ماذا يعني تهديد رئيس هيئة أركان الجيش الإسرائيلي المنتهية ولايته الجنرال غابي أشكنازي عندما يقول، بأن على إسرائيل أن تعمل على حسم الحرب المقبلة في حال اندلاعها داخل أراضى العدو، ويجب على الجيش أن يستخدم كل ما أتيح له من قوة خلال تلك الحرب، وينبغي أن تكون فترة الحرب قصيرة، ونتيجتها حاسمة، وأن يظهر فيها المنتصر من الخاسر بوضوحٍ لا يثير شكوكاً ولا تساؤلات. فماذا يقصد رئيس أركان جيش العدو عندما يطلق تصريحاته وسط كل قادة أجهزته العسكرية والأمنية، وفي حضور القادة الميدانيين، العسكريين والأمنيين لمختلف القطاعات العسكرية، وبمشاركة قطع عسكرية من مختلف القطاعات الجوية والبرية والبحرية، والمدفعية والمدرعات والمشاة والهندسة، فهل كان يهدد ويتوعد، أم أنه كان يتمنى ويتخيل، فتصريحات رئيس أركان جيش العدو المغادر لمنصبه قريباً واضحة، وتحمل رسائل عدة، موجهة ومقصودة، للداخل الإسرائيلي، ولجبهة الخصوم، فهي تحمل تهديداً بلغةٍ عسكرية صارمة، وتؤكد على جدية التعليمات المعطاة لقادة مختلف الأجهزة الأمنية والعسكرية الإسرائيلية، وهي تعبيرٌ واضح عن الأجندة الإسرائيلية في المرحلة القادمة، كما فيها اعترافٌ مبطن بالعجز، وبتراجع قدرات الآلة العسكرية الإسرائيلية، وفيها إحساسٌ لجوجٌ بالحاجة إلى نصر، وإقرارٌ بقوة الخصم، وتنامي قدراته العسكرية، واعترافٌ صريح بتغير قواعد الحرب والمواجهة. فإسرائيل على لسان رئيس أركانها تخطط لحربٍ على أرض الخصم، فتهاجم وتعتدي على أرضٍ خارج حدودها، لتنأى بداخلها عن أي معركةٍ عسكرية قادمة، ليقين رئيس أركان جيشها، وغيره من القادة العسكريين والسياسيين، أن الجبهة الداخلية الإسرائيلية غير قادرة على تحمل أعباء أي حربٍ قادمة، فالمجتمع الإسرائيلي غير مهيأ داخلياً لخوض حرب، يتكبد فيها خسائر كبيرة، وضحايا بالآلاف، وتتعرض بنيته التحتية للدمار الكامل، ولهذا فإن أشكنازي يؤكد على الاستراتيجية الإسرائيلية القديمة، القائمة على الغزو والاعتداء، والتي تطمئن المجتمع الإسرائيلي، أن الحرب القادمة ستكون خارج الحدود، وضد قوىً معادية تشكل خطراً على أمن الدولة العبرية، وما يقصده أشكنازي بأرض العدو، ليس إلا سوريا ولبنان وإيران، فهم القوس المعادي لإسرائيل، والذي يهدد أمنها، ويشكل خطورةً على مستقبلها. ويدرك غابي أشكنازي في تصريحاته أن جيشه غير قادر من الناحية النفسية، والجاهزية الميدانية على خوض معركةٍ عسكرية كبيرة، وهو الذي واجه القيادة السياسية إثر العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة نهاية العام 2008، بالأزمات التي يعاني منها جيشه، وبالثغرات الكبيرة التي كشفتها معاركه في لبنان وغزة، وأنه لم يعد في استطاعته خوض معارك سريعة، وحسم نتائجها بسرعة لصالحه، فلهذا كانت تصريحاته واضحة بأن الجيش الإسرائيلي سيستخدم كل ما لدية من قوةٍ متاحة ضد الخصم وعلى أرضه، وكأنه بهذا يطمئن جيشه وشعبه بأن الجيش الإسرائيلي مازال يمتلك أسلحة تقليدية رادعة، وقادرة على حسم نتيجة المعركة، وأن الجيش الإسرائيلي في معاركه السابقة لم يستخدم كل ما لدية من أسلحة تقليدية، ومازال في مستودعاته أسلحة لم يستخدمها، وقوة لم يدخلها المعركة، فجاءت تصريحاته وكأنها تعليمات إلى قادة أجهزته العسكرية والأمنية، بضرورة استخدام كل القوة المتاحة لحسم المعركة، وبضرورة التخلي عن أخلاقيات الحرب في المعركة القادمة، فالغاية هي الانتصار وحسم نتيجة المعركة، أياً كانت القوة المستخدمة، وبغض النظر عن تجاوز أخلاقيات المحارب النبيل، التي يفتقر إليها الجندي الإسرائيلي في كل معاركه، رغم إدعاء المسؤولين الإسرائيليين أخلاقية ومناقبية الجندي الإسرائيلي، فأشكنازي يدرك حالة جنوده، ومدى حاجة جيشه وشعبه إلى انتصارٍ جديد يحققه ضد الخصم، وهو ما أصبح صعباً على الجيش الإسرائيلي في السنوات الأخيرة. ويدرك غابي أشكنازي أن جيشه غير قادر على حربٍ طويلة الأمد ، كما أن المجتمع الإسرائيلي لا يستطيع أن يتحمل أعباء حربٍ قد تستمر لأشهر، بما يعني اللجوء إلى الملاجئ، والتخلي عن جميع متع الحياة، وتعرض مصالحهم ومنشآتهم وأعمالهم للتخريب والتدمير، فضلاً عن الخوف والذعر الذي قد تسببه حرب الصواريخ، التي هي سمة أي حربٍ قادمة، ولهذا يتطلع رئيس أركان جيش العدو إلى حربٍ خاطفةٍ سريعة حاسمة، أشبه بعملية الكي، تلامس الهدف، وتحقق المطلوب في أقصر وقتٍ ممكن، وهو أمرٌ لم يعد في قدرة الجيش الإسرائيلي تحقيقه، في ظل تنامي قدرات المقاومة، وامتلاكها لأسلحة وصواريخ رادعة، قادرة على الوصول إلى أدق وأبعد الأماكن. عندما تهدد إسرائيل بضرورة استخدامها لكل القوة المتاحة لديها في أي معركةً قادمة مع الخصم، فإنها تعترف بوضوح بصعوبة نيلها الفوز، أو تحقيقها الانتصار على الخصوم الجدد، فخصوم إسرائيل الجدد إنما هم مقاومة عنيدةٌ صلبة، وإرادة شامخة، ترفض أن تهزم، وتسعى لأن تحقق النصر، وتهزم العدو، فلا تلين ولا تضعف، ولا تستسلم ولا تخضع لقوة وتهديدات العدو مهما بلغت، ولهذا فإن تصريحات رئيس أركان جيش الاحتلال غابي أشكنازي، اعترافاتٌ مهمة، ومصارحةٌ واضحة، بأن المهام التي يواجهها جيشه وحكومته مهماتٌ صعبة، وأهدافٌ قد تكون مستحيلة، والعقبات التي باتت تعترض طريق جيشه أكبر من أن يتجاوزها، فهو يتطلع إلى نصرٍ واضح، وهزيمةٍ منكرة تلحق بخصمه، وتنعكس نتائجها على الأرض، استسلاماً وخضوعاً وتراجعاً، وتوقفاً عن كل أشكال المقاومة، وسحباً للسلاح، وتجريماً للمقاومين، وسلاماً مذل يفرض على خصومه، وهو ما عييَّ العدو عن تحقيقه، بما استخدم من قوةٍ مفرطة، وهو يكذب عندما يدعي أن جيشه لم يستخدم كل القوة المتاحة لديه في معاركه السابقة، فهذا أمرٌ لا نصدقه نحن ولا غيرنا، إذ أن جيشه قد استخدم في عدوانه على لبنان وغزة أسلحة حديثة، وقذائف وصواريخ لم يتم تجريبها من قبل، ولكنها لم تأت بالنتيجة المرجوة، ولم تحقق لهم الأهداف المرسومة، ولم تتمكن من كسر إرادة المقاومة، ولذا فإن تصريحات وتهديدات غابي أشكنازي ستبقى أحلامٌ وأماني، ولن تجد طريقها إلى النجاح في ظل إرادة مقاومة عرفت كيف تستعصي على الهزيمة، وعرفت كيف تنتزع النصر مهما كان عزيزاً. دمشق في 14/10/2010