للعلاج بعدما حصلت على تكفل من الدولة، ولكن وجدت نفسها في فندق غير لائق للإقامة، وعندما اشتكت للسفير الجزائري بباريس ميسوم صبيح لم تجد منه التجاوب المطلوب".وتضيف رفيقة درب الشهيدة الحية بالقول " قررت بوحيرد بمجرد عودتها إلى الجزائر كشف المستور والحديث عما تعرضت له من إهانة". شهادة وزير سابق ومن جهته، كشف وزير الاتصال الأسبق في الحكومة الجزائرية محي الدين عميمور، في مداخلة شارك بها في النقاش الدائر حول قضية نداء جميلة بوحيرد على موقع الفايسبوك، بالقول: بمجرد أن قرأت الرسالة طلبت مقابلة وزير العمل والشؤون الاجتماعية الطيب لوح واستقبلني الرجل على الفور، وواجهته باستيائي فأخرج لي ملفا كاملا يؤكد أن المجاهدة الكبيرة أرسلت على نفقة الدولة وبتعليمات مباشرة من رئيس الجمهورية إلى أهم مستشفيات باريس في نوفمبر 2006 وفي فبراير 2008..وكان سفرها بالدرجة الأولى مع المرافق الذي اختارته وهو أخيها، واطلعت بنفسي على أوراق المستشفى وصور تذاكر الطائرة". وأضاف الوزير قائلا : "ويبقى أنني لا أعرف ما وراء هذا كله، وأشهد أمام الله أن بوتفليقة لم يقصر إطلاقا فيما يتعلق بعلاج المجاهدين، وكان آخر من استفاد من معونته المرحوم البشير بومعزة رئيس مجلس الأمة السابق ثم العقيد الطاهر الزبيري، الذي يقضي الآن فترة نقاهة،وما شهدنا إلا بما علمنا". من تكون جميلة بوحيرد؟ ولدت جميلة بوحيرد بحي القصبة بالجزائر العاصمة وهي مجاهدة جزائرية تعد الأولى عربياً وتلقب ب"الشهيدة الحية" كون الكثيرين من العرب وحتى الجزائريين يعتقدون أنها سقطت شهيدة في ثورة التحرير التي شاركت فيها كفدائية وواحدة من حاملات القنابل، بسبب أنه حكم عليها بالإعدام عام 1957، وهي فضلت العيش في الظل منذ استقلال البلاد وإلى غاية اليوم. وكانت البنت الوحيدة بين أفراد أسرتها فقد أنجبت والدتها 7 شبان، واصلت تعليمها المدرسي ومن ثم التحقت بمعهد للخياطة والتفصيل فقد كانت تهوى تصميم الأزياء. مارست الرقص الكلاسيكي وكانت بارعة في ركوب الخيل إلى أن اندلعت الثورة الجزائرية عام 1954 حيث انضمت إلى جبهة التحرير الوطني الجزائرية للنضال ضد الاحتلال الفرنسي وهي في العشرين من عمرها ثم التحقت بصفوف الفدائيين وكانت أول المتطوعات لزرع القنابل في مقاهي وأماكن تجمعات الفرنسيين. ونظراً لبطولاتها أصبحت المطاردة رقم 1. تم القبض عليها عام 1957 عندما سقطت على الأرض تنزف دماً بعد إصابتها برصاصة في الكتف وألقي القبض عليها وبدأت رحلتها القاسية مع التعذيب من صعق كهربائي لمدة ثلاثة أيام بأسلاك كهربائية. تحملت التعذيب ولم تعترف على زملائها ثم تقرر محاكمتها صورياً وصدر ضدها حكم بالإعدام وجملتها الشهيرة التي قالتها آنذاك" أعرف أنكم سوف تحكمون علي بالإعدام لكن لا تنسوا إنكم بقتلي تغتالون تقاليد الحرية في بلدكم ولكنكم لن تمنعوا الجزائر من أن تصبح حرة مستقلة". وبعد 3 سنوات من السجن تم ترحيلها إلى فرنسا وقضت هناك مدة ثلاث سنوات ليطلق سراحها مع بقية الزملاء عام 1962.