ما حدث في تونس ومن بعدها مصر ومن بعدها ... خارج كل التوقعات والتحليلات والتصورات،ولم تشفع لأمريكا وإسرائيل كل أجهزتهم المخابراتية والاستخبارية وعسس ومخابرات ومخبري الأنظمة المرتبطة بها ومراكز أبحاثهم واستطلاعاتهم،بأن هذه الانتفاضات والثورات الشعبية التي حدثت بشكل عفوي،ستكون بهذا الحجم والشمولية ودرجة الغليان والاحتقان غير المسبوقة،فهي راهنت على أن شدة القمع والتجويع والذل دفعت بتلك الجماهير إلى التطويع والاستكانة وفقدان الإرادة والأمل،وبأن هذه الجماهير وصلت حد الموات وعدم القدرة على الفعل، ولكن جاءت تلك الثورات الشعبية لتقول لأمريكا وإسرائيل وكل أنظمة القمع والطغيان والفساد على رأي شاعرنا الراحل الكبير محمود درويش “حذاري من جوعي ومن غضبي فإذا ما جعت آكل لحم مغتصبي”،وفعلاً أثبتت هذه الجماهير بأن لديها من الطاقات والإمكانيات والقدرات الشيء الكثير فكانت انتفاضات الخبز والكرامة،والتي سبقتها الكثير من البروفات التي تمهد وتراكم لهذا الاشتعال والحريق الذي يطهر الوطن العربي من كل هذا الدنس المتراكم على مدار عقود خلت،انتفاضات تقودها أجيال شابة،ثبت أن “العولمة” لم تنجح في تغيب وعيها القومي وحسهم الوطني وفشلت في خلق إنسان عربي جديد”معولم” وفق مقاساتهم،انتفاضة بقيادة شابة متجاوزة برامج كل الأحزاب والقوى من أقصى يمينها إلى أقصى يسارها،وليس هذا فقط،بل تجاوزت تلك القوى والأحزاب نفسها لتبقيها في ذيل الحركة بدلاً من أن تكون على رأسها،شرارة بوعزيزي وثورة الياسمينة امتدت مفاعليها على كل جغرافيا الوطن العربي من محيطه إلى خليجه،فالظروف والأوضاع لا تختلف كثيراً على كل الصعد سياسياً:- أنظمة قمع بوليسية مغرقة في الفساد ونهب خيرات وثروات البلاد،بل جعلت منها إقطاعيات ومزارع خاصة لها ولأسرها وعائلاتها،وغياب كلي لكل اشكال وأنواع الحريات( من رأي وتعبير وتعددية سياسية وفكرية وغيرها،إلى رهن القرار السياسي للقوى الخارجية وخصي عن عمد وقصد لخيار ونهج المقاومة ومحاربة كل المطالبين والداعين إليه،وتمريغ في الوحل لكرامة الوطن والمواطن،وليس هذا فقط حيث الفقر والبطالة والارتفاع الجنوني للأسعار وتكدس الثروات في أيدي فئة قليلة من بطانة وحاشية النظام والجهل والتخلف وغياب الضمانات والتأمينات الصحية والاجتماعية،وتسييد سياسات الخوف والاستكانة والذل والرعب والبلطجة والزعرنة وانتشار الرشوة والفساد الى حد الهيكلة والمأسسة والتحكم في كل مفاصل الدولة،وكذلك غياب التنمية الاقتصادية وخصخصة وبيع القطاعات العامة وتدمير الاقتصاد الوطني،يضاف لكل ذلك عقد تحالفات وتكتلات أمنية مع أعداء الأمة العربية وإفساح المجال أمامها لاستباحة الجغرافيا العربية،تقسيماً وتجزئة وتذريراً واستخداماً ونهباً وصولاً الى التحكم في القرار السياسي . غضب وذهول عارم يجتاح العواصمالغربية وإسرائيل جراء الانتفاضات والثورات الشعبية العربية،وهي تحاول بكل الطرق بالتعاون والتنسيق مع بقايا تلك الأنظمة البائدة حرف تلك الانتفاضات عن أهدافها والعمل على إجهاضها،من خلال إجراء بعض التعديلات والتغيرات الشكلية والديكورية ،تعديلات لا تضمن تغيرات وإصلاحات جذرية،وبما يحفظ لأمريكا وأوروبا الغربية وإسرائيل مصالحها،وعلى الثورة وكل جماهير شعبنا في كل الدول التي اجتاحتها وتجتاحها قوى ورياح التغير أن تعي وتدرك تماماً،أن الحل فقط والنجاح لن يتأتى إلا من خلال تصفية تركة الأنظمة وضرب قواعدها الاجتماعية والاقتصادية وتفكيك وحل كل بناها وتراكيبها الأمنية،وعلى أهلنا وشعبنا أن يعوا تماماً بأن من يلبسون لبوس المعارضة والتغير من أمثال الغنوشي في تونس والبرادعي في مصر وغيره،هم الوجه الآخر للنظام،وهم عراب السياسة الأمريكية في المنطقة ،والجميع يتذكر جيداً أن البرادعي هو من قاد عمليات التفتيش المزعومة عن ما يسمى بأسلحة الدمار الشامل في العراق،وكان الأداة والمنفذ للسياسة الأمريكية من أجل احتلال العراق وتدمير قدراته العسكرية والعلمية ونهب خيراته وثرواته،فهو ليس بالأمين لا على مصالح الوطن ولا المواطن،وركوبه موجة الانتفاضة والثورة الشعبية والتغير ودعوة مبارك للرحيل، لا تعني أنه أصبح بين عشية وضحاها وطنيا وعروبياً من الدرجة الأولى،فهذا له دور ترسمه الدوائر الغربية وفي المقدمة منها الأمريكية،وهو أخطر من النظام السابق على مصر وأمنها ومصالحها،وأمريكا والغرب الذين يتباكون على الديمقراطية وحقوق الإنسان ويدعون حلفاءهم من الأنظمة إلى ضرورة القيام بإصلاحات اقتصادية واجتماعية،هم من دعم وساند تلك الأنظمة في كل إجراءاتها وممارساتها وجرائمها،ولم تكن حقوق الإنسان والديمقراطية والعدالة والحرية تعني لهم شيئاً ،فما دامت تلك الأنظمة تحمي تلك المصالح وتنفذ وصفات البنك والصندوق الدوليين،وتطبع مع إسرائيل وتوفر لها الأمن والحماية،فلتفعل بشعوبها ما تشاء تقتل، تعتقل، تنفي،تقمع، تجوع تمارس الفساد والرشوة والدعارة بكل أشكالها وتخرق وتصادر وتكبل كل الحقوق والحريات فهذا مباح وشرعي،وهي بذلك تكشف عن زيفها وخداعها وانتقائيتها وإزدواجية معايرها وقيمها. رغم ما تقوم به مليشيات وأجهزة الأنظمة من عمليات تخريب منظمة،من خلال القيام ببث ونشر حالة من الفوضى والفلتان والقيام بأعمال السلب والنهب،لكي تعطي صورة مشوهة عن الثورة والانتفاضة الشعبية،تبرر لها الانقضاض عليها من أجل إجهاضها،فالمغدور السادات لجأ لمثل هذه الممارسة والحيلة عندما قامت انتفاضة الخبز في مصر،حيث أوعز لمليشياته وأجهزته بالاندساس بين المحتجين والمتظاهرين والقيام بعمليات سلب ونهب،لتبرير وصف تلك الانتفاضة بانتفاضة الحرمية من أجل قمعها وإنهائها،وما يجري الآن في مصر من عمليات سلب ونهب وتدمير وتخريب للممتلكات العامة،هو ليس بفعل الثورة والانتفاضة الشعبية،بل هو عمل منظم ومخطط ومدروس من قبل النظام،تقوم به عصاباته ومليشياته،من أجل دفع الناس إلى حالة من اليأس والإحباط والإرتداد عن الثورة والانتفاضة،وطلب الحماية من النظام واجهزته،والجماهير الشعبية والتي شكلت لجان شعبية لحماية المؤسسات والممتلكات العامة وغيرها،على درجة عالية من الوعي والتيقظ والحيطة لمثل تلك الفعال والممارسات التخريبية. من يتابع حالة التضامن الشعبية العربية العالية مع الانتفاضات والثورات الشعبية العربية في تونس ومصر وغيرها من البلدان العربية،يدرك ان الجماهير العربية بنفسها العروبي والقومي تمتلك إمكانيات عالية للنهوض والتطور،وأن هناك عصراً عربياً جديداً يضع حداً فاصلاً للحقبة السابقة من الخضوع والذل والهوان،ومن نصر إلى آخر الى تحرير كل الوطن العربي من الطغاة والفاسدين وتحرير فلسطين والعراق وكل الأراضي العربية المحتلة من الأعداء والمحتلين،ولتبقى راية وشعلة الانتفاضة خفاقة في كل الوطن العربي،من أجل غد عربي مشرق يعيد للأمة عزتها وهيبتها وكرامتها،ودورها ومكانتها بين المم والشعوب. القدس- فلسطين 30/1/2011 0524533879 [email protected] –