يجمع الفلسطينيون على اختلاف مشاربهم الفكرية والسياسية أن لمصر مكانة لا تضاهيها دولة عربية أخرى، وأن مصر منارة الشرق؛ إن نهضت نهض، وإن خبت خبا، وإن توجع جسدها من محاصرة مياه النيل توجعت لها روح الفلسطينيين، فهم مع مصر في أي خطوة تخطوها لمنع إقامة السدود التي ستؤثر على حصتها المائية ، وهم مع مصر ضد جبهة الشر التي تعمل على إخضاع شعب مصر، لأن إرادته مستهدفة من العدو المشترك قبل أن تكون أرض فلسطين مطمعاً لليهود، ويعرف الفلسطينيون أن المؤامرة تحاك ضد مصر من قلب تل أبيب، رغم الورق الأزرق الذي وقعت عليه اتفاقية "كامب ديفيد" لذا لا تجد فلسطينياً منتمياً لأمته ووطنه لم يحترق فؤاده على مصر، ولا تجد فلسطينياً يقول: مثلما تحاصر مصر غزة من الجنوب جاء من يحاصر منابع نيلها من الجنوب، ولن تجد عربياً فلسطينياً غير متأهب للتضحية من أجل مصر تماماً مثل استعداده للتضحية من أجل فلسطين، فالذي يحاصر مصر هو نفسه الذي يحاصر غزة، والذي يضغط على مصر من خاصرتها المائية الجنوبية هو ذاته الذي يحرض للضغط على غزة من خاصرتها الغذائية الجنوبية، ليشكل الوجع شعوراً عربياً نابضاً بالكرامة، والتحدي، والحلم الواحدٌ، والمستقبل الواعدٌ. في يد مصر أوراق كثيرة يمكن أن تضغط فيها على أعدائها، ومثلما منَّ الله على مصر بنبع ماء دافقٍ من الجنوب، فقد منَّ عليها بنبع رجال واثقٍ من الشرق، رجال غزة الذين يتوجعون من كل حجر يرجم مصر، وهم جاهزون لنصرتها، رجال غزة عصا مصر الغليظة التي يمكن لمصر أن تتوكأ عليها، وأن تهش فيها على غنم إسرائيل، ويمكن لمصر أن تحقق فيهم مآرب أخرى، رجال غزة يا مصر هم إليك، فالتفتي إليهم، واقتربي منهم، وضميهم إلى صدرك، هم رجالك، وناسك، وأهلك، وسيكونون مخلصين لشعبك، وسيكونون من خيرة أبنائك في حربك المعلنة والخفية على أعدائك. رجال غزة الذين أوجعوا إسرائيل. لوّحي بعصا غزة في وجه إسرائيل يا مصر، أوصلي هذه الشوكة الكهربائية بتيارك، وانظري كيف سيهرع إليك رجال البنك الدولي، وصندوق النقد، ووسطاء غربيون، وشرقيون، وحكماء صهيون، وساسة أمريكا، سيهرعون، يتوسلون رحمتك، وتلطفك، ونقاء ترابك، وصفاء سمائك، وسيهرعون إلى تطيق اتفاقية المياه لعام 1929، ولن تجد أثيوبيا، وأوغندا، وتنزانيا، ورواندا، وغيرهم، من يقدم لهم الدعم المالي، والفني، والتكنولوجي لإقامة السدود، طالما قد انهار السد الكبير الفاصل بين محبة غزة لمصر وحنان مصر على غزة.