إن المتتبع لتفاعلات المشهد الثقافي بالزمامرة، على قتامته، يخلص إلى ملاحظات عديدة تثير التقزز والإشمئزاز، بعدما ارتد العمل الجمعوي إلى أرذل العمر، وتغرب في مدينة كانت إلى عهد قريب تعتبر واحة ثقافية بامتياز. فقد تسللت تحت جنح الظلام إلى الممارسة الجمعوية كائنات طفيلية امتهنت العمل الجمعوي ، وتسلطت عليه بحقد دفين وكراهية عمياء لكل ما هو ثقافي جاد ، هادف وبناء، ورصدت لنشر هذه العدوى الأموال، فمنحت بسخاء غير معهود إلى زبانيتها الجمعوية ، وبسطت أمامها " استراتيجية ثقافية " بنكهة لإشاعة التفسخ والميوعة ، فكانت أولى حلقات الاهداف المرسومة محاولة السطوعلى مؤسسة دار الثقافة بالزمامرة ، وتطويع مديرها واستعباده، وتحويل هذه المعلمة الثقافية الشامخة إلى ضيعة خاصة . لكن يقظة مدير المؤسسة وتفطن الفاعلين الجمعويين ، والنخبة المثقفة بالمدينة أفشلت خارطة الطريق هذه ، وأعادت الأمورإلى نصابها ، فما كان من القائمين على تسيير الشأن المحلي بالزمامرة إلا أن اهتدوا إلى سياسة أرادوا لها أن تأتي على الاخضر واليابس من خلال وقف تزويد دار الثقافة بشبكة الماء ، وهي الوضعية التي مازالت قائمة حتى حدود كتابة هذه السطور. فكانت أولى فصول استعداء الثقافة والمثقفين ، انتهاج "سياسة العطش" هذه التي أبان المجلس المسير من خلالها عن رؤيته "الأصيلة والمعاصرة" في التعاطي مع الشأن الثقافي بالمدينة.
ويتواصل مسلسل أفول نجم الفعل الثقافي بالمدينة بحدوث النكسة التي أبان من خلالها المجلس الحضري للزمامرة بوأده للمهرجان الثقافي ، مع سبق الإصرار والترصد ، والذي كان قد قطع أشواطا كبرى في البناءالثقافي الجاد والبناء بالمدينة.ولأن الموسم الثقافي كان الرئة الثقافية اليتيمة التي تتنفس منها المدينة، حيث كان مناسبة لنشروترسيخ قيم المواطنة والوعي وتثقيف الساكنة وتأطير الشباب، وبناء أجيال غيورة على الممارسة الثقافية ، فإن هذا الوضع كان يقض مضجع من يعتبرون الأمية والجهل مطيتهم للوصول إلى الأرائك الوثيرة ، وركوب السيارات الفارهة ، فكان التفكير في نبذ كل ما من شأنه أن يبني الفكر ويقوم السلوكات . وبوأدهم للمهرجان الثقافي وتشييع جنازته إلى مثواها الاخير، ومعاداة الثقافة والمثقفين ، ومحاصرتهم بكل الوسائل، وزرع الشك واليأس في نفوس من ما زال بهم هوس أو رمق بجدوى الثقافة في بناء المجتمعات السليمة والقويمة.ولتحقيق هذه الأهداف، جيش المجلس الحضري للزمامرة جيشا عرمرما من المريدين والأتباع، لينخرطوا في تهافت محموم لتأسيس جمعيات صورية أغدقت عليها منحا سخية من المال العام . واليوم أجدني مضطرا لأهمس في أذن مسيري المجلس الحضري ، رغم اختلافي العميق معهم ،بدافع غيرة حقيقية لأؤكد لهم حقيقة مفادها أنه مهما علا العمران ، ونازع الجبال سموقها ، ومهما طليت أزقة المدينة بالمساحيق ، ومهما هيئت الساحات الخضراء، فإن ثقافة " ممارسة فن الإبهار" لن تؤتي أكلها في غياب الإستثمار الحقيقي في العنصر البشري عبر تلقينه الأسس الثقافية والتكوينية لبناء مواطن مغربي يتماهى مع محيطه ، ويغار عليه إلى درجة الحلول فيه ، فيتوحد الإثنان في واحد. فهل ينتهي زمن " النكافات" في عهد نعيش فيه فصول الربيع العربي ؟ وهل يعود المجلس الحضري إلى رشده ؟ وهل آن الأوان لإخضاع مالية الجمعيات الممنوحة للإفتحاص ؟