مباشرة بعد استقلال البلاد من المستعمر الفرنسي الإسباني، تأسست بمدينة الجديدة سنة 1957 مؤسسةٌ تعليميةٌ ودينيةٌ تُعْنى بتدريس العلوم الشرعية، وصارت مع مرور الوقت أهمَّ مؤسسةٍ يلجأ إليها حَفظة كتاب الله من مختلف المناطق، حتى يتمكنوا من المزاوجة بين تعاليم الكتاب والسنة وقواعد اللغة العربية، وغير ذلك من اللغات والمواد الدراسية التي تم إدراجها في المنهج الدراسي شيئا فشيئا، حتى استحقت المؤسسة اسم "الثانوية التأهيلية القاضي عياض للتعليم الأصيل" عن جدارة وكفاءة. عطاء تاريخي ومستمر
استطاعت ثانوية القاضي عياض للتعليم الأصيل، منذ تأسيسها إلى اليوم، أن تلعب بامتياز دورها التربوي والتعليمي والديني، من خلال مجهودات أطرٍ تعاقبوا على حُجراتها البسيطة، وتمكنوا بوسائلهم المتواضعة تخريج جيل وصل بكفاءته إلى مناصب عالية في سلالم مراكز القرار، فكان منهم القضاة، المحامون، المثقفون، الأطباء، الأساتذة، وحتى الفنانون العالميون والعلماء الأجلاء. لى جانب هؤلاء، يُعتبر الممثل المغربي هشام بهلول، والشاعر المعروف علي عبيد، والحافظ لكتاب الله عبد الرحيم إيران الذي تسلم جائزته من يد الملك محمد السادس قبل سنوات إثر تبوّئه المرتبة الأولى في مسابقة لحفظ القرآن وتجويده،... عَيّناتٍ ممن دَرَسُوا بثانوية القاضي عياض للتعليم الأصيل، والتي لا تزال على درب الإنجازات تُواصل عطاءَها رغم الأزمات المتتالية.
كما أن ثانوية القاضي عياض هي أَوَّلُ مؤسسة شاركت في النسخة الأولى للمهرجان الوطني للمسرح والأنشطة سنة 1993 بمدينة تازة، وفازت حينها بجائزة أحسن انسجام جماعي في مسرحية "أطفال البسوس"، ونظمت على مر السنين أياما وأسابيع ثقافية وفنية ومسرحية حضرها المثقفون والفنانون والشخصيات المحلية والوطنية لتميزها وفائدتها.
تميز، تنافس وصدارة
ابتداء من سنة 2005، بدأت المؤسسة تنتقل من اختصاصها الشرعي الصِّرْف، إلى ثانوية عمومية تجمع بين الشُّعَبِ الأدبية والعلمية والشرعية، وتربط بين السلك الابتدائي والإعدادي والثانوي داخل مرافقها المتواضعة، مع التركيز الدائم على تميزها عن باقي الثانويات بما تُدرسه من علوم شرعية، كالفقه، الحديث، السنة، التوثيق، والنحو والبلاغة،...
مكّنت المؤسسة، على امتداد التاريخ، تلاميذ الكتاتيب القرآنية والزوايا من فرصة متابعة دراستهم الشرعية، وأدمجت الجدد منهم في مستويات دراسية مناسبة، ولا تزال تستقبل الناجحين في السنة الثالثة من السلك الإعدادي والراغبين في مواصلة دراستهم الثانوية بالتعليم الأصيل دون غيرها من المؤسسات، إضافة إلى توفرها على باقي الشعب والمسالك الأدبية منها والعلمية، الرياضية منها والفيزيائية.
احتواءُ الثانوية على مختلف الشعب، وجمعُها بين الأسلاك الثلاثة، لم يمنعها من احتلال الصدارة على مستوى الإقليم في بعض نتائج البكالوريا، وتَمَكُّنِها من منافسة الثانويات المجاورة بشكل سنوي، وتحقيقِها نسب نجاح في امتحانات البكالوريا وصلت إلى 50 في المئة في العلوم الفيزيائية، و96 في المئة في العلوم الشرعية.
واقع مرير وغير مشجع
أما في الوقت الراهن، ورغم ما تحتله المؤسسة تربويا على الصعيد الإقليمي من مراتب مشرفة في النتائج وكفاءة الأطر، إلا أن اسم ثانوية القاضي عياض للتعليم الأصيل ارتبط بالأسقف والجدران الآيلة للانهيار، والمرافق الصحية "غير الصحية"، والشبكة الكهربائية والمائية المهترئة، والحجرات والبنايات الآيلة للسقوط على رؤوس مرتاديها.
مؤسسة لم تخضع لأي إصلاح منذ تأسيسها في خمسينيات القرن الماضي، حتى صار الجناح المخصص للتعليم الابتدائي مفتقرا لأبسط الشروط الضرورية ليُسَمّى فصلا دراسيا، ولم يعد التلاميذ يُفَرِّقون بين داخله وخارجه خلال التساقطات التي تتسرب عبر التشققات، فتحدث بحيرة وسط فضائهم المدرسي. تقلُّصُ عدد الفصول الدراسية بالتعليم الأصيل سنة بعد أخرى، ربطه أحد العاملين بذات المؤسسة بالصعوبات التي تعترض آباء وأولياء التلاميذ المنحدر أغلبهم من الوسط القروي، حيث لم تعد داخليةُ المؤسسةِ ملكًا لها، والتلاميذ المحظوظون يحصلون على أَسِرَّةٍ بإحدى الداخليات البعيدة عن المؤسسة بعشرات الدقائق مشيا على الأقدام، في حين يضطر الآخرون إلى اكتراء بيوت ينزوي فيها على الأقل عشرة تلاميذ في البيت الواحد.
القسم الداخلي للمؤسسة تحول إلى مقر للمفتشية الإقليمية، حيث صارت الغرف مكاتب للمفتشين، وأصبح التلاميذ الوافدون من مناطق مجاورة خارج اهتمامات النيابة الإقليمية لوزارة التربية الوطنية بالجديدة، ما اضطر عددا من حفظة القرآن المعوزين إلى "العمل اليومي خلال العطل المدرسية لتأمين مورد مالي لأداء واجبات الكراء"، حسب تصريح أحد المقربين من التلاميذ.
الإصلاح.. حتى إشعار آخر
مصادر جيدة الاطلاع، صرحت لهسبريس أن النيابة الإقليمية لوزارة التربية الوطنية بالجديدة، رصدت في عهد النائبة السابقة ميزانية من 280 مليون سنتيم لإصلاح المؤسسة، وبناءً على مطلب مدير الثانوية بضرورة إجراء توسعة في الجناح العلمي بتشييد أربع حجرات إضافية، فقد تم تخصيص ميزانية إجمالية للإصلاح بقيمة 370 مليون سنتيم عوض 280. وأضافت مصادرنا أن العاملين بالثانوية انتظروا بدء الأشغال على أحر من الجمر، ليكتشفوا أن الأشغال المنتَظَرَة انطلقت على حين غفلة من الجميع بثانوية مجاورة، ما يعني أن ثانوية القاضي عياض للتعليم الأصيل ستبقى على أصالتها المهترئة إلى يومنا هذا، وتأجيل الإصلاح إلى إشعار آخر.
مدير الأكاديمية الجهوية للتربية والتكوين بدكالة عبدة، تضيف مصادرنا، قام بزيارة لمرافق المؤسسة خلال التساقطات المطرية الأخيرة، ووقف على وضعيتها غير الطبيعية، ولا أحد يعلم إلى حدود الساعة نوعية الإجراءات التي اتخذها بصفته المسؤول الأول عن الشأن التعليمي بالجهة، إلا أن بقاء دار لقمان على حالها فيه من المعاني الشيء الكثير.