بأسلوبه الساخر يضحك على ذقون العادات والسلوكيات البالية في مجمعه بدون أن يفقد صرامة المهندس الكيمائي. إدريس الشرايبي المرح، كانت هي الصورة التي ترسخت في أدهان قرائه. كان حريصا أن يعود لمسقط رأسه، إلى الأرض التي بعثته سفيرا للغرب، والتي رأى فوقها النور وليدفن في ترابها. " ها هي الجنة ألتي كنت أعيش فيها سابقا: البحر والجبل. إنها السعادة بمعنى الكلمة، قبل العلوم وقبل الحضارة والوعي. كم تمنيت العودة إلى هناك، أن تكون أخر أيام عمري في ذلك المكان".
قال إدريس الشرايبي مستجوبا في ظل الاستعمار الفرنسي:" لقد لزمتني عشر سنوات لأذهب إلى أقصى تمردي. أنا، اذهب دائما إلى نهاية المطاف، إذ لا أتنازل عما أومن به".
في أحد استجواباته التلفزية أتذكر كلمة قالها: كم "تمنيت أن اكتب باللغة العربية". كان ذلك دافعا لأفكر في ترجمة هذه الرواية، مع الحرص إلى كتابة تلك الكلمات التي كان سيخطها إدريس الشرايبي لو تكلم بلسان عربي. يحتفي القراء بابن البلد هدا، والدليل أن كتب إدريس الشرايبي تأتي على رأس مبيعات الروايات المكتوبة بالفرنسية في المغرب. عاش متمردا ومات وفيا لتلك المغامرة الكبرى التي جعلت منه فاتحا لبلدان وجغرافيات. أوصلته الكتابة مرتبة لم يصل إليها أصحاب لغة موليير عينهم. ترك الكاتب إرثا أدبيا، وكان الإرث مطبوعا بالحرية وغير مرتبط بعار الولاءات. رواية الحضارة أمي، جاءت للبحث عن الإجابة المقنعة لسؤاله الوجودي حيث يحاول الابن مساعدة أمه للخروج من عزلتها. بدأت تتحرر تدريجيا من خوف زوجها الذي لم يكن شريرا أو مستبدا وإنما كان متشبثا بالتقاليد. تعرفت على محيطها و المجتمع وتصيح بأعلى صوتها في وجه الجميع. أربعة شخصيات رئيسية، الأم، الأخ نجيب، الأب والراوي، في فترة كان فيها البلد تحت وطأة الحماية الفرنسية. فترة رأى فيها الراوي التحولات في مختلف المجالات، كانت أمه بدورها تعيش الفترة، كانت لها حواس وأفكار. المؤثرات المحيطة تركت مفعولها. من طفلة يتيمة خادمة في البيوت إلى زوجة لرجل برجوازي. الرجل البرجوازي كانت هو والد الراوي. بينما كان الزوج غارقا في أعماله بعيدا عن الأسرة، يتدخل الأبناء، ليخرجوا أمهم المحبوسة في الدار مثل جل الأمهات. علموها أن تلبس لباسا عصريا، أخرجوها إلى الأماكن التي لم ترها أبدا والتي كانت جد قريبة منها، رأت كل المدينة ثم كل أرجاء البلاد. في الجزء الثاني من الرواية يتغير الراوي. الابن الصغير ينتقل إلى فرنسا للدراسة، يبقى بقربها ولدها نجيب الذي قاطع الثانوية مبكرا ليتعلم الحياة بطريقة أخرى. بعد الفراق وآلامه المرة، الأم تتعلم القراءة والكتابة، وتتعلم الحياة. بدأت تعرف العالم عبر كل الوسائل، من تلك الوسائل دخل المذياع إلى بيتها، بدأت تتابع ما يجري في العالم. حصلت على الشهادات، وانخرطت في العمل السياسي والاجتماعي. تمردت. كانت تبحث عن حريتها وعن حرية كل النساء. أثناء الحرب العالمية كانت تجوب البلد من اجل توعية النساء. استطاعت أن تسافر طولا وعرضا ثم إلى الخارج لتلتحق بولدها رفقة نجيب. وهكذا اكتشفت عالما غريبا بلا ضمير، كانت الدول الكبرى تستغل قوتها للهيمنة على العالم، و بعدها كانت الحرب العالمية تحصد الأرواح. بعد طول معانات استسلم الزوج لتغيراتها. وندم على حبسها طوال تلك السنين. بدأ يدعمها بماله لكي تقوم بأنشطتها السياسية. كان يستقبل الضيوف والزعماء السياسيين. من أعماله: -الماضي البسيط:1954. -التيوس: 1955. -من كل الآفاق: 1958. -الحشد: 1961. -إرث مفتوح: 1962. -صديق آت لزيارتك: 1967. -الحضارة امي: 1972 -موت في كندا: 1975 -مولد في الفجر: 1986. -ام الربيع: 1995. -رجل الكتاب: 1995. قرأت، رأيت، سمعت: 1998 -المفتش علي والمخابرات : 1995. -تحقيق في البلد: 1999. -العلم التائه: 2001. -العالم جانبا والرجل الآتي من الماضي: 2004.