ناقش الباحث محمد الكيتوف، يوم أمس السبت 8 أكتوبر، أطروحته لنيل الدكتوراه في القانون العام والعلوم السياسية بكلية الحقوق بمراكش، في موضوع:" السياسات العمومية الترابية بالمغرب: نحو رؤية جديدة لتدبير المجال"، وذلك أمام لجنة علمية تضم كل من الدكتور ادريس الكريني رئيسا ومقررا، الدكتور محمد بنطلحة مشرفا وعضوا، الدكتور البشير المتقي عضوا ومقررا، الدكتورة جميلة العماري عضوا، الدكتور الحبيب الستاتي عضوا والدكتور محمد المساعدي عضوا. استهلت مداخلات أعضاء لجنة المناقشة بكلمة افتتاحية للدكتور محمد بنطلحة الدكالي استعرض فيها سياق اقتراحه موضوع السياسات العمومية الترابية في المغرب ضمن مواضيع أطاريح الدكتوراه ضمن مختبر الدراسات السياسية الدستورية وتحليل الأزمات والسياسات، انطلاقا من الرغبة في التأسيس لجيل جديد من الأبحاث الأكاديمية التي تبحث في قضايا المجال والتنمية الترابية في ظل تبني بلادنا لخيار الجهوية المتقدمة، وأنه رغم حجم الاكراهات التي واجهت الباحث في اعداده لأطروحته في علاقتها بطبيعة وظيفته المهنية، فإن ذلك لم يمنع المؤطر من الانتصار للأخلاق العلمية والاكاديمية المعمول بها صونا لحرمة البحث العلمي ولسمعة جامعة القاضي عياض وأساتذتها. مشيرا الى أن المترشح أجازته لجنة المناقشة منذ سنة الا أنه رغم هذا المعطى ظل متمسكا بضرورة تجويد العمل أكثر، وأن العمل البحثي مهما كانت قيمته يبقى بشريا بالطبع ولا يمكنه قطعا الوصول الى السدرة المنتهى. وعقب ذلك تناول الدكتور ادريس الكريني الكلمة بصفته رئيسا للجنة المناقشة ومديرا لمختبر الدراسات الدستورية وتحليل الأزمات والسياسات، معضدا مضامين كلمة الدكتور بنطلحة ومشيدا بنوعية الرعاية العلمية التي يخص بها هذا الأخير طلبته وعموم الباحثين داخل الجامعة وخارجها، لتعطى الكلمة للمترشح والتي بسط فيها أهمية الدراسة من منطلق محاولتها بسط التطور الذي شهده التنظيم الترابي المغربي والحاجة لإبراز الادوار التي تلعبها الجماعات الترابية في ظل التعددية الديموقراطية التي اختارتها بلادنا. ليصل الى التأسيس الاشكالي لأطروحته والتي ترتبط بكيفية الرقي بالمكانيزمات والاشكال التدبيرية بما يجعل من الجماعات الترابية فاعلا في التنمية الترابية انطلاقا من التساؤل الاشكالي الآتي: كيف يمكن للاصلاحات الدستورية والمؤسساتية ما بعد 2011 وما خول للجماعات الترابية من اختصاصات التأسيس لسياسات عمومية ترابية وفاعلة تزيد من هامش القدرة والفعل للاضطلاع بالأدوار المنوطة بها؟". معتمدا في مقاربته لهذا الموضوع المقتربين السلوكي والنسقي الذي يبحث في التفاعلات النظمية من جهة والمقترب البنيوي الوظيفي الى جانب مقاربات نظرية أخرى استلزمها طبيعة الموضوع وطبيعته الاشكالية، وتقسيمه للعمل في خطته البحثية الى المرجعيات الاساسية للسياسات العمومية الترابية كقسم أول والقسم الثاني الجماعات الترابية وتدبير السياسات العمومية نظام الرقابة ومتطلبات الملاءمة. كما بسط الباحث الكيتوف والذي يشغل في الآن ذاته قائدا ممتازا بقيادة سعادة بعمالة مراكش أهم خلاصاته البحثية والتي أوسمها بالمقترحات ومنها على سبيل الذكر لا الحصر: الحاجة للحد من التسييس المفرط للسياسات العمومية الترابية والقطع التام مع التدخل للفاعل السياسي في التدبير الإداري للجماعات الترابية. ضرورة إعادة صياغة سياسة عمومية ترابية من خلال الدفع بمختلف الفاعلين الى المساهمة في تحريك النشاط الاقتصادي المحلي، واعتماد سياسة تسويقية للمجال الترابي قائمة على منظومة استراتيجية محكمة المبادئ والمرتكزات بين القانون والممارسة، الحكامة الترابية الجيدة هي الأسلوب القادر على وضع الأولويات السياسية والاجتماعية والاقتصادية، قصد تحقيق تنمية شاملة تلبية لاحتياجات المواطن على مستوى المحلي وخدمة لمصالحه، دعم الاستقلال الإداري والمالي للجماعات الترابية والمحاسبة والمساءلة المرتبطة بالتفتيش والمواكبة هي السبل الكفيلة بخلق أقطاب للتنمية الاقتصادية الترابية، الحرص على اعداد مخططات للتنمية الجماعية توازن بين الموارد المتاحة والنفقات والأهداف المتوقع بلوغها، مما يفرض خضوع المشروع لكل مراحل التخطيط الاستراتيجي ابتداء من التشخيص وانتهاء بتطبيق المشروع يما يمكن من تقييم نتائجه على المدى القريب والمتوسط والبعيد. ان تحقيق اللامركزية الترابية والحكامة المحلية، وفي ظلها رقابة ومراقبة فعالة رهين بقدرة النخب المحلية على إدارة شؤون الجماعة الترابية بجودة ونجاعة وفعالية، وهذا يشكل رهانا على استيعاب مضامين وأسس اللامركزية الترابية الإدارية، وهو الأمر الذي يتوقف على النشج السياسي للنخب المحلية. ان اصلاح الجماعات الترابية لا يمكن اختزاله بإصدار نصوص قانونية متطورة على القوانين السابقة، ولا بوجود هياكل إدارية واختصاصات متنوعة، بل الأمر يقتضي أساسا رؤية شمولية ذات أهداف دقيقة وأبعاد استراتيجية. فالتدبير يجب أن يكون هيكليا يعيد النظر في طريقة توزيع السلطة والثروة وفي آليات توزيع النخبة المحلية، وينظم العلاقة بين المركز وبين الجماعات الترابية، مقترب الجهوية المتقدمة مدخلا للحكامة الجيدة من أجل تنزيل مقتضيات هذه الأخيرة على أرض الواقع، وذلك من خلال السير على روح المرتكزات الدستورية والقانونية الجديدة بتنزيلها والسهر على تطبيقها وتطويرها وتعميمها باعتبارها ثقافة مؤسسية متطورة. وقد تميزت أطوار مناقشة هذه الأطروحة بتفاعل أعضاء اللجنة مع العمل البحثي للمترشح بإبداء مكامن القوة انطلاقا من الجرأة في الطرح العلمي في بعض المستويات البحثية والاتساق الذي ميز الاشكالية وعنونة فقرات ومطالب ومباحث وفصول هذا العمل وقوته اللغوية والقانونية، خاصة وأن الباحث خص عمله بتدقيق لغوي وبتغليب المقترب المعياري في عمله وهي الملاحظة التي قال بها أغلب أعضاء لجنة المناقشة، دون أن يعني ذلك وجود ملاحظات تعهد الباحث في مداخلته التفاعلية بأخذها بعين الاعتبار عند تعديله النهائي للعمل. وبعد المداولة والتشاور بين أعضاء اللجنة قررت هذه الأخيرة في قرارها الذي تلاه الدكتور ادريس الكريني قبول الأطروحة بميزة مشرف جد مع تنويه أعضاء اللجنة. ليسدل الستار عن هذا العرس البحثي الذي يبقى بداية للعمل العلمي لكل باحث بفتح آفاق جديدة وقلاقل معرفية أعمق.