كم هو صعب أن يقنعني أيا كان، بوجاهة هذا التأسيس أو خطأه ؟ لا سيما وأن الأمر يتعلق بواحدة من الممارسات الأساسية التي قطع معها المغرب منذ فجر الاستقلال والتي تتعلق بالتعدد وحرية الاختيار ضد النزعة الشمولية للحزب الواحد والنقابة الواحدة والجمعية الوحيدة ؟؟ فمن وجهة ديمقراطية من حق أي مجموعات أن تؤسس ما شاءت من الأحزاب والنقابات والجمعيات والإطارات الجماهيرية، شرط احترام القوانين الجاري بها العمل، وعلينا أن نبقى أوفياء لهذا العهد والدفاع عن حق الجميع للتمتع به والاستفادة منه. أما مقولة وحدة العمل النقابي فأظن أنه حق أريد به باطل فمسألة الممثل الشرعي والوحيد أضاعت علينا فرص إعلان الإختلاف بهدف الوحدة، والتزام التعدد بهدف تأطير الجميع، حتى لا تستأثر فئة بقضايا الآخرين و على حساب مصالحهم. لكن ما محل الإنشقاق في كل هذا ؟ وما هي قيمته المضافة ؟ وكيف لنا أن نحمي مهنتنا من الوافدين الدخلاء، المتسترين تحت عناوين صحافية تجارية تفسد نبل المهنة وتعكر صفاءها ؟ هل بالفعل يحتاج الحقل الإعلامي الوطني والجهوي إلى إطار تنظيمي أم يحتاج إلى كنس كل الشوائب قبل أن يحدد المكان اللائق والوقت المناسب لبناء نفسه و صيانة ذاته. سأحاول بكثير من الجهد وقليل من الأمل في أن نرقى جميعا إلى تحمل المسؤولية عبر حوارات صريحة هادفة وصادقة بعيدا عن منطق المؤامرة وتصفية الحسابات لفتح نقاش هنا وهناك وتبادل وجهات النظر لتطوير الأداء وتصحيح الإعوجاج و إصلاح ما يمكن إصلاحه أما المكسور كالزجاج فنقول حسبنا الله ونعم الوكيل . في بعض الأسئلة والإفتراضات. تربطني علاقات احترام وتقدير مع بعض أعضاء مكتب النقابة الحرة للصحافيين بالجهة الشرقية، كما أنني لا أنفي وجود مسافة كبيرة مع البعض الآخر، لكن صراحة ما يهمني هو الاستفهام الجوهري ذي الأسئلة الفرعية الكثيرة و الافتراضات الموضوعية، التي تتطارح تباعا لدى كل مهتم وملتقط لإشارة هذا المولود الجديد في أبعاده التنظيمية وبرامجه العملية (إن وجدت طبعا) و دلالاته، وكم أكون سعيدا بوجود وجهات نظر أخرى لتفنيد أو دحض أو انتقاد ما توصلت له من خلال هذا الاجتهاد الذي أضعة في منزلة المجتهد الخاطئ أو المجتهد الصائب. فما هي القيمة المضافة لهذا المولود الجديد ؟ لماذا فكر بعض الزملاء الذين نشهد لهم بالكفاءة والمردودية وحب المهنة في تأسيس إطار جديد ؟ لماذا لم يقدموا أو يطالبوا بتجديد انخراطاتهم داخل النقابة الوطنية للصحافة المغربية بوجدة ؟ لماذا لم يطرحوا انتقاداتهم إن وجدت، فالنقابة الوطنية للصحافية المغربية ليس ملك لزيد أو عمرو ؟ فهل يعني أنهم أعلنوا انهزامهم وغادروا ؟ أم الأمر يتعلق بقناعة أنه يستحيل الاستمرار بالفرع الجهوي للنقابة الوطنية للصحافة المغربية في ظل الوضع الراهن ؟ وهذا فيه اعتراف ضمني بوجود اختلاف و وجهات نظر متناقضة ؟ إلى غير ذلك من الإفتراضات. الحقيقة أن النقابة الوطنية للصحافة المغربية ليست بالنقابة المستقلة فهي واحدة من الأجنحة الحزبية كما هو الشأن تماما بإتحاد كتاب المغرب و الجمعية المغربية لحقوق الإنسان وبعض الإطارات والمنظمات التي تدعي الإستقلالية، وقد عرفت محاولات تصحيح منذ أواسط تسعينيات القرن الماضي لكن للأسف الشديد تم إجهاض الفكرة وتشتيت إن لم نقل احتواء دعاتها (نقاش وتأريخ ما أحوجنا إلى إعادة إثارته و الأسباب التي كانت وراءه)، كما أن هناك العديد من الصحافيين والمراسلين الصحافيين الذين يرفضون الانخراط بالنقابة الوطنية للصحافة المغربية لعدة أسباب تبقى بعضها وجيهة. أما والأمر يتعلق بأول محاولة تأسيسية لنقابة جديدة وبالجهة الشرقية والتي فشل فيها العديد من الأطر الصحافية والمهنية على المستوى الوطني، فأظن أن المسألة تحتاج بل تفرض نوعا من النقاش والتحاور. النقابة الحرة للصحافيين بالجهة الشرقية، تضم خليطا غير متجانس كما هو الحال بالنقابة الوطنية للصحافة المغربية وهذا طبيعي لكنه يبقى مرفوض إذا كان عدم التجانس هذا مرتبط بسلوكات وأخلاقيات وممارسات تسيء للحقل المدني المغربي أكثر مما تسيء لمهنة الصحافة والإعلام . فهل التفكير في تأسيس النقابة الحرة للصحافيين بالجهة الشرقية هو ردة فعل على فقدان البعض لعضويتهم داخل المكتب المحلي للنقابة الوطنية للصحافة المغربية ؟. هل سيتم تسييد المصالح الشخصية على حساب مصلحة الجسم الصحافي كما هو الشأن بالعديد من فروع النقابة الوطنية للصحافة المغربية ؟. لماذا بالضبط تم انتخاب مكتب بالنقابة الحرة للصحافيين بالجهة الشرقية غلب على تشكيلته العديد من الصحافيين المنتسبين(موظفين بالقطاع العام أو الخاص) على حساب الصحافيين المهنيين أو الصحافيين غير النظاميين (ليست لهم أية وظيفة من غير مراسل أو متعاون أو صحافي لكنهم غير حاصلين على بطائق مهنية) .. هل سيتم تعميم التجربة الجديدة للنقابة الحرة للصحافيين بفروع وجهات أخرى أم أن الأمر يتعلق بنقابة جهوية ؟ في بعض الخلاصات و الأجوبة. يبدو أن حق تأسيس نقابة لم يستوعبها بعض الزملاء لأن الأمر لا يتعلق بجمعية، فالقانون و إن كان أصلا يجمع كل الإطارات الجماهيرية من خلال ظهير الحريات العامة، إلا أنه عمد إلى تفصيل و تخصيص قوانين فرعية خاصة بالأحزاب والنقابات وجمعيات المجتمع المدني باختلاف تخصصاتها ومجالات اشتغالها. فالحزب ليس هو النقابة والنقابة ليست جمعية وجمعية حقوقية ليست هي جمعية تنموية أو فلاحية أو لذوي الإحتياجات الخاصة، فالأصل هو ظهير الحريات العامة والفرع هو قانون الأحزاب والجمعيات والنقابات. و القانون بشكل عام يمنع الأحزاب الجهوية كما النقابات منهما ذات الأهداف والمضامين العرقية، فتأسيس نقابة يخضع لقوانين تنظيمية ومساطر فريدة، أساسها ممارسة تنظيمية للدفاع عن المصالح المادية والديمقراطية لفئة المنتسبين إليها في وجه إدارة أو مشغلين من القطاع العام أو الخاص، و مادام أن الزملاء أصروا على تأسيس نقابة وليس جمعية، فكان من الأجدر بهم أن يعلنوا كصحافيين انتمائهم إلى إحدى المركزيات النقابية الوطنية الموجدوة، وعبرها يتم تأسيس تنظيم محلي نقابي خاص بالصحافيين تابع إلى المركزية النقابية المختارة لتجاوز الإشكال التنظيمي والتأسيسي. كما هو الشأن بالنسبة للعاملين من داخل القنوات العمومية والذين يرفضون الاشتغال بالنقابة الوطنية للصحافة المغربية، لكنك تجدهم منخرطين بمركزيات نقابية عبر قطاع الصحافيين. كان على الزملاء المؤسسين والمنخرطين بالنقابة الحرة للصحافيين بالجهة الشرقية، أن يبقوا على ارتباطهم التنظيمي بالنقابة الوطنية الصحافة المغربية إلى حين، و يطالبوا بتجديد انخراطاتهم ويقدم الآخرون طلبات حصولهم على الانخراط، أن يدعموا الموقف الرافض لبعض تصرفات المكتب الحالي والذي لازال متشبث ببنود الاتفاق المسبق قبيل انعقاد المؤتمر الجهوي الأخير في إطار العمل الجماعي والتشاركي ومقولة فريق العمل وبرنامج العمل. كان لابد من الدعوة إلى عقد لقاءات واجتماعات تنظيمية بين كل الأعضاء لتدارس المشاكل والمعوقات وتبادل وجهات النظر والتنسيق بين الجميع بهدف تطوير أداء النقابة وتجديد آليات اشتغالها ورسم خارطة طريق المساهمة في التنمية، والوقوف على العديد من السلبيات التي تسيء إلى النقابة الوطنية للصحافة المغربية و معها الحقل الإعلامي. وحين يتوصل المعنيون إلى استحالة العمل داخل الفرع المحلي للنقابة الوطنية للصحافة المغربية فمن حق كل واحد أن يعلن انسحابه أو استقالته وكذلك من حقه أن ينخرط أو يؤسس ما شاء له من النقابات أو الجمعيات أو النوادي ؟. أما والهروب من تحمل المسؤولية، وترك الجمل بما حمل، والتفكير في نقابة بديلة، تحت مبرر حق التعدد فأظن أن الجسم الصحافي سيفقد واحدة من أهم أسباب استمراره وهو المصداقية وتنامي نزعة الإقصاء والعمل على ربط وجود هذا بزوال الآخر. إن تأسيس إطار بديل يعني أن المؤسسين غير راضين عن الإطار الأم، وبالتالي توصلوا إلى قطع كل الروابط وإعلان الطلاق، وهم في هذه الحالة متهمون بالتستر على سلوكات أو تصرفات أرغمتهم على تأسيس بديل وهو ما يتنافى وأسباب تواجدهم واستمرارهم. في تشتيت جهود الإصلاح. من بين الخلاصات التي يمكن التركيز عليها، هو أن تأسيس نقابة جديدة أو بديلة للنقابة الوطنية للصحافة المغربية بالجهة الشرقية مرده إلى قناعة أو حاجة المؤسسين إلى إطار بعيد عن الإطار الأصل لأسباب لا يعلمها إلا هم و لكن عناوينها البارزة يعرفها كل مهتم حامل لهموم المسألة التنظيمية للفرع الجهوي للنقابة الوطنية للصحافة المغربية بوجدة و التفكير في تطوير آليات اشتغاله و العمل على حماية وصيانة المهنة أولا ومن بعدها عموم المنخرطين، وعبرهما الدفاع عن حرية الرأي والتعبير. إن أوضاعا و ممارسات معينة أو طريقة اشتغال المكتب الحالي و بعض الأطراف المشكلة له واحدة من الأسباب المباشرة التي دفعت البعض في تأسيس إطار بديل، ففكرة التأسيس هذه ليست بدواع إيديولوجية أو مواقف سياسية أو اختلاف وجهات نظر سبق الإعلان عنها، أو حتى نتيجة تيار بتصور نقابي جديد، هذا في غياب أي معلومات دقيقة أو أوراق تأسيسية أو برنامج عملي مطروح للخاص أو العام (ما عدا البلاغ التاسيس الديبلوماسي)، وبالتالي فالتأسيس من هذه الناحية ينطوي على نزعة لا أقول ذاتية ولا مصلحية ولكن بنزعة خلق مسافة و فرض أمر واقع بين أطراف أغلبها ليس بالمكتب المحلي للنقابة الحرة للصحافيين لكن عضوة و مؤسسة، و بين النقابة الوطنية للصحافة الوطنية لأن هذه الأطراف أصبحت على يقين تام بأنه يستحيل حصولها على عضويتها أو مقعد ضمن مكاتبها، وبالتالي لا بد من ركوب مركب التعددية وحرية الاختيار، وهذا الاختيار يبقى من وجهة نظر أخف الضررين وعليه يبقى التأسيس مشروعا طبقا لخلفيات بعض المدافعين عن فكرة تأسيس إطار بديل. تحدثت عن استحالة حصول بعض أعضاء النقابة الحرة للصحافيين على عضوية النقابة الوطنية، وللتاريخ لابد من توضيح ما يلي: أن هناك بعض أعضاء هذه الأخيرة يجب سحب عضوياتهم أو تجميدها أو طردهم، كما أن زملاء آخرون بالنقابة الحرة مكانهم الطبيعي بالنقابة الوطنية ، وبين هذه وتلك هناك البعض ممن يجب عليهم مغادرة هذه المهنة احتراما لنبل رسالتها لأن ما يربطهم بها هو النصب والاحتيال و التشويش والتخابر والتآمر والبيع والشراء و" كراء الحنوك" اللهم اجعل لنا مخرجا. بالفعل كنت أعتقد أن انضمام بعض الزملاء إلى التجربة الجديدة للمكتب الحالي للنقابة الوطنية للصحافة المغربية بوجدة سيكون بقيمة مفيدة، وكم تمنيت انخراطهم الفعلي في مصاحبة زملاء المكتب الحالي و مشاركتهم باقتراحاتهم وأفكارهم وبمراقبة مصحوبة بصراحة ونقد بناء، وكم وجدت نفسي أمام صدمة كبيرة و مرعبة حين سمعت بخبر تأسيس النقابة الحرة وكانت الطامة الكبرى حين عرفت بتواجد العديد من الأسماء بالمكتب المشرف على التجربة التأسيسية منهم من هو قريب مني رفيق وصديق وأخ، ومنهم من هو بعيد مني لكن تقديري له ثابت واحترامي له لا رجعة فيه بالرغم من مسافة الاختلاف والتباعد. و مرد هذه الصدمة ليست فكرة التأسيس أصلا ، فهذا حق محسوم ومكفول احتراما للرأي والتعدد والاختلاف الذي لا يفسد للود قضية، ولكن لفكرة توسيع دائرة التجاوزات والممارسات السلبية و انفراط ما تبقى من حبات النزاهة والأخلاق واحترام حق القارئ في المعلومة والخبر دون توجيه أو ضغط أو تدليس أو تزوير. يكفي ما ورثناه عن النقابة الوطنية للصحافة المغربية من ممارسات و صحافيين وفضائح ؟. يكفي كل هذا الذي يجري وسط هذه المهنة التي أصبحت مهنة من لا مهنة له ؟. يكفي ما ترسب هنا وهناك من كتابة تحت الطلب وردود مدفوعة الثمن و مقالات بلا لون ولا رائحة ولا طعم . لكن يبدو أن فرصة أخرى تضيع و تجربة أخرى ستمر دون الوصول إلى صيانة الحقل الإعلامي بالجهة الشرقية وتطويره وحمايته من الوافدين المتربصين. تلكم وجهة نظر لا غير.