يوم أمس، منحت جائزة إسرائيل في الشعر للعام 2009، للشاعر اليهودي "آريه سيفان" والذي سبق له وأن تسلم جائزة "حاييم بيالك" في الشعر، ولا أجد غضاضة في التعريف السريع بالشاعر اليهودي الذي نشر خمسة عشر ديواناً شعرياً، وله تأثيره الفكري على المجتمع الإسرائيلي، ولاسيما أن الشاعر قد تناص في كثير من أشعاره مع فقرات من كتاب اليهود الديني "التناخ"، ورغم هذا التناص، إلا أن الشاعر قد حافظ على مساحة من الرؤيا المرتبطة بالحاضر، فهو لم ينكر تسلسل الزمان على أرض فلسطين، ويقر بتوالي المستجدات على هذه الأرض المباركة، ولا يدعي الشاعر "آريه سيفان" التفرد اليهودي في ملكية أرض فلسطين كغيره من اليهود المتشددين، لذا يتغلغل الشاعر في متغيرات الزمن وفق ما جاء في أسفار العهد القديم من ناحية، فنراه يميز بين الفلسطينيين والكنعانيين، وكأنهم اثنين، ولكنه يجمع في قصائده بين العرب والفلسطينيين، فإذا بهم واحد لا يفترق، ومن المؤكد أن هذا قد فرضه الواقع القائم على وجدان الشاعر "آريه سيفان"، وهو يقول ما أترجمه عن العبرية: أنا على أرض الميتين الواسعة، على أرض الميتين العميقة فلسطينيون يرتاحون على كنعانيين، وعليهم يهود، وإغريق، وعرب، وصليبيين. كان ذكر الكنعانيين في أسفار العهد القديم سلبياً، فهم عبيد وفق سفر التكوين الذي قال فيهم: "ملعون كنعان، عبد العبيد يكون لأخوته، وقال: "مبارك الرب سام، وليكن كنعان عبدا ًلهم" فهل بعد هذا الوصف يظل بين العرب الفلسطينيين من يصر على الانتساب إلى كنعان، ويتجاهل كل التاريخ الذي عبر بعد ذلك، ويتجاهل أن الكنعانيين قد ذابوا مع العرب، وصاروا مسلمين، وأن الإصرار على تسمية الفلسطينيين بالكنعانيين، أو الجبارين، تعني تمزيق المنطقة العربية، وتشريع العودة إلى الماضي الأسبق للإسلام، وبالتالي تشريع التاريخ اليهودي؟. لقد تميز شعر "آريه سيفان" بالحس الإنساني، وتجاوبه السياسي مع الواقع، وله قصائد شعرية لا ينكر فيها حق العرب الفلسطينيين بأرضهم، التي حددها وفق شعره بالضفة الغربية فقط، دون أن يتجاوز الشاعر رؤية السياسيين اليساريين للأرض. وما عدا ذلك؛ فقد أعرب الشاعر عن تعاطفه مع العرب، ومع حقوقهم، وهمومهم، ليقول مهاجماً الاستيطان: قصدت الكتابة بعينه التي اقتلعت برصاصة مطاطية هو يرى بوضوح كل نقطة في القرية، اقتلعت منها: شجيرات الصبار من وراء الجدران الحجرية، تلك المشاهد سينقلها لولده البكر، ولبقية أبنائه حتى يسمرهم بمسامير أشواك نبات الصبار فوق أرضهم. الشاعر اليهودي كتب قصيدته باللغة العبرية إلى اليهود، إنه يلفت انتباههم إلى أن الدم يورّث مثل الأرض، ومن يقتل اليوم سيأتيه من يطالبه بالدم في الغد، وما التنكر الإسرائيلي للحق العربي إلا وهم لن تمحوه السنون، وأزعم هنا؛ إن الشاعر اليهودي "أريه سيفان" قد مثل خطوة متقدمة نسبياً في الاعتراف بحقوق العرب في الضفة الغربية، ليتجاوز بهذا الموقف مطالب المستوطنين، والمتدينين الذي يحرضون على التمسك بكل أرض الضفة الغربية، أرض الآباء والأجداد إلى أبد الآبدين، كما يعتقدون جازمين.