مع اقتراب كل استحقاق انتخابي تتخذ الدولة إجراءات وتدابير لتحسين أداء الجماعات المحلية وتصحيح أخطائها من خلال وضع ترسانة من القوانين والإجراءات بهدف تقويض هامش هدر المال العام والتلاعب بمصالح المواطنين. و من بين النقط السوداء التي انتبهت إليها سلطات الوصاية واستأثرت باهتمام المشرع وأفرد لها حيزا مهما، مشكل الصفقات العمومية بالجماعات المحلية وذلك في محاولة لمنع تفويتها بطرق مشبوهة لجهات معينة دون غيرها، وهكذا ألزم المشرع الوحدات الترابية باحترام قوانين صارمة في هذا الصدد منها إنجاز دفتر تحملات واضح المعالم ونشر إعلان الصفقات بالجرائد والبوابة الإلكترونية الوطنية والإعلان بشكل صريح عن القيمة التقديرية لإنجاز الدراسة أو المشروع ضمانا لمبدأ تكافؤ الفرص وحتى يتمكن جميع المتنافسين من المشاركة دون قيود.
لكن مع كامل الأسف بقدر ما تبذل الدولة مجهودات جبارة لتصحيح الأوضاع وتقويم كل إعوجاج بالجماعات المحلية، بقدر ما تجتهد لوبيات الفساد والقوى المناهضة للتغيير في ابتكار آليات وطرق جديدة لمقاومة وإجهاض كل محاولة للإصلاح، وإقليمالجديدة الذي يتواجد به العديد من الجماعات الغنية يعد نموذجا صارخا ومرتعا لانتشار لوبيات مصالحية دون حسيب ولا رقيب.
ففي الآونة الأخيرة تعرض الإقليم لهجمة شرسة من طرف مكتب دراسات شهير بعاصمة المملكة وجد المجال خصبا للهيمنة والاستحواذ على أغلب الصفقات الدسمة، وكان أول ظهور له مع فضيحة ما يعرف بالصفقتين رقم 19و20 بالجماعة الحضرية للجديدة، والتي أسالت الكثير من المداد وواكبتها ضجة إعلامية كبرى أرغمت المجلس البلدي للجديدة على التراجع إلى الوراء والاحتفاظ بهذه الصفقات بالرفوف في انتظار المجهول ويجهل إلى حد الآن مصير هذه الصفقات والجهات التي ستستفيد منها.
وبعد فشل مكتب الدراسات المحظوظ في نيل كعكة بلدية الجديدة زحف نحو الضواحي فكان الموعد هذه المرة مع غنيمة دسمة بالجماعة "المليارديرية" مولاي عبد الله التي فاز بها بالدراسة، فيما رست صفقة إنجاز المشروع على مقاولة تربطها علاقة وطيدة بمكتب الدراسات، في واحدة من أضخم الصفقات التي عرفتها جماعة مولاي عبد الله والتي فاقت ميزانيتها الست ملايير سنتيم، ولم تقف أطماع هذا اللوبي المصالحي عند هذا الحد، بل توسعت لتشمل الجماعة القروية المجاورة سيدي عابد حيث استفاد مرة أخرى مكتب الدراسات المحظوظ من صفقة دراسة شبكة الماء الصالح للشرب بثمن 96 مليون سنتيم وصفقة دراسة تهيئة مركز سيدي عابد بثمن 63 مليون سنتيم وهي أثمنة جد باهضة وتفوق بكثير أثمنة السوق، ويكفي فقط مقارنتها بأثمنة تطهير وتهيئة مراكز جماعات سيدي اسماعيل وأولاد غانم وهشتوكة للوقوف على الفرق الشاسع بينها وبين صفقتي جماعة سيدي عابد، والأكيد أن نفس المقاولة التي فازت رفقة مكتب الدراسات المعلوم بصفقة جماعة مولاي عبد الله هي من ستفوز بصفقتي إنجاز المشروع بجماعة سيدي عابد.
لقد آن الأوان ليتم تحديد المسؤوليات ويتم الكشف عن أصحاب الحل والعقد الذين ينجزون دفاتر تحملات على مقاس جهات معينة محظوظة وفضح التواطؤ المكشوف للجهات المعنية بالمصادقة على دفاتر التحملات والتي تضرب في العمق المنافسة الشريفة وتقصي بشكل ممنهج المقاولات الوطنية الشابة، فمن غير المعقول أن يعلن عن فوز نفس مكتب الدراسات ونفس المقاولة دون غيرهما بأغلب الصفقات الدسمة، ليبقى هذا الملف مطروحا على طاولة السيد عامل إقليمالجديدة والجهات الموكول لها مراقبة أوجه صرف مالية الجماعات من مجلس جهوي للحسابات والمجلس الأعلى للحسابات ويتم فتح تحقيق نزيه وشفاف في الطريقة التي يتم بها تفويت الصفقات الدسمة لهذا الثنائي دون غيره.