مازال الغموض يكتنف ظروف وملابسات ودوافع ودواعي اقتحام القوة العمومية، ممثلة في الأمن الوطنة، قاعة المؤتمرات التي احتضنت المؤتمر العام الاستثنائي لنقابة الاتحاد العام للشغالين بالمغرب، التابعة لحزب الاستقلال. هذا، وحرصا على تنوير الرأي العام والمتتبعين للشأن العام والشأن النقابي والحزبي، كان للجريدة بحث ميداني، واستجمعت ما يكفي من وقائع ومستندات ووثائق، تكشف بالواضح والملموس، بعيدا عن المغالطات والمزايدات، عن حقيقة ما جرى. البداية كانت بالأمر الذي أصدره، الجمعة 19 ماي 2017، الأستاذ رشيد نبيه، نيابة عن رئيس المحكمة الابتدائية بسلا، بصفته قاضيا للمستعجلات، في الملف المعروض على أنظاره، بين الاتحاد العام للشغالين بالمغرب، في شخص ممثله القانوني، الكاتب العام، النعم ميارة، وعبد الإله السيبة وسلامة العروسي، العضوين بالمكتب التنفيذي للاتحاد العام للشغالين بالمغرب، بصفتهم مدعين، وبين محمد كافي الشراط، واللجنة التحضيرية للمؤتمر العام الاستثنائي للاتحاد العام للشغالين بالمغرب، بصفتهما مدعى عليهما. الأمر القضائي الصادر في الدعوى الاستعجالية، قضى، استنادا إلى المقال الافتتاحي، والوقائع والحيثيات، وتعليله من الوجهتين الواقعية والقانونية، بالتصريح علنيا، ابتدائيا وحضوريا، بالنسبة للمدعين، وغيابيا، بالنسبة للمدعى عليهما، في الشكل، بقبول الطلب، وفي الموضوع، الأمر بإيقاف انعقاد المؤتمر العام الاستثنائي للاتحاد العام للشغالين بالمغرب، المزمع انعقاده، الأحد 21 ماي 2017، ابتداء من الساعة التاسعة صباحا، بالقاعة المغطاة "فتح الله البوعزاوي" بسلا، إلى حين البث في النزاع المعروض على قضاء الموضوع، بصفة نهائية، في موضوع دعوتين قضائيتين، مع شمول الأمر بالنفاذ المعجل بقوة القانون، وبتحميل الطرف المدعى عليه الصائر. هذا، واستنادا إلى الأمر القضائي، الصادر عن قضاء المستعجلات، وجه خالد أزهر، المفوض القضائي لدى المحكمة الابتدائية بسلا، إلى وكيل الملك بابتدائية سلا، طلبا مؤرخا في: 20 ماي 2017، في موضوع "تسخير القوة العمومية"، أرفقه بصورة من النسخة التنفيذية، وصورة من طلب التنفيذ، وصورة من الإذن بالتنفيذ خارج أوقات العمل. والتمس، بناءا على المادة 17 من القانون رقم: 81/03، الصادر بتاريخ: 14 فبراير 2006، المتعلق بتنظيم مهنة المفوضين القضائيين، الإذن له بتسخير القوة العمومية، من أجل مؤازرتهم في الموعد المحدد، لتنفيذ الملف المرجعي، وهو يوم الأحد 21 ماي 2017، الذي سينعقد فيه المؤتمر العام الاستثنائي للاتحاد العام للشغالين بالمغرب، بالقاعة المغطاة "فتح الله البوعزاوي" بسلا، ابتداء من الساعة الثامنة صباحا، وذلك من أجل توفير الحماية لهم، وكذلك، ضمان سير إجراءات التنفيذ، في ظروف أمنية جيدة. كما التمس المفوض القضائي في طلبه، من ممثل النيابة العامة، تمديد نطاق مؤازرتهم إلى مدينة الرباط، في حالة إذا تم نقل المؤتمر من العنوان المقرر عقده به بمدينة سلا، إلى مقر آخر بمدينة الرباط. وبناءا على الطلب المرجعي، وجه وكيل الملك لدى ابتدائية سلا، بتاريخ: 20 ماي 2017، كتابا إلى رئيس المنطقة الأمنية بسلا، راجيا منه توفير منه المؤازرة الأمنية اللازمة، للمفوض القضائي، تنفيذا للأمر الاستعجالي، الصادر عن قضاء المستعجلات بابتدائية سلا. وعليه، وكما يتضح جليا، فإن جميع الإجراءات القانونية قد تم اتباعها من قبل من له الصفة والمصلحة، من أجل تنفيذ الأمر القضائي بإيقاف انعقاد المؤتمر العام الاستثنائي للاتحاد العام للشغالين بالمغرب. إجراءات سهر على تفعيلها المفوض القانوني، طبقا للقوانين الجاري بها العمل، لدى السلطات القضائية والأمنية. حيث أمرت النيابة العامة المختصة بتسخير القوة العمومية، ممثلة في الأمن الوطني، من أجل تنفيد الأمر الصادر في الدعوى الاستعجالية. ومن ثمة، فإن تدخل الشرطة كان قانونيا وسليما، وميررا من الوجهتين القانونية والواقعية، ولم يشبه أي خرق أو شطط في استعمال السلطة والقانون. إلى ذلك، وجب استحضار الملاحظات التالية، حول خلفيات وملابسات تنفيذ الأمر القضائي، الصادر في الدعوى الاستعجالية المرجعية: أولا: لقد كان شباط "القانوني"، يعي جيدا أن هناك حكما استعجاليا، صدر عن ابتدائية سلا لفائدة خصومه النقابيين، وكان يدرك جيدا أن نطاق الانطباق هو القاعة المغطاة "فتح الله البوعزاوي" بمدينة سلا، لذلك كان هناك "اختيار" بصيغة المناورة، لإقامة النشاط النقابي بمدينة الرباط ! ألا يمكن اعتبار هذا "الاختيار" التفافا حول تنفيذ حكم قضائي ؟ وهل اعتبار السياسة، فن الممكن وغير الممكن، تتيح إعمال مثل هذه المناورات حول مشروعية حكم قضائي، صادر باسم جلالة الملك ؟ ثانيا: إن موضوع تسخير القوة العمومية لتنفيذ الحكم القضائي الذي يتظلم منه، اليوم، شباط "القانوني"، هو أسلوب متعارف عليه في جميع التشريعات المقارنة، وتطالب به جميع القيادات الحزبية والسياسية، عندما ترأس مجالس جماعية أو بلدية، لتنفيذ أحكام تحصيل الضرائب الجماعية، واحتلال الملك العمومي... (على سبيل المثال، الجماعة الحضرية لفاس، والتي كان شباط يرأسها لسنوات)، وبالتالي، لماذا نرفض تنفيذ والامتثال لما كنّا نطالب به بالأمس.. أو، بنظرة براغماتية، بين الأمس واليوم، تختلف مراكزنا القانونية، فنتنصل من تطبيق القانون ! ثالثا: إن تسخير القوة العمومية هو التزام ومقتضى قانوني، وبالتالي، كان حريا بشباط، من موقعه كسياسي وبرلماني، أن يطالب السلطة التشريعية بإعادة النظر في هذا المقتضى، من منظور سلطة التشريع، لا بسلطة الشارع والقوة ! رابعا: لماذا ليس هناك فاصل بين النقابي والسياسي ؟ ولماذا هناك إصرار على الجمع بين الدعوي والحزبي؟ وبين الناطق بلسان حال الحزب والسياسة ؟ ومرد هذا الحديث أن ثمة دائما انسيابا سلسا من النقابة إلى السياسة، والعكس صحيح ! مع العلم أن هناك فارقا واضحا في القانون المنظم للأحزاب والنقابات، وهناك مساحة ضوئية بين القانون التأسيسي للحزب، وتلك المتعلقة بالنقابة ! ولكن "ما دمت في المغرب، فلا تستغرب !". خامسا: وهذا هو الأهم. فهناك حكم قضائي استعجالي، صادر عن رئيس المحكمة الابتدائية بسلا، في إطار الفصل 149 من قانون المسطرة المدنية، يقضي بمنع النشاط النقابي تحفظيا ومؤقتا، إلى حين البث في جوهر وموضوع الدعوى أمام القضاء. فكان من الأفضل أن يحترم شباط هذا الحكم بضعة أيام، أو أن يطعن فيه، ويجنب السلطات العمومية التدخل في نشاط نقابي، ويجنب المغرب مسا بصورته أمام العالم !!