"أمو تضامن".. تحويل 15,51 مليار درهم من طرف الدولة إلى الضمان الاجتماعي    عدد زبناء اتصالات المغرب بلغ 79,7 مليون عند متم شتنبر 2024    بورصة الدار البيضاء تستهل تداولاتها على وقع الأخضر    ورشات الأطلس.. مهرجان مراكش يكشف عن 27 مشروعا سينمائيا وفيلما    هذه حقيقة امتناع ميداوي عن مصافحة الميراوي في حفل تسليم السلط    تفاصيل اجتماع المكتب الوطني للجامعة الوطنية للصحة التابعة للاتحاد العام للشغالين بالمغرب    بايتاس يستعرض استراتيجية الحكومة لضبط أثمان اللحوم الحمراء        باريس سان جرمان يرفض أمر رابطة المحترفين بدفع 55 مليون يورو لمبابي    سبع ترشيحات مغربية ضمن القوائم الأولية لجوائز "الكاف 2024"    زياد فكري.. قصة بطل انطلق من أكاديمية محمد السادس إلى الولايات المتحدة الأمريكية    لامين يامال يرد على مشجع لريال مدريد سخر من أدائه أمام بايرن    جورجينا رودريغيز تستعيد عافيتها بعد تغلبها على أزمة صحية خطيرة    إحباط تهريب أزيد من 200 ألف قرص مهلوس في علب لأكل القطط بميناء طنجة المتوسط    مهنيو أرباب المقاهي والمطاعم بالمغرب في وفقة احتجاجية جديدة على قرارات CNSS    دعوات للاحتجاج ومطالب بلجنة تقصي الحقائق في اختلالات بمستشفى مولاي يوسف    إعادة انتخاب المغرب عن جدارة ضمن اللجنة الفرعية لمنع التعذيب بجنيف    الصورة والأسطورة في مواجهة الموت    ماسك يتبرع بملايين الدولارات الإضافية لحملة ترامب في أكتوبر    العمال الكردستاني يتبنى "هجوم أنقرة"        الأميرة للا حسناء وسعادة الشيخة المياسة بنت حمد آل ثاني تترأسان بمراكش حفل العشاء لتظاهرة 'فاشن تراست أرابيا'    كيوسك الجمعة | المغاربة أجروا 164 مليون عملية أداء بواسطة البطاقات البنكية            إسرائيل تغتال 3 صحافيين من قناتي "الميادين" و"المنار" استهدفت قصف مقر إقامتهم جنوبي لبنان    حفل عشاء بمناسبة "فاشن تراست أرابيا"    مقتل 3 صحافيين في جنوب شرق لبنان    الجيش الإسرائيلي يٌعلن مقتل 5 من جنوده في جنوب لبنان.. وحصيلة خسائره ترتفع إلى 890 قتيلا وأكثر من 12 ألف مصابا    التهمت ميزانية ضخمة من المال العام.. فشل ذريع لأسواق القرب بمدينة الجديدة    الموثقون الموريتانيون يطلبون الاستفادة من الخبرة المغربية في مجال الرقمنة    ندوة علمية تقارب "الفلسفة الوسيطية"    مغاربة الإمارات يحتفون ب"أبطال القراءة"    الانتقاء الأولي لمشاريع إنتاج الهيدروجين الأخضر تغطي جهات كلميم والعيون والداخلة    باريس: المغرب يدعو إلى احترام سيادة لبنان ووقف كامل لإطلاق النار    جوائز (الكاف 2024) .. سبع ترشيحات مغربية ضمن القوائم الأولية للمرشحين (فئة الرجال)    نقابي لناظور سيتي: نرفض إصدار قانون الإضراب وإصلاح التقاعد تنفيذا لإملاءات دوائر عالمية    الوظيفة العمومية: توقع إحالة أزيد من 65 ألف موظف مدني على التقاعد خلال الفترة 2024-2028    المغرب يدعو إلى احترام سيادة لبنان ووحدته الترابية    "لارام" ترفع أسعار تذاكر الخط الجوي بين الحسيمة وتطوان رغم دعم الدولة            لا أريد جوائز    شُجُون…    يوم السبت ... يوم عشتار السيء    مختارات من ديوان «أوتار البصيرة»    لجنة التعليم والثقافة والاتصال بمجلس النواب تصادق بالأغلبية على مشروع القانون المتعلق بالصناعة السينمائية وإعادة تنظيم المركز السينمائي المغربي    فرط صوديوم الدم .. الأعراض والأسباب    التغير المفاجئ للطقس بيئة خصبة لانتقال الفيروسات    تقرير: مؤشر أسعار الخدمات البنكية ينخفض بنسبة 1% عند نهاية 2023    مصطفى الفن يكتب: هكذا تصبح وزيرا بوصفة سهلة جدا    استطلاع: المغاربة يعتبرون الصلاة متفوقة على التلقيح في الوقاية من "كوفيد"    منظمة الصحة العالمية تعلن تعليق حملة التطعيم ضد شلل الأطفال في غزة    وفاة وحالات تسمم ببكتيريا في أحد منتجات "ماكدونالدز"    وهي جنازة رجل ...    أسماء بنات من القران    نداء للمحسنين للمساهمة في استكمال بناء مسجد ثاغزوت جماعة إحدادن    الملك محمد السادس: المغرب ينتقل من رد الفعل إلى أخذ المبادرة والتحلي بالحزم والاستباقية في ملف الصحراء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حقوق الانسان : لماذا حق البيئة ؟؟؟
نشر في السند يوم 26 - 05 - 2010

لا تتوقف فلسفة حقوق الإنسان المعاصرة عند التقسيمات التقليدية القديمة لما يعتبر حقا للفرد، فقد تعدت هذه الحقوق، سواء في المشاريع المقدمة من المنظمات غير الحكومية منذ ثلاثينات القرن العشرين وإقرار العهد الخاص بالحقوق الاجتماعية والاقتصادية والثقافية وما تلاه في الثلث الأخير منه، تعدت هذه الفلسفة أطروحات عصر التنوير إلى الرد ليس فقط على تحديات عصرها بل الميراث السلبي للحضارة الغربية، أي باختصار، كل ما كان على حساب الإنسانية وليس من أجل الإنسانية في ثلاثي انطلاقة أوربة لغزو العالم: الثورة الصناعية، النهضة الثقافية والاستعمار
بهذا المعنى، ولدت النويات الأولى للدفاع عن بيئة سليمة وصالحة لعيش الإنسان من تحت دخان المصانع والنفايات التي لم يعد الغرب بقادر على استنشاقها أو تخزينها، وقامت الطبقات الوسطى والمثقفين بالمعنى الواسع والعريض للكلمة بعملية معاكسة لمبدأ الإنتاج من أجل الإنتاج والربح مهما كان الثمن الذي يدفعه الإنسان للتقدم الصناعي الخاضع لقوانين السوق لا لاحتياجات البشر ومتطلبات عيشهم الأساسية.
لن نجد أي أثر لحق البيئة في ميثاق الأمم المتحدة أو الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، ولم تكن حركة أنصار البيئة والدفاع عن حق البيئة كحق من حقوق الإنسان واسعة التمثيل والقبول في الدول الغربية حتى عهد قريب. وكانت معركتها لكسب المجتمعات المدنية لجانبها شاقة وطويلة. ويمكن القول أن حق الإنسان في بيئة غير ملوثة من الحقوق الأبعد عن المنال اليوم في الدول الغربية بسبب كارتلات الصناعة العملاقة التي تحارب بوسائل مباشرة وغير مباشرة نشطاء حق البيئة من كل الأوساط السياسية والحقوقية والمجتمعية.
وفي السنوات الأكثر انتقادا للمنظومة الغربية السائدة في النصف الثاني من القرن العشرين (1966-1971) أطلقت اليونسكو تماشيا مع ظهور المدافعين عن البيئة مشروع الإنسان والفضاء الطبيعي Man & Biosphere، وقررت الجمعية العامة في 1966 تنظيم مؤتمر عالمي موضوعه: "الإنسان ومحيطه، الأسس من أجل حياة أفضل". ثم عقد مؤتمر استوكهولم في 1972 الذي أرخ لأول إعلان عالمي مكون من 26 مبدأ أقرته 123 دولة وقد نص هذا الإعلان على أن للإنسان حق أساسي في ظروف الحياة المناسبة في بيئة نوعية تسمح له بالعيش بكرامة وسعادة وعليه مسؤولية حماية الطبيعة للأجيال القادمة. ويقر الإعلان لأول مرة في وثيقة أممية حق الفرد في البيئة المناسبة السليمة في المبدأ الأول كذلك يؤكد على دور الدولة في حفظ الطبيعة ويميز بين الموارد القابلة للتجديد والموارد غير القابلة للتجديد الواجب التعامل معها بحرص وحذر وضمن مبدأ التوازن بين البلدان. ويقر الإعلان بمبدأ التعويض لضحايا التلوث.
بعد عشر سنوات، تبنت الجمعية العامة للأمم المتحدة في القرار 37/7 تاريخ 28/10/1982 الميثاق العالمي للطبيعة. ورغم اسمه، لا يحمل الميثاق طابعا إلزاميا لمن صّوت عليه وهو يذكر بأن كل شكل من أشكال الحياة هو شكل وحيد، وبالتالي يستحق الاحترام مهما كانت منفعته المباشرة للبشر، وبالتالي يعترف لكل الكائنات الحية بحق البقاء كواجب أخلاقي. بعد عشر سنوات، تبنت الجمعية العامة الميثاق العالمي للطبيعة المعروف بإعلان ريو حول البيئة والتنمية. ونلاحظ تقدما في النص على صعيدين، الأول: التأكيد على عدم القدرة على الحماية لعنصر طبيعي واحد كالهواء أو الماء أو الغابات بمعزل عن الآخر أو حماية منطقة جغرافية دون أخرى. وقد ترافق ذلك بتطور مفهومي للعلاقة بين التنمية والبيئة الأمر الذي أستتبع تبني مفهوم البيئي غاريت هارن Garett Hardin: البيئة الدائمة من قبل الأمم المتحدة بعد ربع قرن على إطلاقه له. وفي 1997 في الاجتماع الاستثنائي للجمعية العامة المعروف باجتماع (ريو + 5) ظهر للعيان مدى صعوبة الالتزام بالمواثيق المتعلقة بحق البيئة من قبل الحكومات لمقاومة الشركات المتعددة الجنسية العملاقة لما يؤثر على حريتها في العمل دون أية رقابة بيئية أو أخلاقية. فكان الاجتماع إعلانا لعدم دخول مفهوم التنمية الدائمة حيز الفعل بأي معنى من المعاني.
ليست حركة الدفاع عن البيئة إذن حركة حقوقية وحسب، ولعلها في بعدها الحقوقي تحديدا، مازالت حتى اليوم موضوع خلاف ونقاش. فمن الضروري التذكير، بأن حق الإنسان في البيئة لا تنص عليه حرفيا أية اتفاقية دولية لحقوق الإنسان وبالتالي فهو غير معترف عليه في آليات الحماية والمراقبة الدوليين. على العكس من ذلك، يعتبر حق الدولة في التدخل من أجل حماية البيئة مشروعا. وليس الحال كذلك بالنسبة للمواثيق الإقليمية. فالمادة 24 من الميثاق الإفريقي لحقوق الإنسان والشعوب تنص على أن "لكل الشعوب الحق في بيئة مرضية وشاملة وملائمة لتنميتها". كذلك هو حال البروتوكول الملحق بالاتفاقية الأمريكية لحقوق الإنسان على الأصعدة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية الذي جرى تبنيه في نوفمبر 1988 في سان سلفادور حيث نصت المادة 11 على حق الإنسان في بيئة سليمة وتتعهد الدول بتنمية وحماية وحفظ وتحسين أوضاع البيئة. وقد انتظرت المؤسسات الأوربية عام 1986 لإدخال البيئة في الحقل السياسي للجماعة الأوربية، الأمر الذي تم تأكيده في اتفاقية ماستريش التي أضافت مبدأ الاحتياطات والإجراءات الوقائية.
ينظر أنصار البيئة للعلاقة بينها وبين الإنسان كعلاقة متداخلة حتمية وإجبارية، وبهذا المعنى لا يمكن النظر إلى الإنسان بمعزل عن البيئة ومتابعة مشكلاته الوجودية بإهمال هذا الجانب أو عدم الارتقاء لمستوى في التفكير يعطيه ما يستحق. فهناك تجانس بين السيرورة الاجتماعية-الاقتصادية والتوازنات البيئية الأساسية. ولا يمكن للمرء أن يكون جديا في تناول موضوع الحقوق الإنسانية والرفاه والسعادة دون أن يضع نصب عينيه النتائج الكارثة لبعض المشكلات البيئية كالتصحر أو تلوث الموارد المائية وتدني نوعية الهواء أو التسعير الحراري. ولعل دخول حق البيئة في صلب منظومة حقوق الإنسان يؤصل من جهة للتواصل الإجباري بين الوحدات المجتمعية الصغيرة والوحدات المجتمعية الكبيرة، ومن جهة ثانية لعالمية الحقوق باعتبار أن التفكير في المحيط المباشر لا يمكن أن ينفصل عن الفعل على صعيد شامل وعالمي، ما لخصه الشعار الكلاسيكي للخضر بجملة Think local, act global.
حقوق البيئة، بتكثيف شديد هي حقوق جماعية وفردية، حقوق أساسية وإجرائية. ولكن إذا أردنا أن نحصر أنفسنا بالنص والكلمة، سنجد هذا الحق في قراءتنا للحق في الحياة وحق الصحة عند استعراض قراءات الشرعة الدولية لحقوق الإنسان المختلفة، أو في الدساتير الوطنية لبعض البلدان. وبالمعنى الإجرائي، مازال الطريق طويلا رغم الحصول على قرارات قضائية وتعويضات وقرارات بهدم أو توقيف معامل ملوثة الخ. إلا أن أي قرار هام وفاعل في قضايا البيئة هو برأينا قرار سياسي ومجتمعي بآن. وسنأخذ على ذلك مثلا صغيرا هو تغطية الاوتو ستراد المحيط بمدينة باريس في مناطق الكثافة السكنية لارتفاع درجة تلوث الهواء للقاطنين حوله وارتفاع الضجيج بشكل يترك آثارا ضارة على القاطنين بجواره. حتى اليوم ورغم حركة الاحتجاج القوية نسبيا لم تنجح المجالس البلدية والجمعيات الأهلية في إصدار قرار باحترام هذا الحق لأسباب تتعلق فقط بالتكاليف الآنية (لأن مشروع التغطية مفيد على المدى المتوسط والبعيد). فكيف الأمر إن كان هناك عمال يمكن تسريحهم أو شركات يمكن أن تخسر أو حكومات يمكن أن تتأثر. من هنا خطورة مشكلة البيئة وضرورة إدماجها في حقوق الإنسان لتتكاتف عدة جبهات من أجل هذا الحق الأساسي. تتداخل فيها سيرورة التثقيف والحق في المعرفة، المستوى المعرفي والإنساني لصانعي القرار السياسي، المستوى الأخلاقي لأصحاب القرارات الاقتصادية وامتلاك نظرة أكثر ذكاء وشمولا للعالم والمستقبل. يقترح نزلي شكري في دراسته عن التحديات البيئية والأجوبة العالمية استقراء استراتيجيات عمل تنطلق من المبادئ التالية: الطابع الشرعي للتدخل لحماية البيئة، أن تكون التدخلات عادلة، متناسبة ومتوازنة، أن تكون ذات طابع تطوعي توافقي بعيد عن الإكراه، أن تكون عالمية الطابع وفوق موضوع سيادة الدول، وأخيرا أن تكون ذات فعالية عالية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.