لطالما سعت إسرائيل لإيجاد قيادة فلسطينية داخل الأراضي المحتلة، قيادة محلية تتحمل مسئولية العمل السياسي الفلسطيني. ولكن باءت محاولاتها بالفشل، حتى وهي تخلق روابط القرى، وتدعمها كقيادة بديلة، لأن الفلسطينيين صرخوا: منظمة التحرير الفلسطينية هي الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، وهي التي تمثل مصالح كل الفلسطينيين أنّى تواجدوا، وهي النبع التي يرد حوضها كل الرعاة الظمأى للحرية. سببان كانا وراء التفتيش الإسرائيلي عن بدائل محلية لقيادة العمل السياسي؛ الأول: إن وجود قيادة فلسطينية داخل حدود الضفة الغربية وقطاع غزة، يعني وجود قيادة تحت السيطرة، وغير قادرة على تجاوز الأفق الإسرائيلي، مهما علت تطلعاتها، ومن يتشكك في ذلك، ليقرأ النتيجة التي وصل إليها الشهيد ياسر عرفات، أو ليعرف ما هو مصير الوزراء الفلسطينيين، وأعضاء المجلس التشريعي، ورؤساء البلديات الذين ينتمون لحركة حماس؟ الثاني: قيادة فلسطينية داخل حدود الضفة الغربية وقطاع غزة، هي قيادة تمثل مصالح أربعين في المائة من الشعب الفلسطيني، وتفتش عن حلول لا يتجاوز مداها المساحة الجغرافية لمدن الضفة الغربية وقطاع غزة، بالتالي فهي قيادة تخلت رغم أنفها عن يافا، وحيفا، وعكا، وصفد، وعسقلان، وبيت دراس، ولا تعبر عن طموح اللاجئين. إذن؛ لم تكن إسرائيل غبية، وهي تحاول خلق قيادات محلية بديلة عن منظمة التحرير الفلسطينية، ولم يكن الشعب العربي الفلسطيني غبياً وهو يصر على أن منظمة التحرير الفلسطينية هي الممثل الشرعي والوحيد، وهذا ما أعجز إسرائيل التي لجأت إلى التحايل، والخداع السياسي لتدجين منظمة التحرير، وجعلها قيادة محلية بديلة، بشعارات وطنية كبيرة، قيادة تمارس عملياً ما استعصى على غيرها ذات يوم، ولا غرابة، والحال هذا، أن تجد الشعب الفلسطيني قد تغير، بعد أن اختفت منظمة التحرير الفلسطينية التي هتف لها ممثلا شرعيا وحيداً، ليحل محلها منظمة تحرير لا تمثل أحلام، وطموحات كل الشعب الفلسطيني سواء أكان في الشتات، أو في دول اللجوء، أو داخل الوطن المحتل؟. هل يفهم من كلامي هذا أننا بحاجة إلى قيادة سياسية فلسطينية خارج حدود السيطرة الإسرائيلية؟ أقول: نعم، ويجب أن تكون مرجعية القرار السياسي الفلسطيني خارج حدود فلسطينالمحتلة، وبعيداً عن المجال الإسرائيلي الذي فرض نفسه على القرار الفلسطيني، ومن يدعي أن هنالك حرية رأي، وتعبير، وانتخابات حرة، واختيار نزيه للقيادة، واستقلالية للقرار الفلسطيني فهو واهم، ويزكي الاحتلال، ويطهر سلاح الإسرائيليين من الدم الفلسطيني. بحضور الرئيس الأمريكي بيل كلنتون، شاركتُ شخصياً سنة 1998 في اجتماع المجلس الوطني الفلسطيني الذي عقد في مدينة غزة، كان المؤتمرون الفلسطينيون يصفقون للرئيس الأمريكي بلا وعي، وبلا عقل، وكأن الرجل الأمريكي جاء محرراً لفلسطين، لقد صفق المؤتمرون لذكر أي شيء له علاقة بالرئيس الأمريكي، فإذا قيل: زوجة الرئيس، صفق المؤتمرون، وإذا قيل: البيت الأبيض، صفق المؤتمرون، وإذا قيل: الجيش الأمريكي، صفق المؤتمرون، وسط هذا الضجيج السياسي المأساوي، صرخت بصوت صاخبٍ غاضبٍ: كفى. لم يبق لكم إلا التصفيق لكلب كلينتون. انتبه إلي صراخي بعض الحضور، ومن ضمنهم؛ مراسل التلفزيون الإسرائيلي "يهودا عاري"، الذي نظر إلي بشماتة، وهو يواصل التغطية الإخبارية التي انسجمت مع زفير الإسرائيليين، الذي لوّث أحلام غزة.