أكد عبد الصمد بلكبير، في هذا التحليل السياسي الأولي حول نتائج العدوان على الشعب الفلسطيني في غزة، أن المسيرات المليونية كشفت عن تباعد خطير بين الأنظمة وشعوبها، وأن تلك الهوة تفرض على الأنظمة أن تراجع نفسها أو ستراجعها شعوبها، وقال بلكبير إن المسيرة المليونية في الرباط، والمسيرات التي شهدها العالم العربي، أكدت أن الجماهير الشعبية عادت من جديد، لتؤسس لصفحة جديدة في علاقتها بقضاياها. من جهة أخرى، أكد بلكبير أنه ينبغي التمييز في الأنظمة بين العاجز منها، وبين الخائن المشارك في الجريمة على غزة. وأكد أن مصر متورطة وضالعة في العدوان على حماس لحسابات خاصة بها. وربط المتحدث بين العدوان على غزة ومخطط وصفه بالجهنمي كان يستهدف إيران وسوريا ثم حماس، لكنه مخطط هزم. وقال إن الكيان الصهيوني هزم على ثلاث جبهات في عدوانه على غزة، سياسيا وأخلاقيا ودبلوماسيا. وإليكم نص الحوار: خرج الشعب المغربي يوم الأحد الماضي في مسيرة وصفت بالمليونية وبأنها سابقة في تاريخه، ما قراءتكم لهذا الحدث؟ فعلا، يجب بالنسبة لأي محلل فبالأحرى مناضل، أن يقف متأملا ومعيدا لتفكيره في كل ما حدث في التظاهرة المليونية بالرباط، هناك اليوم شيء جديد مغربيا وعربيا وعالم ثالثيا وكونيا، لاشك أن حافزه هو الصمود الأسطوري لجماهير وقيادة المقاومة في غزة، ولكن الاستجابة الشعبية التضامنية والاحتجاجية كانت مفاجئة على جميع المستويات، وفاجأت الجميع، وهذا يعني أن قدرتنا مهما كانت لتحليل الواقع، فإن هذا الواقع دائما يفاجيء، يجب أن ننتبه إلى أن 30 مدينة في المغرب تظاهرت، وأن أكثر من 300 وقفة وتظاهرة نظمت، كانت مقدمة لمسيرة الرباط. ومسيرة الرباط التي هي تتويج لكل المسيرات التي شملت، ولأول مرة، مدنا وقرى نائية، كانت حاضرة في قلب الأحداث واستوعبت جيدا الصراع الحقيقي في المنطقة، سواء داخل الشعب الفلسطيني أو ما يعبر عنه بالأنظمة العربية. الملاحظة الأخرى في هذا الصدد هو أن هذه المسيرة لم تكن مفاجئة لإدارة الحكم فقط، ولكن للقوى الديمقراطية، سواء كانت حزبية أو نقابية أو مدينة، حيث إن درجة الحماس والتضامن والتعاطف التي عبرت عنها حناجر الأطفال والرجال والنساء، والأسر التي حضرت بكل أعضائها، أمر تجاوز كل توقع وكل خيال، وكان من الواضح أن الأحزاب سواء التقليدية منها أو الحديثة لم تستطع تأطير، فما بالك قيادة ذلك الحضور النوعي والكمي الرائع. إذا نحن أمام معطى جديد، ذلك أن الجماهير استيقظت، وبدأت تخرج من سلبيتها ومقاطعتها ويأسها، لكنها اليوم أظهرت أنها مستعدة للفعل، وتتجاوز استعداداتها ما تقدمه لها قيادتها التقليدية أو الحديثة من برامج أو شعارات أو مواقف. إنه درس للجميع ويفترض أن يستخلص منه الدرس الجميع، سواء بالنسبة لأولئك الذين في الميدان أو الذين يئسوا وانسحبوا أو توقفوا لسبب أو لآخر. يفترض في الجميع أن يلتحق بشعبه ويأخذ منه الدرس والعظة لما يستقبل من أيام، سواء في المعارك ذات الطبيعة الوطنية أو العربية الإسلامية أو الإنسانية منها. وهو يوم مشهود ويدل أن نضالات المناضلين الذين لم ييأسوا لم تذهب سدى، بل إن الحصاد كان أغنى بكثير من زرع الزارعين. أمام هذه المسيرات المتوالية في كل العالم العربي هناك هوة عميقة تتزايد بين الشعوب المنتفضة والأنظمة التي توصف بأنها عاجزة، هل ينبئ ذلك عن تطور جديد؟ هذا الدرس الثاني من المسيرة المليونية في الرباط، وهو درس خطير جدا، وهو خطير بالنسبة للجميع، وليس بالنسبة للأنظمة الحاكمة فقط، ذلك أن درجة من التخالف أو التباعد يمكن أن تفهم دائما، في السياسة أو على المستوى التاريخي، ولكن أن يكون التباعد بالدرجة التي عبرت عنها مليونية الرباط فهو خطير، بالمعنى الإيجابي وبالمعنى السلبي أيضا. فالإيجابي أنه ناقوس تنبيه لكل الأطراف أن تعيد مراجعة تحليلاتها وتقييماتها للتصور الشعبي، وتصورها أنه بالمخابرات وبالخطابات التسويفية والكاذبة، يمكنها أن تضبط شعبا. الآن أظهر الشعب أنه فوق كل وسائل الضبط، وتجاوز كل التفكير القاصر والحقير في عمقه، الذي يعتبر أن الشعوب يمكن ليّ ذراعها ويمكن الكذب عليها ويمكن تشويه الواقع أمام نظرها، بل بالعكس؛ أظهرت الجماهير وعيا عالى المستوى، وأظهروا انضباطية وحماسة عالية المستوى، واستعدادا لو كانت الحدود مفتوحة لجسّدوه عمليا بالالتحاق بالمقاومين. ورفعوا شعارات لم نعد نستطيع رفعها خوفا من الإرهاب، وهي أن لا حلّ أمام الاستعمار بمختلف أشكاله، وأخطر أنواعه الاستعمار الصهيوني، إلا الجهاد وبصريح العبارة، وهي عبارة كانوا يرددونها بقوة، ويرفعون معها آيات القرآن التي تحض على الجهاد والقتال، وهذا تنبيه عنيف لإدارة الدول في العالم العربي، إما أن يراجعوا أنفسهم وإما أن تراجعهم شعوبهم. العنصر الآخر، هو تنبيه لكل القوى الديمقراطية، بمختلف تلاوينها الإديولوجية، وبمختلف مواقعها السياسية، مشاركة أو مقاطعة أو معارضة، أظهرت الجماهير أنها في استعداداتها تتجاوز الإمكانات التأطيرية لتلك الأحزاب، بما في ذلك الحركة الإسلامية. فإذن هو حدث خطير بالمعنى الإيجابي، أن هناك شعبا مستعدا لمختلف أنواع الكفاح، سلبا أو إيجابا، وهناك المعنى السلبي هو أن المسؤولين في إدارة الدولة أو المجتمع، إذا لم يستخلصوا الخلاصات اللازمة حتى يقتربوا من شعبهم، ويعبروا عن طموحات شعبهم وعن استعداداته للكفاح في مختلف الأشكال والصيغ، وفي أرقاه اليوم الذي هو التظاهر. ولكن الذين تظاهروا أعطوا العربون عن استعدادهم ليظهروا أشياء أخرى من لدن قوة مخلصة وصادقة. وماذا عن الصعيد العربي؟ هذه قاعدة عامة، يعني أن الوضع على الصعيد العربي يغترف من معين واحد، وهذا مثير جدا، سواء في الخليج أو في بلاد المهجر، أو في المغرب العربي، يعني هناك وعي واحد واستعداد واحد وإشارات واحدة. طبعا هناك خطاب موجه إلى الأنظمة العربية يختصر الحكم فيها بأنها صفر، وبالتالي الموقف الشعبي من الأنظمة الحاكمة أنها أخفقت في جميع الامتحانات، سواء في التنمية أو الحرية أو التضامن أو التحرر وغيره، ولكن في هذا الصدد لاحظنا أن الخطاب الإذاعي يخلط عموما بين مختلف مستويات هذه الأوضاع وهذه المسؤوليات، حينما يتحدث عن أنظمة عاجزة، ولكن هذا بمعنى ما صحيح، لأنه ما دامت متفرقة فهي عاجزة. ولكنها في تفرقها وعجزها، تختلف في درجة قربها أو بعدها من قضايا الأمة، هناك أنظمة عاجزة إما نتيجة البعد الجغرافي أو العجز الذاتي، ولكن يجب أن نميز هذه عن تلك المتورطة والمشاركة في العدوان، ولذلك ينبغي أن نميز بين العاجز والخائن. فالجديد اليوم هو أن ما وقع في غزة، وربما وقع قبله في لبنان سنة ,2006 وانفضح اليوم، هو أن هناك مشاركة وضلوعا في العدوان، وهناك أطراف لديها إرادة لهزيمة الإرادة الشعبية المعبر عنها ديمقراطيا في غزة، وذلك لحساب مصالحها الخاصة، أو لمصالح مشتركة بينها وبين إسرائيل، وأقصد هنا مصر، لا يجوز أن ننسى أن ما يتصوره النظام المصري كمصدر للضرر بالنسبة إليه، لا يقل عن ذلك الذي تتصوره إسرائيل خطرا عليها، وربما كان أكثر، لأن كل ما تتصوره إسرائيل تهديدا ناتج عن استمرار حماس في الحكم يرتبط بأمنها، في حين أن الأمر يرتبط بالنظام ككل في مصر، لا يجوز أن ننسى أن حماس تاريخيا هي فرع لجماعة الإخوان المسلمين التي يوجد مقرها الرئيس في القاهرة. وبالتالي فانتصار التجربة الإسلامية في غزة هو بمثابة منح نموذج للشعب المصري حول ما يمكن للديمقراطية التي تأخذ نسغها من التراث والدين الإسلامي أن تقدمه، وهذا سيكون دافعا وحافزا وحجة، ولا شك أنه بالقدر الذي تدعم به الحركة الإسلامية المصرية الشعب الفلسطيني في غزة، سيكون بنفس القدر الذي يرتد عليها حينما ينتصر الغزاويون بقيادة حماس. ولذلك النظام المصري يهمه، وليس هو في هذا تابع بل ضالع، أن يقضي ويهزم ما يسميه الإمارة الإسلامية في غزة. والحصار الذي يسهم به في المجزرة، لا قيمة للاعتبارات التي يقدمها النظام المصري في سياق تبرايرته، لأنها اعتبارات لا تقوم على أساس في النظام الدولي، ولا في الأوفاق القانون الدولي، بل إن النظام المصري يقترف جرائم بمنطق القانون الدولي، وحتى بمنطق اتفاقية 2006 التي انتهى أجلها. ومن ثم فالمصريون مسؤولون بنفس درجة مسؤولية الكيان الصهيوني عما يقع في غزة. وبالطبع لا تقل مسؤولية السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية، هذه التي لم تعد لها شرعية شعبية، والتي لم تعد قائمة إلا بسبب إرادة أمريكا، وهي تعرف أن الشعب الفلسطيني ليس معها، لأنها هي ليست مع المقاومة، وليست حتى مع الممانعة، بل على العكس هي تفت في عضده وتضعفه من حماسه، وتعرقل كفاحيته وهي تعتقل أكثر من 400 قيادي من حماس، بالقدر الذي جمّد قوة حماس هناك. في الحقيقة إن حماس في مواجهة السلطة الفلسطينية، وفي مواجهة مصر، وفي مواجهة الأردن، وفي مواجهة الكيان الصهيوني، وفي مواجهة الذي ينسق بين هؤلاء جميعا ألا وهي الولاياتالمتحدةالأمريكية. هل العدوان على غزة ناتج عن انتهاء التهدئة كما ادعت جهات عربية والكيان الصهيوني أم مرتبط بمخطط كبير يستهدف المنطقة ودول الممانعة فيها؟ ط ما ينبغي أن ننتبه إليه أكثر من أي وقت مضى، هو أن الولاياتالمتحدة وصلت إلى درجة عليا من التنسيق مع حلفائها أو لنقل عملائها، والمخطط جهنمي ومدروس، ويشمل كل الاحتمالات، بما في ذلك أحزاب ونقابات المعارضة في العالم العربي، هي أيضا أخبرت ومطلوب منها أن تتخذ مواقف أقل حماسا ومسايرة للجماهير الشعبية، ولكن يمكرون ويمكر الله. ذلك أن مخطط الولاياتالمتحدة يشمل مستويات في الأهداف، هناك بعيد ومتوسط وقريب، والضربة كانت ستوجه في الأصل نحو إيران، ثم تنسحب على سوريا، وبعدها على غزة، وبعد كل ذلك ستؤدي الجماهير الشعبية الثمن مضاعفا في كل الأقطار العربية. ويجب أن نسجل أن هذا الهدف هزم، وأن مرحلة اليمين الصهيوني انتهت دون أن ينجزوا كل أهدافهم. بما في ذلك في العراق. والعراق لم تكن سوى مقدمة لضرب إيران. هذه الدولة التي أهلها موقعها الجغرافي وشروطها التاريخية والسياسية لكي تستخلص أهم عظة من التجربة العراقية، وهي أنه في ظل الإمبريالية العالمية لا مستقبل لتنمية أو ديمقراطية أو نهضة لبلد ليس لديه حصانة نووية. وهذا هو الدرس المركزي في التجربة العراقية. وإذا لم تكن لبلد الحصانة النووية فإن كل مجهوداته التنموية أو السياسية هي إلى زوال. وهذا الدرس الذي تهيأت شروط نجاحه بالنسبة لإيران هو ما يقف في حلق الإمبرياليات كلها، وفي مقدمتها أمريكا. ولاحظنا أن التدبير السياسي لدولة إيران نجح لحد الآن في أن يفوت الفرصة على احتمال هجوم أمريكي عليها. ونحن لاحظنا كيف أنه عندما أخفقت أمريكا في ذلك، حولت الضغط نحو سوريا. ولكن سوريا وبحماية عسكرية من إيران وحماية دبلوماسية من تركيا، وبحماية بدرجة أدنى من حزب الله وحماس، وبقدرتها التناورية تمكنت من الإفلات. إذن بقيت غزة وحماس، التي جرّب معها ما كان يتصور أنه سينجح ألا وهو الحصار، ولا يجوز أن ننسى أن الكيان الصهيوني ووراءها الرجعية العربية فشلت على هذا المستوى، بحيث استمر الحصار 6 أشهر ولم تنهزم حماس ولم يستسلم الشعب في غزة، ولم تستطع اختراق قوة التضامن والوحدة في قطاع غزة بين القيادة والقاعدة. وإذن العدوان العسكري هو عنوان هزيمة حرب سابقة التي هي الحصار. ويجب أن نسجل أن الذبح بالحصار فشل، واليوم اضطروا إلى الذبح بالعلن، وفي هذا الصدد من المؤكد أنهم فشلوا على ثلاث جبهات على الأقل. أولا الجبهة السياسية، ونحن نلاحظ كيف أنهم حركوا الأشبال من عرائنها وانتفضت كل الشعوب تقريبا، بما في ذلك الشعوب التي لم يسبق لها أن انتفضت من قبل على أية قضية. وفشلوا ثانيا على الجبهة الأخلاقية، بحيث كل مزيتهم كشعب مضطهد في التاريخ أزيلت منهم، واكتسبها الشعب الفلسطيني في غزة، بفضل الإعلام. وفشلوا على الجبهة الدبلوماسية، إذ إن دولا كانت تتفهم وضع الكيان الصهيوني رفعت يدها عنه، وبدأت تتخلى عنها. بقي الوجه العسكري في الموضوع، وهذا لا زال جاريا، نرجو أن تطرأ طواريء تغير ميزان القوة لصالح الشعب الفلسطيني، وحتى لو كانت درجة ما من الهزيمة العسكرية أكثر من الخراب الذي حصل، فلا شك أن المعركة مع الإمبريالية طويلة النفس، وأعتقد أن موقع الإمبريالية من الناحية سياسي دفاعي، ولكن في هجوم على المستوى العسكري، لكننا نحن في موقع هجومي سياسيا وفي موقع دفاعي عسكريا. فهم الأضعف سياسيا والأقوى عسكريا والعكس صحيح بالنسبة لنا، ونتمنى في مسيرة الصراع أن تتغير موازين القوى أكثر لصالحنا حتى على المستوى العسكري. هناك تساؤل حول جدوى المسيرات والتظاهرات ومدى قدرة الشعوب على تغيير سياسة الأنظمة تجاه العدوان والصراع بشكل عام ما رأيك؟ نحن نعرف أن التاريخ يسير بالصراع، وكل تهميش أو تجميد للصراع هو اغتيال للتاريخ وبالتالي للتقدم، والبشرية لا تتقدم خارج الصراع، وهو ما يسميه الإسلام بالدفع، أي دفع الناس بالناس، والذي بدونه ينتشر الفساد، والصراع الشعبي والنضال الجماهيري دائما مصدر للحياة وللإبداع وللتجديد وللأمل وللتطور، كل اللحظات المهمة في تاريخ البشرية كانت نتيجة للصراع، والصراع دائما يشتغل، إنما أحيانا يقمع ويكبت، وأحيانا يتفجر وينبثق، والجديد الآن بعد سنوات من القمع والكبت هو أن الجماهير خرجت من قمقمها، ماردا جبارا، يتعلم في مدرسة النضال كيف يكافح وكيف يناضل، وكيف يتضامن مع من يشبهه، ليس داخل الوطن الواحد، بل بين الشعوب، ويظهر اليوم أن الشعوب العربية شعب واحد، ويظهر اليوم أن الشعوب المكافحة والكادحة في كل العالم، في النرويج أو السويد أو اندونيسيا، هي واحدة، وأن قضيتها واحدة وعدوها واحد، هذا ما تختصر به الجماهير سنوات مما يحتاج المثقف أن يفتح الكتب ليتعرف عليه، هي تتعرف عليه في لحظة واحدة، لكنها لا تأتي عبارة بل نتيجة تاريخ، ودرسا تسجل الجماهير في عمق وعيها ولا وعيها ولا بد أنها ستركب منه جملها المفيدة لقضيتها، ألا وهي بالنسبة لنا قضية الديمقراطية والتنمية والوحدة. وما الذي تتوقعه بالنسبة لآفاق ونتائح هذا العدوان الصهيوني على غزة؟ على كل حال، نحن طوينا صفحة ودخلنا إلى أخرى، الآن الجماهير هي التي ستفعل، وليس الأنظمة أو حتى الأحزاب للأسف الشديد، وبطبيعة الحال كما قلت في البداية إن إدارة الدول عليها أن تلتحق بشعوبها أو أنها ستهمش، وبالتالي ستعمق التناقض بينها وبين شعبها، وهو ما يعني الدخول في مسار لا يعرف أحد مآله، وهذا تنبيه للمغفلين في إدارة الدول، الذين يعتقدون أن الشعوب يمكن أن تغفل بالإعلام التلفزي وبالديماغوجية. وطبعا الدرس والتنبيه موجه للأحزاب السياسية أيضا التي عليها أن لا تيأس من شعبها، وأن ألا تبتعد عنه، وعليها إن أرادت أن تستمر في قيادة شعبها أن تستمر في الارتباط والإنصات لصوته، واليوم أظهرت الجماهير أن لها مطامح ولها في الوقت نفسه استعداد للنضال من أجل تلك المطامح. كافة الفصائل الفلسطينية مع المقاومة والخارجين أقلية هناك من يرى أن الانقسام الفلسطيني الداخلي يزيد من تعميق المشكلة ويمنح للكيان الصهيوني ولدول عربية ورقة للتدخل في الشأن الداخلي، وحتى للعدوان على غزة كما تفعل الآن؟ هذه في نظري أسطورة، الواقع أن الشعب الفلسطيني في المنافي والمخيمات له موقف واحد، هو المقاومة، وليس هناك انقسام فلسطيني على هذا المستوى، والدليل على ذلك هو المؤتمر الأخير حول حق العودة للاجئين في دمشق بحضور الآلاف، أظهر أن الموقف واحد والتدبير السياسي جوابا عليه هو المقاومة، وليست قضية حماس أو الجهاد أو الجبهة الشعبية أو فتح الانتفاضة. أما القيادة الموصوفة بأنها سلطة في الضفة الغربية بزعامة محمود عباس، فهي تمثل الماضي، وتمثل إرادة الأنظمة العربية والأوفاق الدولية التي يعتبر الكيان الصهيوني وأمريكا أول من أجهز عليها، 18 سنة من الزمن الضائع، وبالتالي ماذا يمثل هؤلاء، إنهم يمثلون تجربة الرهان على الفشل والإخفاق، فإذن هذه أسطورة، الشعب الفلسطيني موحد الموقف، ولا انقسام ولا اختلاف داخله، إنما هي أقلية كانت لها شرعية ولكنها فقدتها سواء في الانتخابات الأخيرة أو في الميدان. وللأسف هي ضالعة بدرجة أو بأخرى، خاصة من خلال تعييرها وتسفيهها وتحقيرها لكفاح المقاومين في غزة، وهي غير واعية أن أول من يعرف أن قيمة صواريخ المقاومة هي سياسية، وبالتالي قيمتها معنوية وتعبوية وتأطيرية، هم رجال المقاومة، أكثر من قيمتها العسكرية، مع العلم أن آثارها العسكرية مؤكدة، سواء على مستوى إحساس اليهود بانعدام الأمن، أو آثارها على الاستثمار الأجنبي أو القطاع السياحي، أو آثارها على الذين تريد إسرائيل استجلابهم من يهود الشتات، أو دورها في إنقاذ الموقف الفلسطيني من ما تردى إليه نتيجة أوفاق لا يحترمها الكيان الصهيوني، وأكثر من ذلك، أن هذه الصواريخ موجودة في وقت تعاني فيه الإمبريالية من أزمة، ومن ثم فإنها لا تحتاج إلا إلى مزيد من المقاومة لكي تنهار. وبالتالي حاجة الشعوب لكي تنهض في نفس السياق ضد الرأسمال والإمبريالية. ونحن ننتظر من هذه المبادرة المباركة من قبل الغزاويين أن تكون هذه مثل عود ثقاب يشعل النار في عقر الإمبريالية وليس فقط في محيطها.