يعتبر موضوع النخب المحلية ودورها في تنزيل أوراش التنمية الترابية، من بين القضايا المحورية التي أخذت حيزا كبيرا في النقاش العمومي ولاسيما مع تنزيل الجهوية المتقدمة، وإعمال النموذج التنموي الجديد، على اعتبار المنتخب المحلي في صلب عمليات التنمية المحلية، والحديث عن قضية دور النخب المحلية بالمغرب يفترض تحليل تدخلات المنتخب المحلي خصوصا في عمليات التنمية ولاسيما تفعيل السياسات العمومية الترابية، وهو الأمر الذي عالجته الباحثة إيمان بن مالك في أطروحتها المتسمة بعنوان : "دور المنتخب في تفعيل السياسات العمومية الترابية" أطروحة قاربت الموضوع من زاوية دراسة سوسيو قانونية، وقد نوقشت بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية طنجة يوم 11 دجنبر 2021 من لجنة مركبة من الدكتور علي الحنودي مشرفا ومن السادة: الدكتور محمد العمراني بوخبزة، أستاذ التعليم العالي بكلية الحقوق طنجة – رئيسا الدكتور علي الحنودي ، أستاذ التعليم العام بكلية الحقوق تطوان……..- عضوا ومشرفا الدكتور عبد العالي بلياس أستاذ التعليم العالي بكلية الحقوق بالرباط …- عضوا الدكتور عبد الكبير يحيا أستاذ مؤهل بكلية الحقوق طنجة ……………- عضوا الدكتور ابراهيم المراكشي أستاذ مؤهل بكلية الحقوق طنجة …………- عضوا بداية افتتح الدكتور بوخبزة بصفته رئيس لجنة المناقشة أشغال هذا اللقاء العلمي، حيث رحب بجميع أعضاء لجنة المناقشة، ونوه بأهمية موضوع الأطروحة، بعدها مباشرة أعطى الكلمة للطالبة الباحثة لتقدم تقريرا حول مشروع أطروحتها. وقد بدأت الباحثة تقريرها بتقديم أهمية البحث والإطار العام للدراسة وإبراز إشكالية الموضوع ومنهجية تحليله قبل أن يصل إلى الخلاصات والاستنتاجات . إن التغيرات الدولية وما صاحبها من انفتاح غير مسبوق شهده العالم والذي يجد أبرز تجلياته في ظاهرة العولمة، أرغمت جميع الكيانات الانخراط في هذا الانفتاح سواء كانت دولا أو منظمات، وقد ساهمت في تحول نوعي في وظيفة الدولة الوطنية، إذ تحولت إلى دولة ترابية، تجعل من التراب حلقة وصل في معادلة التنمية المندمجة، فالجماعات الترابية بدورها لم تبق بمنأى عن هذه التغيرات والتحولات، بل انضمت إليها وواكبتها، خصوصا في ظل ما أصبح يصطلح عليه ب "عولمة المحلي". وهو الأمر الذي لا يتم إلا بانخراط النخب السياسية بشكل عام، والنخبة المحلية على وجه الخصوص، وتحملها للمسؤولية كاملة، وإدراكها التام لما تواجهه عملية التنمية من تحديات ورهانات. وفي هذا الصدد، طرحت ولازالت تطرح وبقوة إشكالية تجديد وتأهيل النخب، وأن أي إصلاح رهين بتأهيل الفاعلين والهيئات، وتحمل مسؤولياتها في تدبير الشأن العام. إن اللامركزية لم تكن هدفا في حد ذاتها، إنما هي فلسفة عامة وأداة تنموية ناجعة؛ تمكن السكان المحليين من تدبير شؤونهم بشكل ديمقراطي ومستقل عن السلطة المركزية، عبر مساهمتهم في التخطيط والتوجيه ووضع الاستراتيجيات، وكذا المشاركة في صنع القرار المحلي، وذلك من خلال "ديمقراطية القرب" و "المقاربة التشاركية" وهو ما نلاحظه في إعمال توزيع الاختصاص بين الدولة والفاعل الترابي، إذ لا يمكن تحقيق سياسات عمومية ترابية فعلية وناجعة إلا إذا تم تقاسم الاختصاصات والصلاحيات بين المركز والهيئات اللامركزية، من خلال توسيع المهام التنموية للجماعات الترابية بناء على مبدأ التفريع، وذلك باختصاصات مزدوجة، واختصاصات ذاتية، واختصاصات منقولة لها من الدولة، وأخرى تتشارك فيها مع الدولة. إن الاختصاص الممنوح للجماعات الترابية جد مهم من حيث تحقيق التنمية وترسيخ الديمقراطية المحلية، وأن المنتخب المحلي له القدرة على ضمان تحقيق الاتصال الأفقي والعمودي مقارنة بالسلطة المركزية، كما أن إشراكه في تحقيق هذه السياسات من شأنه إضفاء الشرعية والاستقرار على النظام السياسي للدولة. يستمد هذا الموضوع خصوصيته كونه جعل جميع مستويات الجماعات الترابية حقلا لإعداد السياسات العمومية وتنفيذها، وإطارا لمشاركة المواطنين والمواطنات في تدبير شؤونهم الترابية، فالهدف من خلق الإطار القانوني للإدارات المركزية وخلق الجماعات الترابية كان دائما يركز على عنصر التمثيلية التي تمارسها المجالس المنبثقة عن الانتخابات وهي الوسيلة الوحيدة المتاحة لخدمة المصالح الجماعية، فالرهان الكبير هو تحقيق التنمية في مختلف أبعادها الاقتصادية والاجتماعية والثقافية. وقد أبرزت الباحثة كون اختيار دراسة هذا الموضوع لم يكن اعتباطيا أو وليد الصدفة، بل كان مرتبطا بأسباب ودوافع ذاتية وأخرى موضوعية تتمثل في اهتمامها الخاص كباحثة في قضايا النخب السياسية والشأن المحلي، حيث احتل رهان الجهوية مكانة هامة وورشا مركزيا بالنسبة للمؤسسة الملكية في عهدها الجديد. وكذا بحكم الرغبة القوية في مزيد من التعمق والاطلاع على دور النخب وتأثيرها في النسق السياسي وصناعة وتوجيه القرارات العامة للدولة، ولاسيما التدخلات العمومية على المستوى الترابي، ثم الاستفادة من التراكمات النظرية والعلمية في الموضوع. ثم تزايد الاهتمام الوطني بمسألة السياسات العمومية الترابية، ورصد دور المنتخب المحلي في التنمية، حيث تعتبر مسألة التنمية من القضايا التي تحاول الدولة تكريسها عبر تدخل جميع المستويات الترابية والوطنية ومن طرف مختلف الفاعلين، وهو الأمر الذي يدفع بالباحث إلى محاولة تحليل ودراسة دور النخبة المحلية في وضع التصورات التنموية على المستوى الترابي وتنزيلها. وكذلك فهم الدور الأساسي للجماعات الترابية في تفعيل السياسات العمومية وتقييمها بالموازاة مع الجهوية المتقدمة ومشروع النموذج التنموي الجديد. كما أبرزت الباحثة أهمية هذا الموضوع باعتباره يستقطب اهتماما متزايدا، حيث تكتسي هذه الدراسة أهمية بالغة لاعتبارات شتى نخص منها بالذكر ما يلي: * أن حقل السياسات العمومية يشكل واحدا من الحقول البحثية الحديثة، فهي تعتبر مشروعا عاما يضعه النظام السائد في مجتمع ما وينفذه استنادا إلى الأجهزة الموضوعة رهن تصرفه، مما يجعل منها عملية تتميز بالتنوع والشمول وطول وتعقيد مسار إنجازها، خاصة بعد اعتماد دستور 2011، وبهدف المساهمة في إغناء المعرفة السياسية في المغرب، وتجاوز الضعف الحاصل على مستوى الدراسات التي تناولت السياسات العمومية خاصة في ظل السياق الترابي الجديد الذي دشن مرحلة جديدة أبرز معالمها بداية انتقال مجال الثقل النخبوي والسياسي والاجتماعي من الدوائر المركزية إلى الدوائر الجهوية، حيث أصبحت مسألة تخويل إمكانية التعبير عن الحاجيات وتسطير الأهداف والبرامج للمنتخب المحلي أمرا أساسيا لتحقيق التنمية الشاملة، حيث يعتبر المحرك الأساسي لعملية صنع وتنفيذ السياسات العمومية الترابية وإشراكه في صنع هذه السياسات يعتبر ضروريا. * ثم من أجل المساهمة في تكوين معرفة علمية حول طبيعة النخبة موضوع الدراسة وعلاقتها بالتجربة الجهوية وتموقعها وسط هذه المرحلة الجديدة بجهة طنجةتطوانالحسيمة، وكذلك مساهمة هذه النخب في تفعيل السياسات العمومية الترابية من خلال تنفيذ برامج التنمية على المستوى الجهوي وكذا المحلي. وقد حددت الباحثة إشكالية الأطروحة كونها تكمن في تحليل وتقييم دور المنتخب المحلي في بلورة وتنزيل السياسات العمومية الترابية، على اعتبار أن المستويات الترابية محل تفاعل مختلف المتدخلين في الشأن العام وإطارا لتنزيل السياسات العمومية الوطنية والمحلية، ولاسيما أمام وجود علاقة تفاعلية بين المستويين المركزي والترابي. ومن خلال هذه الإشكالية الرئيسية للدراسة تم طرح مجموعة من التساؤلات التي من شأنها أن تؤطر مسار هذه الأطروحة، وهي: * ما هو الإطار القانوني الذي يؤطر العلاقة ما بين الدولة وباقي المستويات الترابية في مختلف المجالات التي ترتبط بتدبير الشأن العام الترابي، ولاسيما بخصوص السياسات العمومية؟ * ما هو نطاق تدخل المنتخب المحلي في تصور وبلورة السياسات العمومية الترابية؟ * ماهي مراحل إعداد وتنفيذ السياسات العمومية الترابية وهل تتوفر الجماعات الترابية على الوسائل والآليات لتنفيذ مخططاتها؟ * ما هي سبل تطوير أداء وفعالية دور المنتخب في إعداد السياسات العمومية الترابية؟ * هل نجاح استراتيجية برامج التنمية سواء الجهوي أو الإقليمي رهين بتتبع الحاجيات وطبيعة التقييم وحجم المشاريع والفئات المستهدفة؟ * إلى أي حد تساهم المخططات الترابية في الحد من الاختلالات المجالية؟ * إلى أي حد تتمفصل السياسات العمومية الوطنية مع السياسات العمومية الترابية؟ * ما هي المعيقات التي تعترض المنتخب المحلي في تفعيل هذه السياسات العمومية الترابية؟ هذا وقد بنيت الدراسة على عدة فرضيات أهمها : * إن المنتخب المحلي لديه الإمكانيات المادية والقانونية لممارسة دوره في وضع التصورات المناسبة للسياسات العمومية الترابية وفق رؤية استشرافية بناء على آلية التخطيط. * إن تدخل المنتخب المحلي في تصور وبلورة السياسات العمومية الترابية تكون في نطاق شمولي مندمج دون أن يضمن بشكل واضح التقائية التدخلات العمومية وتمفصلات المستويين المحلي والوطني. * وجود عدة مفارقات بين وضع التصورات بشأن السياسات العمومية الترابية وتنزيلها على أرض الواقع. * أن النخبة المحلية تفتقد إلى الخبرة اللازمة على مستوى التخطيط الاستشرافي لتنمية المجال الترابي، وبالتالي القول بضعف النخب المحلية لمواكبة التحديات التنموية محليا. وبخصوص الأدوات المنهجية المعتمدة وظفت الباحثة مناهج بحث تحليلية ومقاربات تفسيرية وتقنيات فرضتها طبيعة الموضوع، حيث اقتضت هذه الدراسة استعمال مناهج وتقنيات البحث التالية: * المنهج الوظيفي: إن الارتكاز على المنهج الوظيفي، من شأنه أن يقود إلى الكشف عن المتغيرات الوظيفية للمنتخب المحلي ودوره في تدبير عمليات التنمية وصنع السياسات الترابية، كما يهدف هذا المنهج إلى إبراز مظاهر الخلل في البناء الوظيفي لدور هذه النخبة على اعتبارها إطارا أساسيا للتنمية، وإبراز تفاعلات النخبة المحلية في النظام السياسي والإداري المغربي، وتوضيح مظاهر التأثير والتأثر ما بين هذه النخبة والسلطة والمجتمع انطلاقا من دورها الوظيفي على المستوى الترابي. فالمنهج الوظيفي يمكن من رصد وظيفة المنتخب المحلي وتدخلاته في صنع السياسات الترابية، والتي تتمثل في البرمجة التخطيط والتنظيم والإشراف والتنسيق والاتصال والمراقبة والتتبع، على اعتبار أن المنهج الوظيفي يمكن من معرفة طريقة اشتغال كل المتدخلين في رسم السياسات العمومية الترابية سواء الجماعات الترابية أو المصالح اللاممركزة، المجتمع المدني، والقطاع الخاص في إطار التنسيق والالتقائية في تنفيذ البرامج. دراسة حالة تطبيقية: لقد مكننا إدراج حالات تطبيقية عملية لبرامج التنمية، خاصة برنامج التنمية الجهوية لجهة طنجةتطوانالحسيمة، وبرنامج عمل الإقليم لعمالة إقليمتطوان من الوقوف على تمثلات النخبة المحلية في صنع وتنزيل السياسات العمومية الترابية، حيث تم تجميع جميع البيانات المدرجة في البرامج والمخططات عن المجتمع المحلي والمونوغرافية المحلية مما مكننا من تجميع وتحديد الإشكالات موضوع الدراسة وتحديد المجال موضوع البحث بطريقة مقربة. وبناء على ما سبق، فقد تناولت الطالبة الباحثة معالجة موضوع هذه الأطروحة من خلال محوريين رئيسيين: حيث خُصِّص القسم الأول: لدراسة النخب وآليات إنتاجها في النسق السياسي المغربي من خلال تحديد ماهيتها ونشأتها والدراسات التي تناولتها، مع تحديد أنماط تشكيل هذه النخب والآليات الحديثة التي اعتمدها المشرع لتدبير الشأن العام المحلي، أما القسم الثاني: فقد تناول رهانات المنتخب المحلي في وضع وتنزيل السياسات العمومية وحكامة الأجرأة والتفعيل في إطار توسيع اختصاصات رؤساء الجماعات الترابية في ضوء المقاربة القانونية، وتقييم مسألة أجرأة وتنزيل السياسات العمومية الترابية ومحاولة تحليل مدى نجاعة الآليات المادية والتخطيطية لدى المنتخب المحلي في وضع التصورات والمخططات التنموية وتنفيذها، بالإضافة إلى دراسة حالة تطبيقية تتعلق بالمنتخب المحلي لجهة طنجةتطوانالحسيمة ومحاولة تقييم مدى نجاعة تدخلاته على المستوى الترابي من أجل تحقيق تنمية مجالية مندمجة. وأخيرا، أسفر تحليل موضوع هذه الأطروحة، الكشف عن عدة نتائج وخلاصات تؤكد مدى صحة الفرضيات التي ارتكزت عليها هذه الدراسة، أهمها: * إن دور المنتخب في تفعيل السياسات العمومية الترابية، دور جوهري ورئيسي لما يتوفر عليه قانونا من وسائل مادية ومالية لممارسة اختصاصاته ولتحقيق التنمية الشاملة، وأن المنتخب المحلي يعتبر المحرك الأساسي لعملية إعداد ووضع التصورات والمخططات وتنزيل السياسات العمومية، باعتباره المسؤول سياسا عن البرامج التنموية للدولة على المستوى الترابي هذا القرار المحلي الذي يتم بلورته من خلال تضمينه في المخططات والبرامج التنموية . * إن تدبير السياسات العمومية الترابية بطريقة ناجعة تتوقف على الفاعل الترابي وما يتوفر عليه من كفاءة معرفية ومهارات تدبيرية، وإن إشراكه في تدبير الفعل العمومي يساهم في إرساء دعائم الديمقراطية المحلية وتحقيق التنمية، حيث أصبحت مسألة تشاركية متمفصلة بين المستوى المركزي -الوطني وبين المستوى المحلي -الترابي. * بالرغم ما خوله المشرع من صلاحيات للمنتخب الجماعي إلا أنه مازال يعاني من جملة من المعيقات والإكراهات التي تتنوع بين إكراهات قانونية وأخرى تتعلق بضعف تكوين المنتخب وعدم قدرته على فهم واستيعاب النصوص القانونية المنظمة لاختصاصاته، وضعف إلمامه بآليات التخطيط والتنشيط الاقتصادي مما يشكل عائقا أمام تحقيق السياسات العمومية على المستوى المحلي. فلا يمكن الحديث عن مساهمة فعلية للمنتخب الجماعي في رسم السياسات العمومية الترابية في ظل هذه الإكراهات، لأن إصدار النصوص القانونية التي تؤطر دوره يتطلب ذلك التحقيق الفعلي لهذا الدور. فنجاح السياسات الترابية رهين بالرفع من مستوى تأهيل المنتخب المحلي والرفع من قدراته التحليلية والتكوينية وإنجاز البرامج التنموية على مقاربة تشاركية مع جميع الفاعلين سواء المحليين الوطنيين او الدوليين في إطار الانفتاح على الأخر وربط سبل التعاون والشراكة من أجل تحقيق البعد التنموي للبلاد. وأخيرا، رغم الإشادة بهذه الأطروحة، لم يفت السادة الأساتذة أعضاء اللجنة التأكيد على أن هذا العمل لم يكن يخلو من ملاحظات شكلا وموضوعا، يقتضي على الباحثة أخذها بعين الاعتبار من أجل تجويد وتحسين القيمة العلمية لهذه الأطروحة. وبعد المداولة قررت اللجنة قبول الأطروحة المذكورة أعلاه، ومنح الطالبة الباحثة إيمان بن مالك شهادة الدكتوراه في الحقوق بميزة مشرف جدا.