ليس دفاعاً عن الحكومة الفلسطينية في قطاع غزة، ولا عن حركة المقاومة الإسلامية "حماس" التي تنتمي إليها الحكومة، وإنما هو دفاعٌ عن الشعب الفلسطيني كله، وعن الأمة العربية والإسلامية التي ننتمي إليها، ونتحلى بأخلاقها، ونتمسك بقيمها ومبادئها، وهو دفاعٌ عن قيمنا وثوابتنا وموروثاتنا الدينية والوطنية والقومية، ودفاعٌ عن مصالحنا ومقدساتنا وأرضنا ووطننا، وهي محاولة لحماية أهلنا وشعبنا، والحيلولة دون استهداف أبناءه، وقتل رجاله، واعتقال نشطائه، وتسريب أسراره، وإضعاف مقاومته، فالحكومة الفلسطينية في غزة لم تأتِ بأمرٍ جديد، ولم تقم ببدعةٍ من العمل، عندما نفذت أحكام الإعدام في حق الخائنين لشعبهم، والمتآمرين على مصالح وطنهم، والمتعاونين مع أعداء أمتهم، المغتصبين لحقوقهم، والمحتلين لأرضهم، فهذا ما اعتادت عليه كل شعوب العالم الحرة، وكل حركات التحرر الوطنية الصادقة، التي ترفض أن يكون من بينها عملاءٌ يتعاونون مع العدو ضد مصالح أمتهم، ويخونون قضيتهم، ويلحقون الضرر بأبناء شعبهم، وما من ثورةٍ سبقت إلا وقضت على خائنيها بالموت، وحكمت عليهم بالإعدام، وطهرت نفسها وشعبها منهم، فهذه هي النهاية الطبيعية لكل الخائنين، والنتيجة المنطقية المتوقعة لكل العملاء المتعاونين. أليس من العدل والإنصاف أن يحكم بالموت على كل الذين تسببوا في قتل قادتنا، وأرشدوا العدو على مواقعنا، وكشفوا له عن أهدافنا، وتسببوا في اجتياح مدننا وقرانا، فالعدو الإسرائيلي ما كان له أن ينال منا، أو أن ينجح في استهداف شهدائنا، وملاحقة مقاتلينا، لولا المعلومات التي يقدمها عملاؤه له، والتسهيلات التي يلقاها منهم، إذ أنه مهما امتلك من تقنية عالية، ووسائل تجسس ومتابعة دقيقة، وقدرة عالية على التصوير والتسجيل، ومهما اعتمد على ما يملك من قدراتٍ علمية فائقة، واستخدام لطائرات الرصد والتصوير، وإخضاعٍ لوسائل الإتصال المختلفة، فما كان له أن ينجح في تحقيق أهدافه لولا الجهود التي تقدمها له المجموعات المارقة، العميلة الخائنة، التي ارتضت لنفسها أن تؤدي أدواراً قذرة لصالح العدو ضد مصالح شعبها وأمتها، وقبلت على نفسها بأن تكون أدواتٍ رخيصة في يد عدوها، يستخدمها في تنفيذ أغراضه، ويتخلى عنها وقت يشاء، ولا يبذل جهداً في حمايتها، أو الدفاع عنها حال تعرضها للخطر، فكثيرٌ من العملاء قد تخلت عنهم إسرائيل بعد أن أنهوا خدماتهم، واستنفذوا أغراضهم، ولم يعد لهم بهم حاجة، أو بعد أن فضح أمرهم، وكشف سرهم، ومن العملاء من وعدتهم الأجهزة الأمنية الإسرائيلية بمكافئاتٍ وعطايا، ولكنها سرعان ما تخلت عنهم، بمجرد انكشاف أمرهم، أو إنتهاء مهمتهم، وهو ما قامت به إزاء قوات العميل أنطوان لحد في جنوب لبنان، إذ انسحب الجيش الإسرائيلي في جنح الليل من الجنوب اللبناني، دون أن يعلم لحد وقواته بأمر الإنسحاب، تاركاً إياهم جميعاً نهباً للمقاومة اللبنانية، كما أن الذين تمكنوا من الفرار، واللجوء إلى العدو، لم يحظوا برعاية العدو ولا اهتمامه، بل تعرضوا للمذلة والمهانة، وتركوا لملاقاة مصيرهم وحدهم، ولم تقدم لهم أي مساعداتٍ تذكر لمواصلة الحياة، بل جمعتهم في معسكراتٍ قذرة، عرفت بمعسكرات العملاء، ولم يتلقوا أي مكافأة على نهاية الخدمة، وهو ذات المصير الذي لقيه العميل كمال حماد، الذي دل على الشهيد المهندس يحيى عياش، ففقد ثروته ومصالحه في قطاع غزة، وهو الثري بماله، وتمزقت أسرته، وتبعثر أولاده، وشرد في داخل فلسطين، حتى نال منه فلسطيني غيور، فلكمه في وجه، وأفقده عينه، ولم يلقَ من الإسرائيليين أي رعاية أو اهتمام، وهو الذي أدى إليهم الخدمة الأجل في تاريخ حياة دولتهم. ألا يستحق الذين تسببوا في تيتم أطفالنا، وترمل نساءنا، وقتل رجالنا، وتخريب بيوتنا، وتدنيس مقدساتنا، وفضح أسرارنا، وهتك أعراضنا، وتخريب مستقبل أجيالنا، أن يقتلوا، أو يصلبوا، أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف، ألا تستحق أمهاتنا أن ننتقم لهن ممن تسبب في قتل أولادهن، ألا ينبغي أن ننتصر للأطفال الذين تسبب العملاء في قتل آباءهم، وفقد إخوانهم، ألا تستحق فتياتنا اللاتي لوث العملاء شرفهن، فنالوا منهن بخديعةٍ أو على حين غفلة، فلوثوا سمعتهن، ولطخوا شرف أهلن، ألا يستحق هؤلاء عقوبة القتل على جرائمهم، ألا تستحق فلسطين ومقدساتها منا أن نطهرها من كل رجس، وأن نزيل عنها كل قذارةٍ وخباثة، وأن نحافظ عليها زاهيةً نظيفةً طاهرة، وإلا فإن شبكات الخراب ستنشط، وخلايا العملاء ستجد نفسها بمأمنٍ من العقاب، وستزيد من حجم نشاطها وفسادها، ولذا فلابد من عقابٍ قاسٍ، وقتلٍ رادع، ولعل تنفيذ أحكام الإعدام، بعد إشهارها واستنفاذها لكل وسائل الإستئناف والمراجعة، فيه رهبة كبيرة، وتحذير شديد لكل ضعفاء النفوس بأن هذه هي نهاية كل خائن، أما الإعدام في الطرقات والشوارع، بليلٍ خارج القانون، بعيداً عن المحاكم، فإنه قد لا يرهب العملاء، ولا يخيفهم، وقد لا يضع نهايةً لجرائمهم، ولكن تنفيذ الأحكام، بعد الإعلان، وبعد زيارة ذوي العملاء لهم، وإشاعة موعد تنفيذ الأحكام، ومعرفة الناس بها، فإن نتيجتها ستكون رادعة، وستدفع غيرهم للتفكير ملياً، والتوقف عن القيام بأعمالٍ قذرة، بل قد تدفعهم للتوبة أو التراجع، والاعتراف أمام الجهات المختصة بجرائمها، ونيتها الصادقة بالتوبة والإنابة، وتسليم ما لديها من معلومات وتجهيزات. أما الذين يستنكرون تنفيذ أحكام الإعدام، في حق عملاء، ثبت أنهم ارتكبوا جرائم ضد شعبنا، وتسببوا في قتل أبناءنا، وأطلقوا النار على جموع أهلنا، وشاركوا العدو في أعمال المداهمة والاعتقال وإطلاق النار، فإنهم ليسوا حريصين على مصالح شعبنا، وليسوا صادقين في نصحهم لنا، بل هم يحرصون على إيذاء شعبنا، وتمكين العدو منا، وتسهيل وصوله إلى أهدافه، وتحقيق غاياته، فإذا كانت مؤسسات حقوق الإنسان، وغيرها من المؤسسات الدولية، غاضبة من تنفيذ أحكام الإعدام بحق المتآمرين على شعبنا، وغير راضية عن تنفيذ الأحكام بحقهم، وتقوم بانتقاد عدالة المحاكمات التي عرضوا أمامها، والتي نفذت فيهم حكم الشعب، فإن عليها أن تنتقد جرائم العملاء بحق الشعب الفلسطيني، كما أن على المؤسسات الحقوقية ولجان حقوق الإنسان أن تقوم بحماية شعبنا من عمليات الإعدام المنظمة، ولتوقف كل عمليات القتل الإسرائيلية بحق أهلنا، فالجيش الإسرائيلي، ومستوطنوه يقومون كل يوم بتنفيذ عملياتِ إعدامٍ بدمٍ باردٍ بحق أهلنا وشعبنا، يقتلونهم في الشوارع والطرقات، بإطلاق النار، أو قصفاً بالصواريخ، أو دهساً بالسيارات، أو غيلةً على أيدي الفرق المستعربة، أو بواسطة عملاءها والمتعاونين معها، الذين يقنصون شبابنا في الليل والنهار، ويقتلونهم بدمٍ بارد، وأحياناً أمام عدسات الكاميرات، تحت سمع العالم الحر وبصره، كما ينبغي على المؤسسات الدولية أن تمنع إسرائيل من استغلال المواطن الفلسطيني، واستغلال حاجته وفقره، وسعيه للعمل أو العلاج، حيث تتعمد إسرائيل توريط الفلسطينيين واسقاطهم، ثم تربطهم بخلايا جاسوسية. أما السلطة الفلسطينية في رام الله، وغيرها ممن انتقد تنفيذ أحكام الإعدام في غزة، بحجة مخالفتها للدستور، وأنها لم تستوفِ الشروط القانونية، ولم يصادق عليها رئيس السلطة الفلسطينية، وأن المحكوم عليهم بالإعدام لم يتمتعوا بمحاكماتٍ عادلة، وبذا فهي تخالف القانون الأساسي الفلسطيني، فقد تناسوا اهمال السلطة الفلسطينية وتقصيرها في معالجة ملف العملاء، وهي التي توقفت عن ملاحقتهم، وخضعت للشروط الإسرائيلية التي قضت بضرورة عدم محاسبتهم، ومنعت السلطة الفلسطينية من اعتقالهم، الأمر الذي جرأهم على التمادي أكثر في مستنقع العمالة والتخابر، فلو أن السلطة الفلسطينية كانت حازمة في التعامل مع العملاء، ولاحقتهم اعتقالاً ومحاسبة وقصاصاً، لما تفاقمت قضيتهم، ولما تكاثر عددهم، ولكن عجز السلطة الفلسطينية وتقصيرها، هو الذي أغرى العملاء وشجعهم، ودفعهم للمجاهرة بالتعامل مع العدو الإسرائيلي، ولذا فهي التي تتحمل مسؤولية تكاثر عدد العملاء، وتزايد أنشطتهم التجسسية، ولا يحق لها الاعتراض على الذين يسعون لتطهير المجتمع الفلسطيني منهم. الفلسطينيون كلهم، وليس الحكومة الفلسطينية في قطاع غزة، أو حركة حماس، يصرون على تنفيذ أحكام الإعدام بحق الخونة، وعدم التساهل معهم، أو تخفيف الأحكام الصادرة بحقهم، ولن يغفر الشعب الفلسطيني لحكامهم تهاونهم في القصاص ممن ظلمه، وساهم في قتل أبناءه، ويرون أن التخلص من العملاء ضرورة اجتماعية، ومصلحة عامة، ومعاقبتهم والقصاص منهم واجبٌ وطني، يقع على الحكومة مسؤولية تنفيذ الحكم، ليكونوا عبرةً لغيرهم، وليعلم غيرهم من العملاء، أن القصاص ينتظرهم إن هم مضوا في طريق الخيانة، واستمروا في التعاون مع العدو، وأن سيف المقاومة سيبقى مسلطاً على رقابهم، يلاحقهم في كل مكان، ويقضي عليهم حتى ولو كانوا في أوكارهم القذرة، إلا أن يعودوا إلى وطنهم وأهلهم، وأن يتوبوا عن جرائمهم، ويغادروا مستنقعاتهم القذرة إلى فضاء الوطنية الرحب، فإنهم ساعتئذ سيجدون في الشعب والمقاومة، الحضن الدافئ القادر على العفو والمغفرة، كقدرته على القصاص والانتقام. دمشق في 23/4/2010