تأتي مشاريع القوانين في الغالب الأعم، لضرورات التحول التي يفرضها الشرط الاجتماعي الداخلي(إعادة هيكلة العديد من القطاعات مثلا) من جهة، والشرط الخارجي ضمن الالتزامات الدولية من جهة أخرى. ومدونة السير الجديدة من هذا النوع، جاءت ضمن صيرورة شاملة لتجديد الترسانة القانونية التي ينتظم حولها المجتمع المغربي، ومع ذلك فقد أثارت ولازالت تثير الكثير من الجدل الدرامي/الكوميدي الذي يذكرنا -رغم الاختلاف- بمعارك مدونة الأسرة من حيث الموضوع والشرط التاريخي، حيث إن المشروعين استنفرا اتجاهين أساسيين يحكمان تطور المغرب ولهما مصالح واقعية اقتصادية واجتماعية وسياسية بامتدادات أفقية وعمودية داخل النقابات والأحزاب والمنظمات المهنية وغيرها، حيث لا نجد أي اختلاف بين من عارض مشروع مدونة الأسرة، ومن يعارض مشروع مدونة السير، والتي هي في الأولى، فئات محافظة بالمعنى الرجعي للكلمة، ترفض التغيير كيفما كان نوعه، وتتشبث بالأوضاع القديمة الموروثة كما هي، رغم قهرها وفقرها وتعاستها. وهي في الثانية، الفئات المستفيدة من قطاع نقل عشوائي، والتي لا تريد له أن يصبح منظما حتى لا يتم الكشف عن مناطق الريع والتهريب والتهرب الضريبي. في الوقت الذي تبقى فيه فئة عريضة مكونة من غالبية المواطنين، في جهل تام بمقتضيات المدونة، وقلق كبير حول مشاكل الفساد المحتملة بسبب الغرامات المرتفعة عند دخول المدونة حيز التنفيذ بعد أيام قليلة أي في أكتوبر 2010. وذلك رغم محاولة الوزير غلاب طمأنة المواطنين، بتصريحه الذي تلا المصادقة على المدونة، والتي وعد خلاله باعتماد إجراءات لتحضير البنية الطرقية الضرورية وتعريف المغاربة وإطلاعهم على تفاصيل بنودها الجديدة وتسهيل تطبيقها. الشيء الذي لم يحدث بالمرة، أو حدث بشكل لم يقنع، أو لم يوافق تقييم مهنيي ومسؤولي وممثلي نقابات القطاع، سواء منهم الذين دخلوا في مفاوضات مع الوزارة وأخذت مقترحاتهم بعين الاعتبار قبل المصادقة، أو الذين يؤمنون بأن النقابات التي تستشيرها الحكومة لا تمثل بشكل مناسب قطاعهم، ويجزمون على موالاتها للوزير، ويعتبرون اعتماد المدونة بمثابة انتصار لوزير النقل كريم غلاب والمدونة التي ينسبونها إليه في جهل أو ديماغوجية أو شعبوية، فيطلقون عليها "مدونة غلاب" مستغلين جهل الناس لتعبئتهم في معارك خفية لا يعلم بدايتها ولا نهايتها إلا الذين يدعون المهنيين إلى إضراب يوم الاثنان المقبل، رغم ما يمكن أن يتسبب فيه من ارتباك في حركة النقل. هذا الإضراب الذي لم يكن محط إجماع مختلف المهنيين، الذين حضروا لقاء يوم الأربعاء 15 سبتمبر بسلا، والذي جمع عددا من مسؤولي نقابات مهنيي النقل المغربي، كما كشف عن ذلك السيد عبد المالك حريوش، عن الجامعة الديمقراطية للنقل الوطني والدولي، معربا عن استغرابه قرار الإضراب الذي تصر عليه بعض الجهات النقابية في هذا التوقيت بالذات. وهذا لا يعني، يقول السيد عبد المالك، أن منظمتنا هي ضد الإضراب وتوافق على كل ما جاء في هذه المدونة من غرامات لا تزال مرتفعة وعقوبات حبسية قاسية جدا، والتي سبق أن خضنا ضدها حركات احتجاجية حققت نسبا كبيرة من النجاح، لكننا نرى أنه من الأفضل التريث في اتخاذ مثل هذه القرارات الخطيرة، على القل حتى نعاين نتائج تطبيق مدونة السير الجديدة التي ستدخل حيز التنفيذ في أكتوبر 2010 إي بعد أيام معدودة، ولأن نتائج الإضراب وتوقيته، ليسا في صالح المجتمع المغربي الذي نحن منه وإليه، والذي هو وحده الضحية في نهاية المطاف من حيث مراوحته أوضاع البؤس والاستغلال والتخلف الاقتصادي والاجتماعي والسياسي.