كان لتحرك الدبلوماسية المغربية على الصعيد الدولي، إلى جانب المجتمع المدني، أثرها في إعلان الإفراج عن مصطفى سلمى ولد سيدي مولود ، لاكن ما نال اهتمام الإعلام الوطني والدولي ومنظمات ومؤسسات دولية لحقوق الإنسان هو إختفائه المفاجئ وتعرضعه لمحاولة تصفية من طرف ميليشيات الجبهة مما يثبت عدم وفائهم الدائم و نضامهم الديكتاتوري المتسلط على مرار السنين، لتسليط الضوء على ما يجري في في مخيمات تندوف. مصطفى سلمى ظل يبحث عن الحقيقة الضائعة في سجون البوليساريو لإخراج أهله وقبيلته والمجتمع الصحراوي من الحياة البدائية. إذ بحث عن حلول واقعية لقضية الصحراء المغربية، ووجد أن الحل يكمن في المقترح المغربي للحكم الذاتي الذي اعتبره حلا منطقيا وواقعيا لكل الصحراويين في الداخل والخارج. ولد مصطفى سلمى ولد سيدي مولود سنة 1963 بمنطقة تيفاريتي العازلة، وترعرع في صغره وسط أهله وعائلته في السمارة، تحت إشراف والده مولاي سلمى إسماعيلي، شيخ قبيلة الركيبات لبيهات، الذي كان يولي عناية خاصة به. عاش مصطفى طفولته كسائر الأطفال والصبيان في الصحراء، يمارس اللعب رفقة أصدقائه، وكان يلتزم الصمت وسط مجلس العائلة، وكان كثير اللعب والمغامرات مع أصدقائه، متميزا في دراسته، وذكيا، يشارك في الحوارات الهادفة، ويناقش من باب الإقناع، وكان طموحه كبيرا لتحقيق أهدافه. وقد كانت لمصطفى سلمى خرجات مفاجئة، تخلق الحدث والنقاش بين أهله وعائلته ووسط قبيلته. دخل مصطفى المدرسة الابتدائية سنة 1976 في مدينة السمارة، وتابع دراسته حتى سنة 1979. في هذه السنة تعرض مصطفى للاختطاف رفقة عائلته من قبل البوليساريو، ليتم ترحيله إلى مخيمات تندوف، حيث قامت مجموعة البوليساريو بإبعاده عن أهله وإلحاقه ببعض المدارس المعزولة والبعيدة وسط الصحراء، التي تشبه السجون، ليتلقى دراسته في مدرسة داخلية تسمى العيون، بعد أن تم اقتياده إلى مدارس أخرى عسكرية ومدنية، منها مدرسة 12 أكتوبر ذات الطابع العسكري، ومدرسة المنيعة بالجزائر، وتم إرساله بعد ذلك إلى ليبيا للدراسة، ليعود لإكمال دراسته الجامعية في جامعة قسطنطينة وعنابة في الجزائر في شعبة علوم الفيزياء الدقيقة، حتى نال شهادة الإجازة في الشعبة. بعدما أصبح مصطفى سلمى جاهزا، اختار الشؤون الأمنية، ليلتحق بمدرسة ضباط الصف في الجزائر، حيث تابع دراسته في سلك الشرطة حتى تخرج ونال شهادة المعهد ليصبح ضابط شرطة، ليقرر الانضمام إلى صفوف شرطة البوليساريو، الأمر الذي أتاح له الفرصة لتقديم مقترحات جديدة بغية إصلاح نظام شرطة البوليساريو، التي كانت عبارة عن ميليشيات غير منظمة وعشوائية. وقد شغل مصطفى سلمى منصب مدير الشرطة القضائية للبوليساريو، وقام بموافقة قيادة البوليساريو بالإشراف على تنظيم وهيكلة شرطة البوليساريو في إطار مؤسسة ذات نظام تسمى “مؤسسة الشرطة”. انتقل مصطفى سلمى من منصب مدير الشرطة القضائية في البوليساريو إلى مفتش للشرطة في إحدى الولايات، ومنها انتقل إلى منصب الأمين العام للشرطة، وأخيرا شغل منصب المفتش العام لشرطة البوليساريو. تشهد ساكنة مخيمات تندوف أن سيرة مصطفى سلمى طيبة ومميزة، لكونه رجلا مثقفا وقدوة حسنة لمحيطه العائلي والقبائلي، وذا شعبية وشخصية مرموقة في العائلة، ومن أهم الشخصيات في المخيمات في المجال القانوني والأمني، وله علاقات وطيدة مع بعض القياديين في جبهة البوليساريو، من خلال مساره المهني، بعدما شغل عدة مناصب هامة، إلى جانب انتمائه إلى أكبر القبائل في الصحراء. كما يعد من أبناء شيوخ هذه القبائل. هذا المعطى دفع الناس في المخيمات إلى طرح تساؤلات وعقد اجتماعات وجلسات نقاش وحوار داخل المخيمات، بحثا عن الحقيقة، وهذا ما كان يريده مصطفى سلمى بعدما دعم الحكم الذاتي، وخلق نقاشا حول الحكم الذاتي والمستقبل الذي يقدمه لساكنة المخيمات، إلى جانب تأسيس جمعيات مدنية وحقوقية في المخيمات بهدف مناقشة ما قاله مصطفى لأجل معرفة الحقيقة. كانت علاقة مصطفى سلمى بقيادة البوليساريو متوترة، حيث ظل في صراع طويل مع قيادتها، ودخل في مشادات ومناوشات معها حتى اليوم، حتى لقب بالشرطي المتمرد، لكونه لا يمتثل لقرارات قيادة البوليساريو ويرفض القوانين المعمول بها من طرفها، التي كان يعتبرها قوانين عشوائية وبدائية. وظل مصطفى سلمى يفرض عليها بعض القوانين الجديدة والأمور الأمنية في مؤسسة الشرطة، التي ساهمت في التخفيف من ظاهرة العنف والإجرام والاغتصاب في المخيمات والتهريب، منظما حملات واسعة للحد من هذه الظواهر، مما جعله يصطدم بقيادات البوليساريو تقوم بإطلاق المعتقلين والمجرمين والمخالفين للقانون، ليوجه لهم انتقادات لاذعة حول تدخلهم في المؤسسة الأمنية والقضائية. وقبل أن يزور مصطفى المغرب كان همه الوحيد هو البحث عن حل لقضية الصحراء، بغية لم شمل الأهل والعائلات، ولم يكن يعلم شيئا عن الحكم الذاتي، لكنه كان مساندا للخيارات المطروحة من قبل البوليساريو، التي تمارس التعتيم الإعلامي حول الحلول التي يتقدم بها المغرب من خلال الحكم الذاتي. جاء مصطفى للمغرب في إطار زيارة عائلية لمدة شهر واحد لصلة الرحم مع والده وإخوته في السمارة، ولكن وجوده في المغرب تولدت له فكرة عن الحياة الكريمة والطبيعية للمواطنين الصحراويين في الأقاليم الجنوبية، الشيء الذي دفعه إلى البحث والتفكير في حل لقضية الصحراء ويساهم في جمع شمل أهل القبائل، مستندا إلى الواقع وطبيعة حياة الصحراويين، ليتولد لديه اقتناع بالمقترح المغربي للحكم الذاتي، واعتبره حلا منطقيا للتعامل مع دولة المغرب المتوفرة على مؤسسات قائمة الذات تحت السيادة المغربية، ليكتشف أن الحل يكمن في الحكم الذاتي الذي تقدم به المغرب. لم تكن لدى مصطفى رغبة في البقاء في المغرب، رغم مطالبة والده وأهله بالاستقرار في الأقاليم الجنوبية والعودة نهائيا للوطن، لكن مصطفى سلمى كان يفكر في شيء لم يبده لوالده ولا لأحد من أهله، عند وجوده في السمارة، بعدما كان يفضل التجول لوحده في جل الأقاليم الجنوبية للاطلاع واكتشاف المنجزات التي حققها الملك محمد السادس لساكنة الصحراء من تجهيزات وبنيات تحتية مناسبة، وهي رسالة يود توصيلها إلى العالم، بعدما اكتشف المزايا الموجود في الحكم الذاتي، التي تخول للصحراويين تدبير شؤونهم باستقلالية، لذلك اقتنع بما جاء به الحكم الذاتي من امتيازات لأهل الصحراء لأنه حل أفضل للساكنة. عزم مصطفى على عقد ندوة صحفية دون استشارة والده في موضوع الندوة، التي عبر فيها عن رأي جديد مخالف لأطروحة البوليساريو، ولم يبد لوالده ما يفكر فيه، مشيرا الى ضرورة الصبر حتى موعد الندوة، مما خلق العديد من التساؤلات لدى الكثيرين من شيوخ القبائل والناس والإعلام حول موضوع الندوة، سميا أن المخاطب هو من القيادات البارزة في مؤسسة شرطة البوليساريو. مصطفى سلمى بعد دعمه لمبادرة الحكم الذاتي، متحديا قيادة البوليساريو، جعل أهل الصحراء وساكنة المخيمات يتساءلون عما هو الحكم الذاتي الذي تحدث عنه مصطفى سلمى، وما هو سبب تفضيله الطرح المغربي. أما مصطفى فقد كانت له إجابات مقنعة حول هذه التساؤلات بعدما عاش الحياة الصعبة رفقة أهله في المخيمات، ورأى الضياع الذي يحيط بالشباب والمجتمع الصحراوي داخل المخيمات، جراء التشتت العائلي، وغياب بنيات تحتية وضروريات الحياة الكريمة من ماء وغاز ومواصلات ...، وعيش ساكنة المخيمات على صدقات المنظمات والجمعيات الغربية. لقد تعرض مصطفى سلمى لثلاثة اختطافات في حياته. إذ اختطف في طفولته من السمارة رفقة أهله، كما اختطف وهو صبي من أهله نحو مدارس عسكرية معزولة، ثم اختطف أخيرا وهو في سن ال47 بعدما قال شهادة حق لإخراج المجتمع الصحراوي من الرق.