شغل خبر إحصاء المجازين خلال هذه الأيام شريحة واسعة من رجال التعليم سواء الذين يعنيهم الأمر من حملة الإجازة في كل من الابتدائي و الثانوي الإعدادي أو غيرهم . و ذهبت التأويلات كل مذهب في تناولها لمبررات هذا الإحصاء و خلفياته ، فهناك من زعم بأن الأمر يتعلق بنية الوزارة في تصفية المشاكل الخاصة بهذه الفئة و هناك من تحدث عن تغيير الإطار و إعادة الانتشار بالثانوي التأهيلي و هناك من اكتفى بالاستبشار خيرا بهذا الإحصاء دون أن يحدد إيجابياته . و السؤال الذي يطرح نفسه بإلحاح هو : لماذا الآن بالضبط ؟ لكي نجيب عن هذا التساؤل بشكل موضوعي من اللازم وضع هذا الخبر في سياق المستجدات التي يعرفها قطاع الوظيفة العمومية بشكل عام .فمن المعروف أن وزارة تحديث القطاعات العامة أصبحت على وشك الإعلان عن منظومة أجور جديدة سيتم من خلالها إعادة هيكلة الأطر و الدرجات و ترتيبها ضمن ثلاثة مستويات : مستوى التأطير و مستوى الإشراف و مستوى التنفيذ .و هي مستوحاة من منظومة الأجور المعمول بها حاليا في فرنسا بحيث يتم تأجير الموظف بناء على العمل المنجز و المؤهلات وليس على أساس الدرجة أو السلم. وزارة تحديث القطاعات العامة تحتاج إلى معرفة دقيقة لعدد المجازين بكل قطاعات الوظيفة العمومية لإعادة ترتيبهم ضمن مستوى من مستويات الهيكلة التراتبية الجديدة من منظومة إصلاح الأجور، و من المحتمل جدا أن يتم تصنيف هذه الفئة في مستوى التأطير الذي سيشترط لولوجه مستقبلا الحصول على الإجازة أو الماستر مع اجتياز مباراة داخلية و لعل إرهاصات ذلك قد بدأت فعلا ، إذ تحدثت مصادر نقابية ( لا أنتمي لأي تنظيم منها ) عن أن مديرية الموارد البشرية أبلغتها بأنه سيتم ، في أعقاب عملية الإحصاء ، ترقية جميع المجازين المرتبين حاليا في الدرجة الثالثة إلى السلم العاشر بعد مباراة داخلية عادية . فما الداعي إلى المباراة إذا كان سوف يتم ترقية الجميع ؟ تساؤل مشروع نجد أحد عناصر الإجابة عنه في تفاصيل مشروع المنظومة الجديدة الذي ينص على ضرورة اجتياز المباراة للحاصل على الشهادة الجامعية كأحد الشروط المطلوبة للانتقال من مستوى الإشراف إلى مستوى التأطير . لكن تبقى حلقة مفقودة في إجابتنا عن السؤال : لماذا إنجاح الجميع ؟ من الواضح أن الوزارة تريد أن تضرب عصفورين بحجر واحد ، فهي تريد من جهة أن تضمن تمرير هذا الإصلاح الهيكلي بسلاسة و هدوء و بمباركة جل الفرقاء الاجتماعيين ، وبما أن من شأن إصلاح هيكلي من هذا القبيل أن يثير بعض الاحتجاجات في أوساط الأطراف المتضررة من حاملي الشواهد ، فقد ارتأت الوزارة من جهة ثانية في إطار جبر خواطر النقابات التي كانت تطالب بإدماج غير مشروط لحملة الإجازة أن تكون المباراة قبل دخول المنظومة الجديدة حيز التنفيذ شكلية ليس إلا . و بهذا تكون قد أحدثت قطيعة نهائية مع ممارسة قديمة كانت الشهادة الجامعية فيها تخول لحاملها الترتيب في سلم معين من دون أن يكون للعمل المنجز قسط في هذه الترقية . و ماذا بعد ؟ بعد أن تتمكن الوزارة من وضع هذا الأسلوب من الترقية ، إذا صح التعبير ، في طريق الانقراض ، ستنتهي من تجاوز أحد الاختلالات الكبيرة التي تطبع منظومة الأجور الحالية و التي تتمثل في التفاوت في الأجر مقابل نفس العمل المنجز ضمن نفس الإطار و غياب عنصر المردودية و الإنتاج . و تعول الوزارة على المنظومة الجديدة لإصلاح شبكة الأجور التي ستحاول تقليص الفوارق بين أدنى أجر و أعلى أجر ضمن نفس الإطار . كيف ذلك ؟ سينتهي العمل بالسلم أو الدرجة و سيحل محله الفئة الوظيفية التي ستنقسم بالنسبة لرجال التعليم إلى مستويين اثنين هما : أ) التأطير و ب) الإشراف . مستوى التأطير : و يضم الأطر و الدرجات المرتبة في سلالم الأجور رقم 10 و 11 و خارج السلم أو ذات ترتيب استدلالي مماثل ( التأهيلي ) . مستوى الإشراف : و يضم الأطر و الدرجات المرتبة في سلالم الأجور رقم 9 و 10 و 11 أو ذات ترتيب استدلالي مماثل (الابتدائي و الثانوي الإعدادي ) . و سيتميز كل مستوى بوجود شبكة متوازنة من الأرقام الاستدلالية تسمح للأستاذ بالترقي بسلاسة وفق العمل المنجز و المردودية و المؤهلات ( شبكة التنقيط الجديدة جاءت استجابة لهذا التوجه ) . و هكذا سيتمكن الأستاذ النشيط من التدرج في مستواه من خلال الارتقاء في شبكة الأرقام الاستدلالية الجديدة و تحسين وضعيته المادية تدريجيا من دون الحاجة إلى انتظار نظام الحصيص أو الحصول على شهادة جامعية قد يتطلب الحصول عليها التضحية بالعمل المنجز داخل القسم . و ماذا عن خارج السلم ؟ كما قلت لن تكون هناك سلالم بل مستويان يتكون كل واحد منهما من شبكة أرقام استدلالية متوازنة يتم فيها مراجعة القيمة الاستدلالية لكل رقم بما يضمن عدم حصول تفاوت كبير في الأجور داخل نفس المستوى . فمن المنتظر أن يضم مستوى الإشراف أرقاما استدلالية تمتد من 235 إلى 704 بينما يتوقع أن يشمل مستوى التأطير أرقاما استدلالية من 275 إلى 870 . و لضمان ترتيب استدلالي مماثل لخارج السلم سيكون من الضروري ( و هنا تأتي الإجابة عن السؤال المطروح آنفا ) الانتقال من مستوى الإشراف إلى مستوى التأطير إما بواسطة مباراة لحاملي الشواهد العليا أو بتلقي تكوين بالمعاهد و المدارس العليا أو بواسطة الترقية بالنسبة للذين استكملوا الترقي داخل مستوى الإشراف ، لهذا فإن الحديث عن قرب صدور مرسوم للترقي إلى خارج السلم بالنسبة للابتدائي و الثانوي الإعدادي يدخل في باب التمني ليس إلا .