من غريب الصدف أن يتزامن الموت والسجن بالنسبة لعمال آبار الموت بجرادة ، ، ففي الوقت الذي كان يحاكم جزء منهم بمحكمة الاستئناف بوجدة ، كانت هناك مأساة ضحيتين بركام الأتربة على صدورهم النحيلة بجرادة ، ولم تتريث الموت لإضافة ضحايا جدد يوم 09/11/2010 ، حتى يعلم الجميع بان هناك مأساة بهذه المدينة ، حيث سقطت بئر أخرى على ثلاثة أشخاص كان ضحيتها شاب في مقتبل العمر فيما نقلا اثنان إلى المستشفى للعلاج . وبمجرد السماع بالخبر حجت الجماهير إلى مكان الحادث وتحول المشهد إلى وقفة احتجاجية ، ولقد أصر المحتجون على نقل الضحية في ملابس عمله وبدمائه وأتربة الفحم على جسمه النحيل في موكب جنائزي أبكى كل من شاهد ذلك المنظر المحزن/المرعب ، وكان يريد المحتجون نقل الجثة إلى باب العمالة ، لاشعارهم بالمسؤولية التي يتحملونها اتجاه هؤلاء الأبرياء ، إلا أن قوات الأمن اعترضت سبيل المحتجين مما جعلهم يضعونه بمستودع الأموات القريب من المقبرة . ولعل القدر شاء أن يقف مسؤول حكومي على هذه المأساة التي تعيشها المدينة فقد تزامنت زيارة وزير العدل السيد محمد الناصري لمحكمة الاستئناف بوجدة يوم الأربعاء 03/11/2010 مع انطلاق جلسة أخرى من جلسات المحاكمة الماراطونية لعمال الفحم بجرادة ( الساندريات ) حيث يتابع 38 عاملا ، بينهم ستة عمال يتابعون في حالة اعتقال منذ نفس التاريخ وقد اعتقلوا أثناء تنظيم اعتصام سلمي في شهر دجنبر 2009 احتجاجا على الاستغلال الذي يتعرض له عمال الساندريات من طرف أباطرة الفحم بجرادة ، الذين يتحكمون في السوق دون تحمل ضمانات وبالتالي هم من يستفيد بينما العمال الذين يعرضون أنفسهم للخطر يوميا يكتفون بالفتات ، فقد تعرض العمال لمخادعة من طرف احد "الأباطرة" الذي أوهمهم بأنه سيشتري الفحم المستخرج، إلا انه اختفى ووجد العمال أنفسهم ضحية مما دفعهم إلى الاحتجاج ، هذه الاحتجاجات لم يصنعها العمال بقدر ما هي مظهر عفوي يرافق هذه المشاهد المأسوية التي تعيشها المدينة وتعبيرا عن الغضب من الظروف المأسوية التي تتكرر . وقد تجمع بخارج قاعة المحكمة عدد كبير من رجال الشرطة كما عرفت الجلسة حضور عدد مهم من المحامين للدفاع عن المعتقلين ، وقد طلب دفاع العمال تمتيعهم بالسراح المؤقت نظرا لطول مدة اعتقالهم الاحتياطي ، كما أشاروا في مرافعاتهم إلى طبيعة هدا الملف باعتبار المعتقلين تم إيقافهم وهم يمارسون حقهم الشرعي في الاحتجاج من داخل اعتصام سلمي دفاعا عن حقوقهم ، وقد تم تأجيل الجلسة إلى يوم 22/12/2010 . قد لا يعرف الكثيرون ما معنى " الساندرية " وما معنى أن تعمل تحت الأرض في غياب شروط السلامة وغياب ضمانات حقوقية لهؤلاء العمال الذين يتساقطون بالتوالي وكأنهم لا شيء ، والذين يعملون في ظروف لا إنسانية في جوف الأرض . فهل من العدل أن يحاكم عمال قبل أن نوفر لهم الشروط القانونية والعادلة التي تحميهم كمواطنين ينتمون إلى دولة " الحق والقانون " . وإذا كان العمال يحاكمون في مؤسسة من مؤسسات الدولة العدلية فان الجماهير الغاضبة بجرادة قامت بمحاكمة المسؤولين من خلال الشعارات المرفوعة التي بحت بها حناجرهم ، وللأسف لا زال المسؤولون لا يريدون الإنصات لهذه الاحتجاجات بقدر ما يسمعون لأطراف أخرى تستفيد من وضع فوضوي يلقي بالشباب إلى الموت ويرفع من مآسي المدينة . نظرة لا تكرس إلا منطق المواطن النافع والمواطن غير النافع ... فمدينة جرادة تعيش على فوهة بركان لا يعرف احد متى يندلع في غياب حلول واقعية اجتماعية واقتصادية ولن تكون المقاربة الأمنية التي يتعامل بها المسؤولون إلا مسكنا ظرفيا . ------------------------------------------------------------------------- التعاليق : 1 - الكاتب : ابو ايمن الحقيقي ------------------------------------- مع تقديري للاخ كاتب المقال واعتبارا لاهمية الموضوع ، لا اريد تكرار مشاركتي بموقف حول ما ورد لانني عبرت عن ذلك عبر مشاركات سابقة اخرها بخصوص المقال القيم للاخ السباعي محمد حول موضوعه "صرخة جيرمنال من حاسي بلال" فقط نبهني المقال الى مسألة مهمة وهي تعريف الساندرية. فالمصطلح معروف عندنا بجرادة وقد يطلع عليه بعض الاخوة حول ربوع الوطن دون معرفة ماهيته.فالساندرية عبارة عن حفرة عميقة تتجاوز 14 مترا بشكل عمودي وعند هذا العمق قد تمشي يمينا او يسارا بمسافات متفاوتة يهدف من ورائها العمال الى الوصول الى طبقات الفحم الحجري حيث يستخرجونه. وبعض الساندريات قد تصل الى عمق اكثر يوازي ابار المياه(احداها سمعت انها وصلت الى 63 مترا)، كما تستعمل وسائل بدائية من حبال وخشب بالاضافة الى اليات للحفر Compresseur , marteau piqueur ... وتحتوي بعض اعماق هاته الحفر او "الساندريات" على مياه او غازات لهذا عادة ما يعمد العامل الى اصطحاب شمعة الى الاعماق وقي حال انطفأت يعرف ان بالعمق غازات... كما ان حالات وفيات سابقة كانت نتيجة المياه التي غمرت البئر فجأة جراء الحفر، ويختلف سمك طبقة الفحم la couche du charbon من منطقة لاخرى وكلما كان السمك كبيرا كانت الارض اكثر هشاشة مثلما حدث للوفيات الثلاثة الاخيرة التي حسب بعض العمال كان يبلغ سمك الطبقة بها مترا و30 سنتيمترا (1.30). ويمكن للاخوة المتوفرين على معلومات اضافية موافاتنا بها.