دول العالم الثالث في الأممالمتحدة بين مكتسبات الأمس وتعثرات الراهن تحية طيبة للجميع لا يهدف هذا النص إلى البكاء على الأطلال، أو إلى معرفة تاريخية صرفة، بل الغاية منه هي الوقوف على ضوئه على دقة المرحلة الراهنة بالنسبة لدول العالم الثالث وخاصة العربية ، ومساءلتها واستنبات الإجابة عليها ، وقد كان فقرة من عرض لي حول الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية ، وهو يعبر عن المفارقة الكبيرة بين دور دول العالم الثالث وشعوبه في الأممالمتحدة ، ووعيها بخطورة وأهمية النظام الاقتصادي العالمي وأثره على حقوق الإنسان بصفة عامة ، وعلى الحقوق الاقتصادية بصفة خاصة في مرحلة تاريخية معينة ، وبين تراجع هذا الدور ونكوصه في المرحلة الراهنة . في مرحلة الستينات والخمسينات من القرن العشرين كانت الآمال معقودة على دول العالم الثالث لتغيير وجه الأممالمتحدة ، وقد استطاعت بفضل إنجازات شعوبها وطموحها المتزايد للتخلص من الاستعمار أن توسع هامش الفعل بها ، وجعلت منها أداة لتحقيق العديد من المكتسبات ، ومجالا للتغيير وسندا للضعفاء ، وبفضل الأغلبية التي شكلتها في الجمعية العامة ، وتكوينها لمجموعة من التنظيمات والتكتلات أصبحت تحظى بقوة ضغط لا يستهان بها . وكانت قمة باندونك الأفريقية الأسيوية سنة 1955 والتي حضرتها ثلاثون حركة تحررية وتسعة وعشرون دولة بداية هذا المسار ، وقد سطرت التحرر من الاستعمار وإنها ء التمييز العنصري كأهداف استراتيجيه تسعى لتحقيقها، وكانت هذه القمة وراء اسم " دول العا لم الثالث " على يد Alfred Sauvy . ولعبت حركة عدم الانحياز دورا هاما بحيث جعلت من الأممالمتحدة مجالا لنشاطها واستطاعت أن تساهم في تطوير القانون الدولي بين 1961 و1975 في اتجاه الأخذ بعين الاعتبار وتطوير العلاقة بين الشمال والجنوب ، وقد كان إنشاء (منظمة الأممالمتحدة للتجارة والتنمية ) بالنسبة للعديد من المفكرين انتصارا لدول العالم الثالث بحيث وضعت من بين أهدافها الإستراتيجية الاستقلال الذاتي الاقتصادي لدول الجنوب وإنعاش إنتاجها عوض الاستيراد ، وتأميم الثروات البترولية ، وبعد إصدار الأممالمتحدة في 14 ديسمبر 1960للقرار 15147 الذي اعترف بحركات التحرر ، استطاعت اثنان وثلاثون دولة بتمسكها بحق تقرير المصير في أقل من عشر سنوات (1955 64 )الحصول على استقلالها ، وأصبحت هذه الحركات تحظى بصفة ملاحظ في الأممالمتحدة سنة 1970 ، واضطلعت دول العالم الثالث بمهمة فضح السيطرة والهيمنة في العلاقات الدولية، واعترفت الجمعية العامة تحت ضغطها باستحالة تحقيق تنمية متناسقة ومتوازنة في إطار النظام العالمي السائد آن ذاك ، كما اعترفت عبر قرارها رقم 3201 بضرورة مراجعة النظام الاقتصادي الجديد ، ونعت محمد بجاوي الممثل الدائم للجزائر لذى الأممالمتحدة الحقوق المقرة آنذاك بأنها ليبرالية وإيباحية وتشرعن الفقر . وهكذا أصبح النظام الرأسمالي والنظام العالمي موضوع انتقاد كبير، كما اتضح أن الاستقلال( السياسي ) لا يكفي ما دامت الهيمنة الاقتصادية قائمة ،وكانت لهذه القرارات والمكتسبات أهميتها الكبيرة في تلك الفترة . واليوم أصبحت سياسة القبول بالعولمة ، والرضوخ للنظام العالمي الجديد ولقوانين السوق المجحفة ، هي السلعة الرائجة بين دولنا وأغلب مثقفينا. أين هي دول وشعوب العالم الثالث الآن من هذه الإنجازات، وما هي السبل لاستعادتها لدورها التاريخي واستثمارها للأمم المتحدة خاصة وأنها تشكل الأغلبية في الجمعية العامة للأمم المتحدة ؟؟ ما هي الإمكانات والهوامش التي تتيحها لها الظرفية العالمية الحالية ؟؟ كيف لها أن تتصدى للهيمنة الأمريكية على مجلس الأمن بعد أن أصبح يتقمص دور المشرع ضدا على ميثاق الأممالمتحدة ؟؟ استفادة طيبة بونيف محمد جرادة