عرضت القناة الثانية ليلة الجمعة فلما تلفزيا بعنوان "فاميلة جنب الحيط"، سناريو يوسف كرمي، وإخراج هشام العسري، وبما أنه يتوفر على كثير من مقومات الجدية في التصور والطرح، نعرض هذه القراء الأولية حوله: يثير في مجمله قضايا جديرة بالنقاش، وباستثناء بعض الهفوات البسيطة، كالصدف العجيبة لالتقاء أفراد بعينهم في كازى الكبيرة، ووقوع أحداث طويلة قبل مجئ الليل، وقصة الذهاب من "ايت ورير" إلى فاس عبر الدارالبيضاء (سؤال حول مغزى المنطلق والمسار)، لكن كل ما تبقى جيد، يحيل على السرعة الكبيرة التي تسير بها الدارالبيضاء، ليس نحو التقدم طبعا ولكن نحو الاستغراب عن بقية الوطن، ثم هناك محاكمة صريحة لقاطاعات عمومية خاصة جهاز الشرطة، وقد ظهر أنه déconnecté ولا يعرف ما يجري، بل ومسؤول عما يجري... الفيلم جدير بقراءة خاصة سوسيولوجيا ومجاليا وسينمائيا.. (لو تتاح الفرصة مرة أخرى)، وأود تهنئة الطاقم المشرف على الفيلم، فأحداثه تبدو في الغالب مقنعة، اللقطات وزاويا التصويرة فيها دقة مناسبة، حضور أجواء الدارالبيضاء، سرعة التنقل، وباختصار فالفيلم بمتابة صرخة (عبر أسلوب مرح) تجاه تنامي الانجراف الهوياتي نحو هاوية يضعف فيها الحس الإنساني بين بشر يجمعهم فقط مكان واسع وقاس. فعن أي حائط يريد الفيلم الحديث (إحالة على العنوان)، هل عن الاختلاف بين المجالات (مديني - شبه حضري)، أم بين الأجيال (الأب والأب الولدان)، أم اختلاف قيمي يجمع عدة مواقف ومبادئ في نفس الوقت ( الطيبوية القساوة والعنف) ولعل اعتراف البطل بضعفه وانكشافه في آخر عمره أمام هول وقائع ما كانت لتقع أهم لحظة في الفيلم، حيث يتركز مجمل "الخطاب" le message ، فهذا الموظف القروي طول حياته وهو خائف، يخاف من كل الكائنات الإدارية ومن نفسه. لكن فرقعة الدلاحة بما تعنيه من رمزية لم تنفعه أمام الشرطة، فقد عاد لعاداته القديمة.. مجمل قصة الفيلم تحكي عن داوود الموظف البسيط الذي يتوفر على سيارة قديمة، ولأول مرة سيحل بالدارالبيضاء مارا بها، لتضيع منه سيارته ويتيه كل أفراد أسرته (الزوجة، البنت، الولد)، ويعيش كل واحد "محنته" الخاصة بحثا عن الأب الذي ذهب لقتني قنينة ماء ولم يعد! إلا أن يلتقي الجميع لدى الشرطة... ملاحظة تشترك فيها أغلب الأفلام المغربية، وهي أنها لا تشجع على المغامرة وحب الاكتشاف.. فعودة الولدين إلى حضن الأم والأب في نظري ذلك تصور غير موفق.. رغم أن الأب ارتأى أن يعود وهو القادم من الماضي إلى الدارالبيضاء معتقدا أنه قادر رغم مزاحه على المشاركة في ماراطون وتحقيق أحلامه التي صارت من التاريخ.. بينما كان الإعجاب بالدارالبيضاء رغم "محنها" يجب أن يأتي من الولدان/الشابان وقد اكتشفا عالما جديدا مغريا بالعيش والمغامرة، فالحياة مجرد مغامرة لا يجب أن تعاش كما عاشها داوود (محمد خيي) وقد ندم على ذلك بعدما لم يعدم للندم من فائدة