طالعتنا الانباء صباح هذا اليوم برحيل عالم عظيم بعلمه ، وكبير بشموخه ، وجليل بورعه وتقواه ، ونظيف بيده ولسانه وسريرته ولا نزكي على الله احدأ ، ولكن المؤمن تعرفه بسيماه ومحضره وما ينطق به لسانه وما يسجل له على السنة الناس ، وقد شهد له بذلك وانا على ذلك شهيد.. اختار ان يكون عالم من اهل الله الزاهدين في دنياهم وليس من اشباه العلماء من اهل الدنيا اللاهثين وراء الحرام والفتاوى المجيرة للسلطان، فكان متعبا من عظم ما يرى من فساد ولكنه ادرك بعمق المؤمن العالم المدرك ان من راى منكم منكرا فلغيره بيده فان لم يستطع فبلسانه ، فان لم يستطع فبقلبه، وذلك اضعف الايمان. عشرون يوما تعلمت خلالها من الرجل الكثير ، عندما كنت في رحلة حج مع البعثة العسكرية الى الديار المقدسة قبل نحو تسعة عشر عاما ، وكان شيخنا العالم الفاضل نوح القضاه رحمه الله رئيس بعثة الحج العسكرية في ذلك الوقت ، وكنت لصيقا به ومحبا له ، وكان اول درس تعلمناه منه في التواضع والايثار وحمل الامانة ، عندما ابى ان يقدم نفسه وتقدم له التسهيلات باعتباره رئيس البعثة الا بقدر ما يقدم للبعثة باكملها ، فهو واحد منهم ، وبقي ينتظر دوره دون جزع او تافف.. وعلى مر الايام والليالي تلك كان مثالا للراعي الذي يؤتمن على رعيتة، دائم السؤال والتفقد ، آخر من ياكل واول من يهرع للصلاة ، كل وقته تسبيح وتامل ، لا تغادر الابتسامة محياه ، يحيي ليله ويكتفي بالقليل من النوم لانها ايام لا تعوض في رحاب الله وبيته العتيق ، دائم الصمت ولكنه اذا تحدث اصاب واثر وابكى الحضور في كثير من الاحيان ، وبين كلماته تلك تقرا عمق العمق من الهم والالم والاشفاق على الامة والوطن ، والكثير الكثير مما يقال ولا يتسع له المقام .... رحمة من الله يا شيخنا ، وجعل قبرك روضة من رياض الجنة ، وآخرتك في جنان النعيم ، وصدق الله العظيم } مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً {