من الصعب أن نتجاوز الخلاف الأميركي - الإسرائيلي الذي طغى على جدول أعمال زيارة رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، ولقاءاته في البيت الأبيض ووزارة الخارجية، فقد بدا نتنياهو مرتبكاً خلال زيارته، ولم يسعفه كثيراً اللوبي اليهودي المتربع في الولاياتالمتحدةالأمريكية، كما لم تنقذه تصريحاته المدوية في اجتماعات الإيباك، ولا ترحيب ومرافقة بعض كبار أعضاء مجلسي الكونجرس والشيوخ الأمريكيين، الذين حاولوا أن يتجاوزا الإهانات الإسرائيلية المتكررة للإدارة الأمريكية، وأن يخففوا من آثار الأزمة التي سببتها تصريحات وزير الداخلية الإسرائيلية، الذي أعلن خلال زيارة نائب الرئيس الأمريكي جوزيف بايدن، عزم الحكومة الإسرائيلية بناء 1600 وحدة سكنية في القدسالشرقية، وكان الفريق اليهودي العامل في البيت الأبيض، وفي مختلف دوائر الإدارة الأمريكية، يعمل بجد لضمان نجاح زيارة نتنياهو إلى البيت الأبيض، وضمان تجاوز الأزمات التي بدأت تظهر بين إدارة أوباما والحكومة الإسرائيلية، فاقترحوا له أنشطة، وعقدوا له لقاءات، ونشروا له صوراً، وعمموا تصريحاته وأقواله، ولكن كثيراً من تصريحاته أغضبت باراك أوباما، وزادت في حنقه، وأدت إلى تأكيد مواقفه من سياسة حكومة نتنياهو، وتوسيع الفجوة بينهما. وقد بدت نذر الخلاف تظهر بين الولاياتالمتحدةالأمريكية والحكومة الإسرائيلية، منذ الأيام الأولى لتولي باراك أوباما إدارة البيت الأبيض، وقد علق كثيرٌ آمالاً كبيرة على تزايد الفجوة بين سياسات البلدين، وقد أدركت إسرائيل أن الفجوة بينها وبين الإدارة الأمريكية في ازدياد، وأنها في حاجةٍ ماسة لاستدراك أمرها، وتجاوز أزمتها، واستعادة ثقة الولاياتالمتحدةالأمريكية بها، وهذا ما عمل عليه الجندي الإسرائيلي السابق، رام إيمانويل، كبير موظفي البيت الأبيض، الذي وقف محتاراً وعاجزاً أمام الالتزام بوظيفته تجاه سيده ورب عمله الغاضب من سياسة الحكومة الإسرائيلية، وبين ولاءه لدولة إسرائيل، التي خدم فيها جندياً مقاتلاً، مؤمناً بأفكارها وسياساتها، والتي نذر حياته من أجلها، دفاعاً عنها، ومساندةً ومساعدةً لها، وقد عول نتنياهو ومعاونوه كثيراً على إيمانويل، لمساعدتهم في تجاوز الأزمات، وعقد اللقاءات، وترتيب الاتفاقيات، وإزالة كل ما علق في ذهن الإدارة الأمريكية ضد إسرائيل وسياساتها. ولكن رام إيمانويل الذي يشرف على تفاصيل دقيقة وكثيرة في عمل البيت الأبيض، كان يدرك حجم غضب سيده من نتنياهو وفريق عمله، وقد بات مقتنعاً أن الحكومة الإسرائيلية تعجل في خطواتها نحو العزلة الدولية، وأن دول الاتحاد الأوروبي تطالب أوباما بالضغط على الحكومة الإسرائيلية للتراجع عن انتهاكاتها المتكررة تجاه الشعب الفلسطيني ومقدساته، وضرورة تخفيف حصارها عن قطاع غزة، وأنها باتت منزعجة من السلوك الإسرائيلي الأخير، الذي ورطت فيه العديد من الحكومات الأوروبية، عندما استخدمت جوازاتها في تنفيذ عملية اغتيال المبحوح في دبي، فحذر فريق عمل نتنياهو من أن المهمة الملقاة على عاتقه ومساعديه في البيت الأبيض كبيرة، وأنه قد لا يستطيع النجاح في مهمته، وأن أوباما جادٌ في مواقفه الغاضبة، وهذا يتطلب من نتنياهو وحكومته الانحناء قليلاً أمام العاصفة، وعدم تأجيج الخلاف بمزيدٍ من التصريحات الرعناء، ولا التصرفات الطائشة، وكاد إيمانويل أن ينجح في مهمته، ولكن فندق شيبرد الفلسطيني في حي الشيخ جراح في القدس، وضع نهايةً أليمة لجهوده، وأفشل محاولاته المحمومة لترميم العلاقة بين الرجلين، إذ أعلن وزير الداخلية الإسرائيلية قبيل انعقاد اللقاء بين أوباما ونتنياهو، عن الموافقة على بناء عشرين بيتاً فاخراً على أنقاض فندق شيبرد الفلسطيني، فأدرك رام إيمانويل أنه أصبح وفريق عمله يقفون على أنقاض علاقةٍ أمريكية إسرائيلية، وأنها أصبحت بحاجة إلى جهودٍ أكبر لترميمها، أو إعادتها إلى طبيعتها، وأن الوقت لا يعمل في صالح شعب دولة إسرائيل. وبينما أغلق باراك أوباما على نفسه مع نتنياهو غرفة الاجتماع، أدرك إيمانويل أن محاولاته المتكررة مع فريقي عمل الإدارتين في أروقة البيت الأبيض لن تجدي نفعاً في إعادة الدفء إلى العلاقة بين الرجلين المجتمعين وحدهما، بعيداً عن الأضواء، وبعيداً عن المساعدين والمستشارين، وأن إسرائيل في مأزقٍ حقيقي لا يخرجها منه سوى تقديم بعض التنازلات، والاستجابة لبعض مطالب الإدارة الأمريكية، المتعلقة بالتخفيف عن الفلسطينيين، وبناء جسور حقيقية للثقة معهم، وبدا إيمانويل واضحاً تجاه فريق عمل نتنياهو، في وقتٍ كان يحاول فيه أن يسترق بعضاً مما يجري في الغرفة المغلقة على الرجلين منذ أكثر من ساعة ونصف الساعة، فنقل إليهم جدية المخاوف التي قد تواجه إسرائيل، نتيجة الإحراجات المتكررة التي تتلقاها الإدارة الأمريكية من الحكومة الإسرائيلية، خاصةً تلك التي سبقت انعقاد القمة العربية، إذ أن المواقف الإسرائيلية تجاه الفلسطينيين، ستلحق الضرر بالمصالح الأمريكية، وهي الحليف الأقوى لإسرائيل، ونقل إليهم جدية تطلع باراك أوباما إلى بعض المواقف الإيجابية من حكومة نتنياهو قبيل انعقاد القمة العربية، علها تعزز جهوده وإدارته في إعادة الحياة إلى العملية السلمية بين الفلسطينيين والإسرائيليين، وكانت هذه المواقف ذاتها قد نقلتها وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون، التي تعتبر على رأس الفريق المؤيد لإسرائيل في الإدارة الأمريكية، ولكنها وجدت نفسها مضطرة للوقوف إلى جانب أوباما في امتعاضه من التصرفات الإسرائيلية المحرجة، ولهذا كانت رسالتها إلى نتنياهو لا تخلو من بعض الشدة، وأنها لن تتسامح في تأخر الرد الإسرائيلي على رسالتها، وخاصة تجاه بعض القضايا المحددة التي طالبت الحكومة الإسرائيلية بالحصول على إجاباتٍ لها، خاصةً فيما يتعلق بموضوعي القدس والاستيطان. ما من شك أن العلاقات الأمريكية الإسرائيلية تمر بمرحلةٍ حرجة، وأن الإدارة الأمريكية غير راضية عن السلوك الإسرائيلي، وأن الاتجاه الدولي العام خاصة دول الاتحاد الأوروبي، مستاء من سياسة الحكومة الإسرائيلية، وقد بدت أجواء عدم الارتياح تظهر على وجوه وكلمات وزراء خارجية دول الاتحاد الأوروبي، ومفوضية الخارجية في الاتحاد الأوروبي، وقد تكون هذه هي المرة الأولى التي تتعرض فيها إسرائيل لمثل هذا الجو الخانق، فهي تواجه تهديداً في مستقبل علاقتها من أهم حليف استراتيجي لها، وتشعر بثقل الضغط الأوروبي عليها، وتخشى أن تتخلى الولاياتالمتحدةالأمريكية ودول الاتحاد الأوروبي عنها في معركتها مع البرنامج النووي الإيراني، وقد تكون هذه الخلافات مجرد أحلام وأوهام، وأنه لا أصل لها، بل هي مظاهر مخادعة، وتقصد دغدغة المشاعر العربية، وتحاول أن تكسبها في المعركة ضد إيران، إذ أنها في حاجة إلى اصطفاف عربي وإسلامي لمواجهة مشروع إيران النووي، ولكنها في حقيقتها لا تتخلى عن إسرائيل، ولا تتناقض مع أهدافها وسياساتها، ولا تفضل المصالح العربية على مصالح إسرائيل، فرغم أن الاحتمال الثاني قائمٌ، ولا يمكن تجاوزه أو إسقاطه أو تجاهله، إلا أن الحكومات العربية معنية أن تنتهز هذه الفرصة السانحة، وأن تستغل الظروف الدولية الضاغطة على إسرائيل، سواء كانت هذه الضغوط كاذبة أو حقيقية، للاستفادة منها في رفع الحصار عن قطاع غزة، ورفض سياسة التجويع التي تمارسها ضد سكان قطاع غزة، وإجبار الحكومة الإسرائيلية على وقف أنشطتها الاستيطانية، والكف عن محاولاتها تهويد القدس، وطرد مواطنيها، والاستيلاء على أرضهم. بكل صراحةٍ ووضوح، إسرائيل تواجه غضباً عالمياً متصاعداً، وتهديداً حقيقياً بالعزل الدولي، كما تواجه إرادةً فلسطينية شعبية قوية وعنيفة، لذا لابد من دبلوماسية عربية قوية وهادفة، وموقف عربي موحد، وتهديد عربي وإسلامي جاد، بعيداً عن الخلافات والانقسامات، وبعيداً عن المناكفات والحسابات الخاطئة، كما لابد من الاستفادة من موقف تركيا المتقدم، لفرض الشروط العربية، وتحقيق أهداف الشعب الفلسطيني، والتخفيف من معاناته، والحفاظ على أرضه ومقدساته، فهذه الفرصة مواتية، وقد لا تتكرر، فلنحسن استغلالها، والاستفادة من الظروف الدولية التي خلقتها، ولا نكن نحن بسياساتنا طود النجاة للحكومة الإسرائيلية المتهالكة. دمشق في 29/3/2010