لقد تعرفت على السينما الإيرانية أثناء حرب الخليج الأولى. وهذا الاهتمام كان في إطار الاهتمام بكل السينما العالمية حيث قمنا كمجموعة من الشباب بتأسيس نادي سينمائي بإحدى الجمعيات الثقافية بمدينة وجدة. وعندما بدأت في قراءة الملفات الكثيرة التي جمعتها عن السينما الإيرانية تملكتني الدهشة من الإبداع الفني والدرامي الذي وصلت إليه. وفي تلك المرحلة كانت السينما الإيرانية تحتل المرتبة الخامسة من حيث الكم والإنتاج عالميا والمرتبة الثالثة من حيث النوعية والجودة وحسن تقديم اللوحات الفنية الرائعة سينمائيا. ومما زاد من اهتمامنا هو تنسيق المركز السينمائي المغربي مع القنصلية الإيرانية بالرباط بعقد مهرجان ثقافي انفتاحي على التجربة السينمائية الإيرانية حيث قدمت مجموعة من الأفلام الرائعة والمدهشة مثل حذاء ميرزا علي وفيلم توبة نصوح للمخرج العبقري محسن مخبلباف وهو أول فيلم قام بإخراجه وذلك سنة 1982 وقد قمنا بعرض تلك الأفلام بقاعة الجمعية ونالت استحسانا كبيرا من طرف الجمهور وخصوصا فيلم توبة نصوح الذي كان له التأثير البالغ إلى درجة أن أي إنسان يراه إلا ولا يتمالك حتى يجهش بالبكاء لأنه يترجم بشكل واقعي حقيقة البعد عن الله والحاجة الماسة إلى التوبة النصوح والقطيعة النهائية مع عالم المعصية والذنوب.. ومما ساعدنا في التعامل مع هذه الأفلام المعروضة هو سبق تعرفنا على أبرز المخرجين الإيرانيين مثل عباس كياروستامي صاحب الفيلم الشهير " أين بيت صديقي" والذي قامت بعرضه في بداية التسعينات جل القنوات الأوربية ونوقش في الكثير من الأندية السينمائية، وصاحب التحفة السينمائية" شجرة الكرز" الذي حاز به السعفة الذهبية بمهرجان كان. وكذا المخرج العبقري محسن مخبلباف صاحب "توبة نصوح " والدراجة " و " صرخة النمل" الذي أخرجه بعد التحاقه بأوربا. وصاحب أعرق مدرسة لتخريج المخرجين السينمائيين والتي تخرج منها ابنته سميرة مخبلباف التي عدت أصغر مخرجة في العالم بعد إنتاجها لفيلميها الرائعين " التفاحة" و" الألواح السوداء". وزوجته الثانية السيدة مرضية وابنته الصغرى هانا. ومما تمتاز به السينما الإيرانية الصرامة الشديدة والرقابة وتحريم الأعمال العاطفية التي تجمع بين الرجل والمرأة كما يمنع السفور والإباحية بشكل قاطع مما جعل الكثير من المخرجين يعملون على إنتاج أفلام درامية أبطالها أطفال كما عملوا على تغطية شعر المرأة الحقيقي بشعور مستعارة. ومما يظهر هذه الصرامة المنع الذي تعرض له فيلم كياروستامي " شجرة الكرز" من أن يخرج من البلاد ليشارك في مهرجان كان سنة 1997 لمجرد أن الفيلم تناول مسألة الانتحار وهي مسألة محرمة في الدين. والجمهور الإيراني مهووس بسينماه حيث تتصل العائلة بدور السينما لتسأل عن فيلم الأسبوع من أجل حجز الكراسي وداخل القاعة خصص جناح للنساء وآخر للرجال وكلف أحد العمال بالتجول بين الصفين وهو يحمل في يده كاشف الضوء حرصا منه على عدم الاختلاط وحرصا على عدم خرق النظام الذي يعتبر خرقه مكلفا لصاحب القاعة. هذا كله جميل جدا، والأسرة العربية في حاجة لأفلام تستطيع مشاهدتها جماعيا دون أن تجد في ذلك حرجا..فضلا عن الجودة الفنية وما تمتاز به الأفلام من صنعة وإتقان. ولكن يبقى السؤال الذي ينبغي طرحه هو هل نحن على استعداد أن نضحي من أجل مشاهدة أفلام إسلامية مضبوطة أخلاقيا وقيميا بعقيدتنا عقيدة أهل السنة والجماعة؟؟ وهل الأسر العربية محصنة تحصينا متينا وكافيا حتى تستطيع التمييز بين الحق والباطل؟ وهل لها الكفاءة المطلوبة التي تجعلها تضبط السم الذي يمكن دسه في الدسم الدرامي المشوق والمثير؟؟ كي نجيب عن هذا السؤال لابد أن نتساءل إن كانت الأسر العربية، التي انبهرت بمسلسل يوسف الصديق وبالقالب السينمائي العجيب والمتقن الصنعة الذي قدم فيه، قد تساءلت إن كان الفيلم يعبر عن الحقيقة القرآنية أم أنه شوه تشويها يخدم أغراضا في نفس المخرج؟ ألم تتساءل الأسر العربية عن إمكانية تمرير خطاب شيعي يعمل على نشر الفكر الشيعي بل والعقيدة الشيعية المتجسدة في الاثني عشر أقنوما؟؟ لسنا ضد الفن السابع لأنه سلاح دعوي وآلية من أقوى آليات الخطاب التي يمكن أن تفيد في نشر الإسلام وتبليغ خطاب دعوي وتعبوي يصحح السلوك وينمي القيم. ولكن لن نقبل أن تمزق أمتنا العربية إلى طوائف مذهبية ودينية. فيكفي هذه الأمة ما هي عليه من تشتت وحدود تفرق بين الشقيق والشقيق. إن العمل على نشر الفكر الشيعي والعقيدة الفاسدة الشيعية لأذهان أبناء الأمة من خلال العزف على أوتارهم العاطفية المتأثرة بالدرامات المتقنة سيعمل على تمزيق الأقطار كذلك. ولا أحد يجهل الأضرار والفتن التي يمكن أن تسببها الطوائف عندما تتنامى في بلد ما وتقوى شوكتها وتتنظم وتتلقى دعما خارجيا. فإطلاق قناة أفلام إيرانية منفتحة على العالم العربي لن تكون بريئة إطلاقا، ونظرا لمعرفتنا بالعقلية الشيعية التي حاورناها لمدة أزيد من عشر سنوات في الشبكة العنكبوتية، فإنها بالتأكيد ستختار أفلامها التي ستزمع على دبلجتها بالعربية بعناية فائقة ووجود الشيعة في أفغانستان وفي العراق وتدخلات إيران لحماية أبناء مذهبها يغنينا عن التحليل. وقبل أن نعود للحديث عن مسلسل يوسف وعن السموم الخطيرة التي ضمها في طياته. لابد أن نحدد ابتداء بأننا لسنا ضد إيران كدولة إسلامية جارة للعرب في حالة تعاونها وتكتلها مع الأمة العربية. ولكن سنكون دائما ضد تسميم عقيدة الأمة وإفسادها بالانحراف الخطير الذي يميز العقيدة الشيعية. وحتى لا أبالغ لن أخبر القراء عما يقوله إمامهم الكليني و لا إمامهم النوري الطبرسي وكاشف الغطاء وغيرهم كثير من انحرافات وكفر وضلال. بل سأخبرهم شيئا مما يقوله كبيرهم ومؤسس دولتهم وهو الإمام الخميني نفسه في كتابه" الحكومة الإسلامية" في الصفحة 53 إذ يقول: " لأئمتنا درجة لا يبلغها نبي مرسل ولا ملك مقرب"، وهذا غيض من فيض من الكفر الذي ينطق به هذا الرجل. أما ما حواه مسلسل يوسف من أكاذيب وأباطيل وكفر وضلال فيكفينا أن نعلم أنه مسلسل شوه سيدنا يعقوب عليه السلام تشويها مؤلما، وألصقوا به سلوكيات ونوبات غضب خطيرة لا تليق بأي نبي فكيف تليق بابن سيدنا إبراهيم عليه السلام. فهل يعقل أن سيدنا يعقوب يغضب أشد الغضب أدى به هذا الغضب الشديد إلى طرد كل أبنائه وإغلاق الباب عليهم كي يبقى وحده ينوح ويبكي ولا يتوقف عن الولولة والنواح. فالقرآن الكريم يصف الوصف الحقيقي الذي كان عليه سيدنا يعقوب أثناء الابتلاء. فلما جاءه أبناؤه بدم كذب قال لهم قول الواثق من أمر الله وقدره وبثقة في ربه: ( قال بل سولت لكم أنفسكم أمرا فصبر جميل والله المستعان على ما تصفون) ولما رجعوا إليه يريدون أخذ شقيق يوسف قال لهم: ( هل آمنكم عليه إلا كما آمنتكم على أخيه من قبل) ويقول (فالله خير حفظا وهو أرحم الراحمين) فهذا هو تصرف الأنبياء العارفين بالله والراضين بقضائه والصابرين في البأساء والضراء. والله تعالى يخبرنا أن عينيه ابيضتا من الحزن والحزن موضعه القلب بمرافقة الصبر والتحمل والاحتساب. ولن نستطيع الحديث عن الصبر مع الولولة والنواح وطرد الأبناء كما صور المسلسل الذي أراد مخرجه أن يستعطف المشاهدين ويلعب على أعصابهم ويشدهم شدا إلى القصة والفيلم ولو بتزوير التاريخ وتزييف الحقائق التي ذكرها القرآن الكريم. كما أن من المستحيلات أن يكون اللقاء بين سينا يوسف وأبيه سيدنا يعقوب قد تم بتلك الطريقة المشوهة التي جعلت الأمر لا يتعلق بلقاء ابن لأبيه أو أب لابنه وإنما يتعلق الأمر بإلاه لعبده أو عبد لربه. وكأن ابتلاء الله تعالى لسيدنا يعقوب بفقدان ابنه لم يجدي نفعا ولم ينفعه في شيء بل ربما زاد من رفعه لمكانة ابنه أكثر مما كانت عليه. والله تعالى يغار على عباده ولا يريد أن تكون هناك مكانة أحد أكبر من مكانته هو سبحانه في قلوب عباده ولهذا السبب كان ابتلاء سيدنا إبراهيم بذبح ابنه إسماعيل عليهما الصلاة والسلام. فمثل هذه الأمور ربما نعتبرها مجرد مادة دسمة أو توابل حبذ المخرج إدخالها في السيناريو ليضفي جمالية خاصة وتشويقا يجعل المشاهد مقحما في الأحداث وكأنه جزء منها. ولكن الفيلم في نسخته الأصلية يتحدث ويصور لقاء بين سيدنا الخضير ويوسف في البئر إذ دار الحديث حول الموعود الذي هو الإمام المنتظر الإمام محمد المهدي الذي يعتقد الشيعة بأنه لم يمت بل اختفى وهو طفل في الرابعة من عمره في سرداب في ساموراء بالعراق، وهم ينتظرون عودته ليملأ الأرض عدلا. فمنح سيدنا الخضير عقالا به جوهرة خضراء ليوسف الصغير الذي وضعه فورا في عنقه وعبر بأنه رمز جيد لكنه سأل الخضير عما يريد منه فعبر الخضير بأنه كان يريد أن يراه وحتى تقر عينه به. فسأل يوسف النصيحة وأن يمنحه شيئا ينجيه من بئر الدنيا وحتى يفك العقد التي تعيقه. فرد الخضير قائلا: أنت تملك رمز الوجود ولا تحتاج إلى نصيحتي. وأخذ يوسف الصغير ينظر إلى يديه فقال الخضير: انظر جيدا ..انظر كم أصبعا لديك وكم خطا؟. فأجاب يوسف الصغير: خمسة أصابع وأربعة عشرة خطا. فقال الخضير: هذا هو الرمز الذي كنت أقصده خمسة وأربعة عشرة وهو رمز سوف يكتشف عند ظهور آخر الأنبياء ورمز الوجود يكمن في هذين الرقمين فتوسل بهما وسوف تجد النجاة والراحة..واستيقظ يوسف من غفوته وهو يردد: النجاة والراحة..النجاة والراحة. ربما هذا يكفي لنعرف مدى حرص هؤلاء على تمييع عقيدتنا وإبعادنا عن أصلنا. والذي شاهد هذا المشهد يعرف أنه مشهد أقحم إقحاما ولا علاقة له بمجريات الأحداث. مما يدل أن المخرجين الإيرانيين لو وجدوا أي طريقة لتمرير خطابهم العقدي لفعلوا وعندما لا يجدون يلجأون إلى الإقحام ولو على حساب التاريخ والسرد والتراتبية والترابط في القصة. فما سر رقم خمسة يا ترى؟؟ وعلى ما يدل الرقم أربعة عشر؟؟ فالمسألة ليست بكل هذا التعقيد لأن الخمسة عند الشيعة هم رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلي بن أبي طالب وفاطمة الزهراء والحسن والحسين وهم يسمونهم بأصحاب الكساء. وقصة الكساء مأخوذة من إحدى رواياتهم التي تقول بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم جمع عليا وفاطمة والحسن والحسين وغطاهم بكساء يماني فسموا من حينها بأصحاب الكساء. وأما رقم أربعة عشر فواضح بأنه يدل على الأئمة المعصومين الاثني عشر بالإضافة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وفاطمة. وفي آخر المسلسل سيظهر الخضير ليتحدث لا عن آخر الأنبياء سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم بل ليتحدث عن زمان آخر الأنبياء فحسب الذي سيظهر فيه المطهر إذ يخاطب يوسف بقوله: لقد جعلك الله سببا ليستعرض حكومة عباده الصالحين في سقع من أسقاع الأرض فيظهر جلال الحكومة الإلهية لمن يأتي من بعدنا. فيقول يوسف: لكن كثيرا من أهل الدنيا يتخبطون في الضلالة والتيه والفقر. فيجيبه الخضير: عندما يأتي الصالح الموعود سيعمد إلى أهل الدنيا ويخلصهم من الضلال والفقر كأهل مصر وينجيهم من كيد الظالمين . فقال يوسف متعجبا: الموعود. فرد الخضير: أجل هو الذي يبعث اسمه السكينة والطمأنينة في قلوب الناس إذا ما اعترضهم الخطوب. فقال يوسف سائلا بشغف باد في عينيه: ومن يكون؟؟ ومتى سيأتي؟؟ فيقول الخضير: بعد أن يأتي النبي الخاتم، عندها يأتي المخلص الذي يملأ الأرض عدلا نورا" لو لم يكن هناك إسلام وخيرت بين العقيدة المسيحية والعقيدة الشيعية لاخترت العقيدة المسيحية لأنها أخف بكثير من هذا الضلال المبين وإن كانت الأخرى ضلال. ربما هذا يكفي ولا داعي لنتحدث عن عملية تشخيص الأنبياء بل وتشخيص الروح الأمين نفسه عليه السلام. فأهل السنة والجماعة لا يجيزون تشخيص حتى الخلفاء الراشدين ما بالك بأنبياء الله الأخيار الأطهار. فتشخيص نبي من طرف ممثل من شأنه أن يشوش علينا الصورة الرائعة التي يرسمها كل واحد منا في مخيلته لكل نبي نقرأ عنه أو نسمع عنه وهي الصورة المليئة بالإجلال والتقدير والعظمة والحب والولاء. أما عندما يرى الناس النبي مشخصا من طرف ممثل فإنهم للأسف ستمتثل صورة ذاك الممثل في الأذهان كلما ذكر ذاك النبي. والطامة الكبرى عندما نرى نفس الممثل يقوم بأدوار أخرى قبيحة ومشينة فحينها ستختلط الأعمال الصالحة بالطالحة وتتشوش صورة النبي المعصوم. ومن جديد ربما سنتجاوز العقل والشرع ونخلق شيئا من عذر ونقول ربما هي السينما وكي تعطي انطباعا واقعيا كان لابد من تجسيد الدور. ولكن يبقى هناك سؤال محير هو لماذا قامت ضجة كبيرة حول فيلم الصبطين وقام الشيعة برفضه جملة وتفصيلا واحتجوا ونددوا وتوعدوا وأقاموا الأرض ولم يقعدوها عندما تم تجسيد دوري الحسن والحسين. تجسيد أنبياء الله مسموح وجار به الأمر لكن تجسيد أشخاص دون مستوى الأنبياء فهو يتطلب إحداث زلزال في الكرة الأرضية ..ولكن لا عجب إذا علمنا السر في ذلك. إذ أنبياء الله هم مجرد بشر مبعوثين لكن الحسن والحسين عند الشيعة هم آلهة معصومون ومنح تشخيصهما واجب عقدي ولو دعا الأمر إلى الضرب بالنووي الإيراني. فهل، بعد هذا يمكن لنا أن نقبل بوجود قناة أفلام إيرانية في منازلنا العربية؟؟ وإذا قبلنا بها فماذا أعددنا لأسرنا من حصانة تجاه العقائد الفاسدة التي تهدد عقيدتنا؟؟