على بعد كيلومترات من أرقى وأحدث أحياء مدينة الجديدة، ووسط دواوير عشوائية متواجدة بتراب جماعة مولاي عبد الله أمغار، دشن المسؤولون سنة 2006 أحد أكبر مطارح النفايات على مساحة 27 هكتار، وسط أكبر التجمعات السكنية العشوائية (دوار الدراع وأولاد ساعد ودواوير قروية أخرى ...) التي أصبحت تعيش وسط موجة من الروائح الكريهة والحشرات المنبعثة من أكوام الأزبال التي تتهاطل على المطرح من الجديدة والبير الجديد ومولاي عبد الله والحوزية، ومن قمامات أكبر الفنادق والمؤسسات بالمنطقة.. ينقل هذا الربورطاج معاناة سكان المنطقة مع هذه الروائح وتنقل حقائق بالأرقام حول هذا المطرح الذي تم وضعه خطأ وسط السكان وفق عقد يمتد إلى سنة 2021 ...
بمجرد الاقتراب من القنطرة المؤدية إلى دوار «الدراع» و» أولاد ساعد» التابعين للجماعة القروية مولاي عبد الله التي تعد واحدة من أغنى الجماعات القروية في المغرب، تصادفك موجة من الروائح الكريهة وجيوش من الحشرات التي تملأ السماء والأرض، كما تكتشف أنك تسير على طريق متهالكة ومهشمة إلى درجة أنها تتحول في بعض المقاطع إلى عبارة عن حفر غائرة تستحيل معها الحركة. مصدر تلك الروائح الكريهة والمقززة، هو مطرح النفايات الضخم المتواجد وسط أحد أكبر التجمعات السكانية العشوائية بتراب جماعة مولاي عبد الله، والمحاط بمجموعة من الدواوير القروية التي تنال حظها من الروائح الكريهة وجيوش الحشرات والذباب بالتناوب حسب اتجاهات الرياح.
تعايش اضطراري مع روائح الأزبال
«لقد تعودنا على استنشاق هذه الروائح المقيتة وأصبحنا نتعايش معها، بل تحولت إلى جزء منا، إذا لم نشمها يوما ربما نمرض»، يعلق بطريقة ساخرة أحد سكان دوار الدراع الذي التقته الجريدة خلال زيارتها للمنطقة، وتابع لقد سئمنا هذه الحياة المليئة بالأزبال، نصبح على روائحها ونمسي على روائحها، حتى الشاحنات التي تمر من أمام منازلنا لا يمكن أن تكون إلا شاحنات محملة بالأزبال التي تنبعث منها، إضافة إلى الروائح عصائر لتلك الأزبال تتناثر على طول مسير الشاحنات في كثير من الأحيان.
روائح غير قابلة للإخفاء
«مابيدنا مانديروا الشكوا لله...الله يأخذ الحق فالمسؤولين لي جابو حدانا هاد الزبالة « عبارة لخصت فيها السيدة (خ) معاناتها ومعاناة أسرتها مع الروائح المنبعثة من مطرح النفايات المطل على منزلها من الجهة الخلفية، قبل أن تتابع «لقد أصبحنا محرجين مع عائلاتنا ونخجل من أنفسنا كلما فكر فرد من أفراد عائلتنا زيارتنا، لأن الروائح الكريهة المنتشرة بقوة لا يمكن إخفاءها ولا توجد أية طريقة للقضاء عليها أو التخفيف من حدتها «، تعاني السيدة (خ) من مشاكل في التنفس نتيجة انتشار الروائح المنبعثة من مطرح النفايات، وتعاني من تجمع الذباب بشكل دائم على موائد الأكل، وتتمنى الرحيل لإنقاذ أبنائها الثلاثة من خطر تلوث المنطقة.
المعاناة نفسها والألم نفسه يتقاسمه آلاف السكان بالمنطقة المحيطة بمطرح النفايات، بل إن بعض الذين التقيناهم أكدوا لنا أن سكان حي ملك الشيخ وحي الأمل ومنطقة حي المطار الحضرية والراقية المتواجدة بتراب بلدية الجديدة تنال نصيبها من الروائح من حين لآخر، كلما هبت رياح تتكفل بنقلها إلى عقر منازلهم، وتكسر عنهم هدوء المكان، هؤلاء تقدموا بشكايات متكررة إلى المسؤولين ببلدية الجديدة وعمالة إقليمالجديدة للمطالبة برفع الضرر القادم من قلب مطرح نفايات.
ضيف غير مرحب به
تتوافد الشاحنات والعربات المحملة بالأزبال والنفايات كل صباح على المنطقة، لدفن السموم وسط سكان مغاربة شاءت الأقدار أن يحط هذا المطرح رحاله بينهم سنة 2006، رغم أنه كان ضيفا غير مرحب به منذ البداية، فقد قرر مهندسو القرار (بجرة قلم) أن يقبع المطرح على أنفاسهم لمدة تصل إلى 15 سنة في إطار صفقة فازت بها شركة «بيزورنو» الفرنسية المعروفة وطنيا ودوليا بنشاطها في تدبير النفايات. احتج السكان في البداية وحاولوا تحرير الشكايات والعرائض وانتفض الغيورون، لكن الأمر كان فوق طاقتهم، وكانت أكوام الأزبال تتراكم بالقرب من بيتهم وأراضيهم الفلاحية ومواشيهم ...تماما كما تتراكم أوراق الشكايات والعرائض.
عملية التخلص من النفايات داخل المطرح الذي تبلغ مساحته 27 هكتارا محاطة بسياج طويل، من المفترض أن تتم وفق معايير دولية معترف بها، حيث أكد مصدر عارف بخبايا شركة «سيجيديما» التي تدير المطرح بتفويض من مجموعة شركة «بيزورنو» الفرنسية، أن المفروض والمتفق عليه في دفاتر التحملات التي تم إبرامها بشراكة مع الجماعة الحضرية لمدينة الجديدة رغم أن المطرح متواجد بتراب جماعة مولاي عبد الله المجاورة، أن تحفر حفرا غائرة وعريضة تغطى بغطاء مطاطي تدفن فيها النفايات بطرق علمية، وتدك بواسطة آلية ضخمة، قبل أن تتم تغطيتها بالحصى «الكاياص» ثم الأتربة وتعالج بأدوية خاصة لمنع الروائح من الانتشار، إضافة إلى معالجة السوائل التي تعصر من الأزبال، إلا أن الآلية التي تستعمل في دك الأزبال أصبحت معطلة وبالتالي أصبحنا نتحدث عن مطرح للنفايات بدل أن يكون مدفنا لها بطرق علمية، الأمر الذي يزيد من درجة انتشار الروائح الكريهة بأرجاء المنطقة.
يستقبل مطرح النفايات يوميا بين 250 و300 طنا من الأزبال والنفايات التي تأتي من الجديدة ومولاي عبد الله والبير الجديد والحوزية، إضافة إلى الشركات والمصانع والفنادق التي ترمي بنفاياتها بهذا المطرح وفق عقود بين إدارة المطرح وهذه المؤسسات الخاصة، وفي فصل الصيف تزداد كميات النفايات التي يستقبلها المطرح لتصل إلى 350 طن في اليوم الواحد بسبب توافد الآلاف من المواطنين على مدينة الجديدة للاصطياف وتزايد الحركة بالمؤسسات الفندقية والمطاعم...كما يتوقع بحسب الاتفاقية المبرمة بين الشركة والجماعة الحضرية للجديدة وجماعة مولاي عبد الله أن يستقبل المطرح أزيد من مليون ونصف مليون طن من الأزبال طيلة مدة العقدة التي تمتد من 2006 إلى غاية 2021. يؤكد العارفون بخبايا المطرح أن الشركة الفرنسية سبق لها أن التزمت بإحضار آلية متطورة متخصصة في معالجة «عصائر الأزبال» بتقنية عالية وتستخرج منه مياها صالحة للري، وآلية أخرى تتكفل بدور تبخر كميات كبيرة من الأزبال بتقنيات متطورة وتحترم المعايير الدولية، لكنها مازالت لم تحضرها ...بل إن أغلب الآليات التي تستعمل داخل المطرح معطلة ومتهالكة، بحيث تلجأ إدارة الشركة إلى كراء الجرافات والرافعات لإنقاذ الموقف...
فكرة المطرح قرار خاطئ
لا يجادل أحد ممن التقيناهم خلال إجراء هذا الربورتاج في كون قرار وضع هذا المطرح وسط جيوش من السكان، وعلى بعد كيلومترات من مدينة الجديدة يعد قرارا خاطئا منذ البداية، فالسكان هنا يعانون في صمت، ويشتكون من ضيق في التنفس وهجوم الحشرات على طول السنة، وأصيب بعضهم بأمراض في العيون، وأكدوا في تصريحاتهم للجريدة أنهم سلموا أمرهم لله وللمسؤولين لإعادة النظر في هذا القرار وإنقاذ سكان المنطقة وسكان التجزئات التي باتت على مقربة من المطرح، من خطر كارثة بيئية في حال استمرار الحال كما هو عليه، كما ناشدوا المسؤولين واللجان الصحية والبيئة من أجل الحضور إلى عين المكان لمعاينة درجة انتشار الروائح بالمنطقة، والوقوف بشكل حقيقي على الظروف التي ترمى فيها الأزبال بهذا المطرح...
مزابل قوم عند قوم منافع
بعض الإفادات تحدثت عن بعض من إيجابيات هذا المطرح، والتي أجملتها في كون بعض أبناء المنطقة يبحثون عن قوت يومهم بين ركام الأزبال والنفايات، ويعترضون الشاحنات المحملة بالنفايات بحثا عن أي شيء ذي قيمة يمكنهم إعادة بيعه، كما أن حوالي 20 مستخدما الذين يشتغلون داخل المطرح هم من أبناء الدوار المجاور للمطرح سلموا أمرهم للواقع وباتوا يقضون اليوم وسط المطرح وفي المساء ينامون على نسمات الروائح المنبعثة منه، والتي تحملها إليهم الرياح كل يوم في اتجاه معين، كما فتح المطرح لبعض الدواوير المجاورة فرصة ربط منازلها بشبكة الكهرباء، بعد أن أصبح «البوسط» قريبا منها، وطريق ضيقة شبيهة بالمعبدة حطمتها عجلات الشاحنات المحملة بالنفايات التي تتوافد يوميا على المطرح...
المطرح يقفل بابه في وجه الأزبال
كثيرة هي المرات التي تدخل فيها عامل إقليمالجديدة شخصيا لحل المشاكل التي تطفو بين الفينة والأخرى بين إدارة شركة مطرح النفايات وبلدية الجديدة، خصوصا حين تتأخر هذه الأخيرة في أداء واجباتها المالية للشركة، التي تضطر في العديد من المرات إلى إغلاق باب مطرحها في وجه النفايات التي تبقى الشاحنات محملة بها خارج المطرح إلى حين تحرك الهواتف والتوجيهات لحل المشاكل المالية التي تطفو بين الشركة وبلدية الجديدة، حيث تعجز الشركة عن أداء مستحقات مستخدميها وإصلاح آلياتها ومعداتها .
نداء من أجل الخلاص
مهما كان وصفنا لمعاناة أغلب سكان الأحياء والدواوير المحيطة بمطرح النفايات المتواجد بتراب جماعة مولاي عبد الله، والقريب من ضواحي مدينة الجديدة، ومهما حاولنا تقريب القارئ من فظاعة الروائح المنبعثة من المطرح، ومهما حاولنا نقل صورة المواطنين والأطفال العائدين من مدارسهم وسط موجة الروائح ...فلن نستطيع أبدا نقل الصورة كاملة كما عشناها خلال زيارتنا للمنطقة، ولن نستطيع ترجمة أنين السكان وشباب المنطقة الذين يعيشون وسط مزبلة بكل ما للكلمة من معنى...وبدورنا سنحدو حدو السكان المتضررين وسندعو المسؤولين والمعنيين لزيارة تفقدية للمنطقة، والوقوف على الوضعية المزرية التي تعيش فيها شريحة من المغاربة لا ذنب لهم سوى أن قدرهم حمل إليهم «مزبلة» مساحتها 27 هكتار ستجثم على أنفاسهم ل 15 سنة في انتظار الخلاص.