على بعد أيام من دخول مدونة السير حيز التنفيذ. إحترام القاوانين وتطبيقها من المسلمات عند كل الأمم، وعلامة من علامات تحضرها، ومقياس تقاس به درجة وعيها و سر من أسرار تقدمها وسموها. فمتى إحترمت أمة قوانينها نالت حظها واسترجعت حضارتها وازدادت قوة وعمقا، لكنها متى استهترت بنظمه وقوانينها، كانت الهلكة مآلاها والتقهقر والتلاشي مصيرها، لأن الأمم التي لا تحترم قوانينها البسيطة منها قبل المعقدة، تحمل في ذاتها بذور النهاية والفناء. لذا ناضلت كل الشعوب؛ والمغرب من بينها وعلى مدى عقود لتكون لديه مجالس تشريعية مؤهلة.. تسن القوانين المناسبة لخدمته وتحسين أوضاع مواطنيه والرفع من شأنهم.. وما قانون السير الجديد والذي عرف مسارا صعبا وطويلا قبل أن يصادق عليه البرلمان بمجلسيه ليدخل حيز التنفيذ في شهر أكتوبر، إلا واحد منها.. ومن بين ما تضمنه هذا المشروع نصه على إلزام الراجلين بغرامات مالية عند إرتكابهم للمخالفات المرورية. جميل ولا يمكن لأي مغربي عاقل أن يجادل في قيمة هذا القانون، خاصة مع إزدياد إدراك المواطنين لما يمثله إحترام القانون وأداء الواجب من أهمية في رقي الشعوب، بفضل نضالات وتضحيات كل الجهات والتي زادت من الوعي السياسي والوطني لدى الناس.. لكن الواجبات متلازمة مع الحقوق، - وقد وعد بها السيد غلاب وزير النقل في تصريح له، مباشرة بعد مصادقة البرلمان على مدونته، قال فيه أنه سيعتمد إجراءات عملية لتحضير البنية الطرقية الضرورية وتعريف المغاربة وإطلاعهم على تفاصيل بنودها الجديدة وتسهيل تطبيقها. - ومن أبسط حقوق المواطنين على وزارة التجهيز والنقل والمجالس المنتخبة (الجماعات) قبل التفكير في زجر الراجلين وإثقال كاهلهم بالغرامات، هو توفير طرق خالية من الحفروالعوائق والمطبات أرصفة صالحة، سالمة من التخريب وظلم التشويه، وما أكثر المعيقات على ارصفتنا، وأكثر بأنواعها وأشكالها فوق ارضيتها، فهي إما أوراش بناء، أو رمال وآلات مؤذية خطيرة، احتلت كل فضاءات الأرصفة، وإما مقاه ومطاعم لم يتورع أصحابها عن إستباحة مجمل مساحتها وإستغلال كل مرافقها إلى درجة الظلم والإسفاف بما أقيم فوقها من أسيجة وحواجز ومستنبتات وكراسي وطاولات.. وإما متاجر إحتل ما فاض عن حيزها من رفوف ومعلقات الصحف والجرائد وركام قنينات الغاز، أجزاء كبيرة منها.. ناهيك عن ظاهرة الباعة المتجولين وما تعرفه بسطاتهم وتفريشاتهم من إنتشار فوقها، إلى جانب معضلة الحفر والمطبات والأزبال المتراكمة عليها والمياه الآسنة المتهاطلة على الرؤوس من شرفات العمارات والبيوت المطلة من فوقها، دون التحدث عن " التمياك" والتسامح مع السيارات التي تُركن فوقها بحثا عن ظل شجرة أثناء الحر، لغياب المآرب وقلة مواقف السيارات الخاصة والعمومية، وقلة بل وإنعدام إشارات المرور الخاصة بالراجلين التي تسهم في تفاقم المعظلة كل ذلك، وغيره كثير جدا، يعوق السير والمسير، ويعرقل المرور، و ينفر الراجلين من إستعمال الأرصفة البئيسة ويضطرهم لمشاركة السيارات فيما خصص لها من طرقات على علاتها هي الأخرى بحفرها وخنادقها، ما يتسبب في حوادث السير المميتة. فكيف نعاقب الراجلين على هجر الأرصفة مرغمين، وإتخادهم طرق السيارات كمسالك لهم ؟؟. هذه الأرضفة ، إن هي وجدت، فهي إما ضيقة كما اشرت سابقا، أو ضاقت بمن عليها بسبب ما قضم من مساحتها، وانتهك من حرمتها، وإذا لم تكن ضيقة فهي أعلى من سطح الشارع بنصف المتر في العديد من الجهات، أو دون مستوى الجادة في كثير منها. فهذه موصفات أرصفتنا البديهية الجلية والواضحة حتى للأعمى الذي يسقط منها وفيها.. رغم أنه لا يُشك في جدوى هذا القانون الجديد ولا في نية واضعيه وأن قلوبهم مملوءة حماسا وشغفا ووطنية، -وخير ذليل على ذلك تفكير بل واقتراح مجموعة من البرلمانيين الوطنيين تأجيل تطبيق مدونة السير للسنة المقبل حتى تتدارك وزارة النقل النقص في التجهيزات، وتبر بوعودها التي من أجلها صوت معها البرلمانيون الذين ما يقال عنهم أنهم أصدقاء الملك- وحتى يرول الخوف الذي يسكن كل مستعملي الطريق، وعلى رأسهم النقالة ونقاباتهم، من أن يستغل هذا القانون كأداة للتضييق عليهم عند دخوله حيز التنفيذ في أكتوبر المقبل، وإعتراض سبيلهم مستعملي الذريق والتعسف عليهم إعتباطيا، وهنا أتساءل ويتساءل معي الكثيرون، ماذا لو أن أحد الموقوفين بتهمة مخالفة هذا القانون وعدم إستعمال الرصيف والمحتل مسبقا-كما هو منصوص عليه- ورفض الأداء، أو لم يكن معه نقود أو أوراق هوية، فهل سيوضع في رجليه " الصابو" أو أنه سيقاد إلى أقرب مخفر لا يخرج منه إلا بعد الدفع ...