دنيا بريس تحاور الصحفي مولاي التهامي بهطاط سكرتير تحرير جريدة أصداء أجرى معه الحوار : عبدالجليل ادريوش / دنيابريس * في البداية نود أن نعرف من هو مولاي التهامي بهطاط ؟ ** صحفي من مواليد إقليمجرسيف. حاصل على الإجازة العليا في الشريعة، وعلى شهادة الدراسات الإسلامية العليا من جامعة القرويين بفاس. ساهمت بجهد متواضع في مجال الكتابة عبر العديد من المقالات والدراسات. لي كتاب مطبوع “الأصالة والمعاصرة: حزب البعث المخزني الاشتراكي الليبرالي الديمقراطي”، وآخر تحت الطبع “قوانين العبادات في الفقه المالكي”.. * كيف جاءت فكرة تأسيس جريدة “أصداء”؟ ** جريدة “أصداء” هي امتداد لتجربة انطلقت سنة 1965، حيث توالت عدة عناوين، تم منع الأخيرين منها “التحدي” و”أسرار”. بالنسبة إلي التحقت بالمؤسسة قبل عقد من الزمن، كانت كلها في خدمة “أصداء” التي تعتبر، إلى جانب إصدارات الأستاذ مصطفى العلوي، الأقدم في الساحة الوطنية على مستوى الصحافة المستقلة. * أين وصلت حرية التعبير والصحافة بالمغرب؟ ** لابد من التفريق بين مستويين في هذا الباب. المستوى الأول يتعلق، بمفهوم حرية التعبير، حيث يبدو أنه مفهوم متحرك وغير واضح المعالم. وهذه النقطة تحديداً هي ما يصنع الإشكال لدى بعض الزملاء. الرئيس رياض الصلح رحمه الله له جملة لطيفة في هذا المجال :”الحرية ليس لها جدران..لكن لها سقف”.. وهذا ما لا يفهمه كثيرون.. وعلى سبيل المثال، قضية الوحدة الترابية، لا يمكن أن تكون مجال سجال..وأكاد أجزم أن الانفلات الصحفي ساهم بشكل أو بآخر في إيصال الأمور إلى ما وصلت إليه، أي التطبيع مع منطق الانفصال..الذي كانت أحداث العيون الأخيرة من أبرز مظاهره. المستوى الثاني يتعلق بما يمكن أن نسميه “سياح اليمن”، فكما أن بعض الأجانب كانوا يقصدون اليمن ولا يحترمون النصائح الأمنية المقدمة لهم بهدف أن يتم اختطافهم من طرف سكان القبائل وافتداؤهم بمبالغ هزيلة لكنهم يحصلون شهرة عظيمة في بلدانهم ويتحولون إلى نجوم، هناك زملاء يبذلون قصارى الجهود لاستفزاز “النظام” بهدف الدخول معهم في مواجهة وغالبا ما تنجح هذه الاستفزازات ...لكن على حساب قضايا الوطن.. كم من الزملاء مثلا تمت محاكمتهم بسبب تفجيرهم لفضائح مالية أو إدارية؟ وكم منهم تمت متابعتهم بسبب الخوض في مسائل شخصية أو لها ارتباط بالوحدة الوطنية أو بالقيم العليا التي توافقت عليها الأغلبية الساحقة من المغاربة؟ قد تبدو هذه المقاربة غريبة، لكنني كتبت عشرات المرات داعيا الصحافة للقيام بدورها الطبيعي في التنوير والإخبار، فهي لا يمكن أن تنوب عن الدولة، ولا عن القضاء ولا عن الأمن ولا عن البرلمان..وأظن أن الصحفيين يفهمون هذا الكلام أكثر من غيرهم..رغم أن بعضهم يكابرون بعض الشيء.. ولهذا أتمنى أن يلتئم الصحفيون تحت أي إطار، فقط لتحديد مفهوم “الصحفي” ودور الصحافة، لأن هذه الخطوة تبقى ضرورية قبل الحديث أي شيء آخر.. * كيف تنظرون إلى مستقبل الصحافة الالكترونية؟ ** مستقبل الصحافة الالكترونية مفتوح، وأمامه آفاق واسعة، بالنظر إلى السرعة والشمولية وغياب إمكانية فرض الرقابة بأشكالها التقليدية..لكن الصحافة في النهاية تبقى صحافة.. المشكلة من الصحافة الإلكترونية هو أنه من الصعب ضبطها..أسفل أي مقال ينشر في أي موقع من المواقع، خاصة العربية منها أو التي لا تُخضع تعاليق القراء للمراجعة، بدل أن تجد حلقات نقاش جاد، تكون أمام حفلات للسباب العلني وبأفحش العبارات.. هذا هو المأخذ الذي يمكن تسجيله على الصحافة الإلكترونية، حيث إننا لم نستعد لها واعتمدنا على “الطفرات” وحرق المراحل كما في مجالات مماثلة.. عوض أن نحترم منطق التدرج.. باختصار أنه عوض أن تكون هذه الصحافة بوابة نطل منها على الآخر، ونقدم له صورة عن الجوانب الإيجابية، أصبحت بوابة لكشف العورات وتكريس السلبيات.. * أين تتجه في رأيك الأوضاع السياسية والأمنية في المملكة المغربية؟ ** الانفلات الأمني المسجل، علاجه لا يمكن أن يكون إلا سياسياً واجتماعيا واقتصاديا وتربويا. هذا ليس كلام إنشاء، بل هو قراءة للواقع، لأنه لا يمكنك أن توفر كل العوامل المشجعة على الانحراف ثم تحاسب المنحرف على انحرافه.. بالنسبة للأوضاع السياسية، إسمح لي أن استعير جملة من كلام مجرم الحرب شيمون بيريز..”عندما كنا في النفق لم تكن هناك بقعة ضوء.. وعندما وجدنا بقعة الضوء، لم يكن هناك نفق”.. باختصار قبل أن نتحدث عن “أوضاع سياسية” لابد أن تكون هناك سياسة أولا، وبكل أسف نحن لا نمارس أي شيء يشبه السياسة في هذا البلد.. مشهد عبثي -من بين عشرات المشاهد- واحد يمكن أن يختصر كثيرا من الكلام.. فالحكومة الحالية مكونة من خليط :حزب الاستقلال، الاتحاد الاشتراكي، التقدم والاشتراكية، التجمع الوطني للأحرار والحركة الشعبية -وأتمنى ألا اكون قد نسيت أحدا-.. كما يدعمها الاتحاد الدستوري “المعارض”، بل إن حزب الأصالة والمعاصرة الذي يقود “المعارضة” ممثل في الحكومة ويحوز حقيبة التعليم التي تجهز على أكثر من 25% من الميزانية العامة، وتحت تصرفها حوالي ثلث الموظفين العموميين.. وهو العبث الذي كان حاضرا عند انتخاب رئيسي غرفتي البرلمان بالشكل الكاريكاتوري الذي سارت عليه الأمور..كما كان حاضرا في التصويت على القانون المالي وغيره من القوانين حيث لولا أصوات المعارضة لسقطت مشاريع الأغلبية.. في ظل هذا كله أين السياسة حتى نتحدث عن أوضاع سياسية؟ *كيف تنظرون إلى الواقع الحزبي بالمغرب؟ ** بكل أسف، أكرر مرة أخرى أننا لا نحترم التسلسل المنطقي للأشياء في كل المجالات..فكلما ظهر مفهوم أو شعار في الغرب تحديدا إلا وتم استيراده دون إعداد الأرضية المناسبة لاستقباله. ولهذا فالواقع الحزبي الحالي هو نتيجة منطقية لهذا التخبط العام. فحتى الأحزاب التي تأسست على خلفيات وطنية أو إيديولوجية وصمدت طويلا في “المعارضة”، تعرضت للتفكك بسرعة البرق، لأنها لم تستثمر في التأطير، بل راهنت على “الجاهز” أي ما يعرف عندنا بالأعيان أو الكائنات الانتخابية..ولهذا فإن النتيجة هي أحزاب عاجزة عن المبادرة، وعن الإبداع لأن همها الأساسي هو الحصول على المقاعد سواء محليا أو برلمانياً، ولا تسألوها : “كيف؟”.. الأحزاب عندنا ليست سياسية بل انتخابية، محور وجودها واستمرارها هو الانتخابات، ولهذا نتيجة خطيرة على العمل السياسي في نهاية المطاف، لأن الحزب لا ينقب عن الكفاءات، ولا يكون الإطارات السياسية الفاعلة، وبالتالي فالأهم بالنسبة إليه هو استقطاب القادرين على “شراء” المقاعد..والأخطر من ذلك أننا أصبحا أمام أحزاب تستميت من اجل المشاركة في الحكومة بأي ثمن وبأية نسبة، وهذا هو الخطر الحقيقي على الديموقراطية..فعندما ينسى الحزب أن عليه الخضوع لحكم الصناديق، التي تملك وحدها وضعه في خانة الأغلبية أو الأقلية مع ما يترتب على ذلك من مشاركة في تدبير الشأن العام أو اصطفاف في المعارضةن نكون فعلاً أمام مشكلة. * ألا ترى أن معظم هذه الأحزاب هي أحجار في رقعة شطرنج ضمن لعبة سخيفة ملها الشعب المغربي؟ ** المشكلة من صنع الشعب نفسه، فكيف يملها؟ في جميع التجارب الديموقراطية دفعت الشعوب ثمن امتلاك حق حكم نفسها بنفسها، لكن شعبنا -بكل أسف- سلبي إلى أقصى الحدود، يفضل التقوقع والتباكي وتعليق فشله على الأحزاب والحكومة والنظام وجهات أخرى خفية وعلنية.. الأحزاب مدت أرجلها وأيديها لأنها وجدت فراغا حقيقيا ولأن المواطن يبيع صوته في كل استحقاقات.. إذا العلاقة ليست سياسية وإنما تجارية، ومن قبض ثمن صوته بضع عشرات أو مئات من الدراهم ليس من حقه أن يبكي على ضياع كل حقوقه وأولها الحق الحياة الكريمة. ما الذي يمنع الشعب من المشاركة المكثفة في الانتخابات؟ هل سيكون بإمكان الكائنات الانتخابية أن تشتري مئات الآلاف من الاصوات؟ هل ستتمكن الإدارة من التزوير؟ الشعب هو المسؤول، والأحزاب ينشط فيها مواطنون مغاربة، وليس مناضلون مستوردون من الخارج. والشعب الذي لا يريد الحياة ولا الارتقاء إلى الأعلى يعش أبد الدهر بين الحفر على رأي أبي القاسم الشابي..ودعنا نتفق بداية أنه لا يوجد على وجه الكرة الأرضية نظام مستعد للتنازل عن نزر يسير من سلطاته وهيمنته هكذا بالمجان وحبا في الديموقراطية.. * كيف تنظرون إلى الفاعلين الجدد في الساحة السياسية أقصد الأحزاب الإسلامية؟ ** الساحة السياسية موبوءة، وكما يقول الفقهاء :”التخلية قبل التحلية”، فمهما كانت المبادئ التي تدافع عنها قيمة، إلا أنك ستصطدم حتما بالواقع. في الانتخابات يمكن أن ينهزم إطار ذو تكوين عالٍ قادر على تقديم قيمة مضافة لبلده ومواطنين أمام شخص جاهل جهلا مركبا سيكون انتخابه وبالا على البلاد والعباد، ليس لأنه يتمتع بشعبية جارفة، بل لأنه من أصحاب الثروات السهلة الذين ينفقون بغير حساب..المعركة إذا ليست عادلة والمنافسة ليست شريفة.. أضف على ذلك أننا حين نتحدث عن حزب “إسلامي” فإن المسؤولية تصبح مضاعفة.. لنر مثلا كيف تعامل الإعلام مع قضية رئيس بلدية ميدلت، رغم أن كثيرين غيره تورطوا في ما هو أكبر وبشهادة تقارير المجلس الأعلى للحسابات والمفتشية العامة للمالية.. إن هذا الوصف -إسلامي- يمثل عبئا إضافيا، علما أننا نتحدث عن مواطنين مغاربة فيهم كل سلبيات المواطن المغربي، ولسنا أمام صحابة.. وحين يذنب أحدهم يكون ذلك مدخلا لتصفية كثير من الحسابات مع الحزب الذي ينتمي إليه.. ولهذا لا يمكن أن تكون هناك أية إضافة جديدة، سوى على مستوى الديموقراطية الداخلية، ونظافة اليد وإن بشكل نسبي..لأننا لسنا أما “حزب الله” الذي يملك جهاز استخبارات يدقق في سلوكات الأعضاء ويراقبهم ويحصي عليهم أنفاسهم، ويغربلهم قبل تحمل المسؤوليات.. كما أن ضعف التجربة السياسية الناتج عن حداثة العهد بالعمل السياسي، يدفع أحيانا إلى سوء تقدير بعض الخطوات، وإلى عدم احترام منطق الأولويات...وهذا عنوان طويل يحتاج إلى تفصيل ليس هذا مقامه.. إن أي حزب هو “مغربي” قبل أن يكون ليبراليا أو اشتراكيا أو إسلاميا..وإذا بانت المعنى لا فائدة في التكرار.. * كيف تنظرون إلى ظاهرة اسمها حزب الهمة؟ ** لقد خصصت لهذا الحزب كتابا كاملا في اللحظات الأولى لتأسيسه، ولم يكن في ذلك استباق أو مصادرة لحقه في الوجود، بل كان عبارة عن تسجيل موقف في لحظة مفصلية. الحسنة الوحيدة لهذا الحزب تتمثل في كونه أعاد الأمور إلى نصابها، أي أنه بعد أكثر من عقد من الشعارات البراقة حول الديموقراطية وحقوق الإنسان والحداثة ودولة المؤسسات، اتضح أن المغرب مازال يعيش وفق منطق الماضي حين كان بالإمكان تأسيس أحزاب عبر مكالمات هاتفية.. كانت صدمتي كبيرة لأنني توهمت أن المغرب خطا خطوة نحو المستقبل، لكن اتضح -بمنطقي ماركسي معكوس- أن هذه الخطوة قابلتها خطوات نحو الماضي.. لست ضد تأسيس أحزاب ولا ضد التطلعات السياسية لأي كان..بل أنا ضد أن نتباكى على عزوف المواطنين عن ممارسة السياسة، ونقوم في المقابل بكل ما من شأنه دفعهم إلى مزيد من العزوف.. في كل التجارب الديموقراطية الحقيقية تبدأ الأحزاب مسيرتها من الأسفل نحو الأعلى، من القاعدة نحو القمة..وحين يحدث العكس، أي تتحدد قيادة الحزب في مكان ما في العاصمة، ثم تخرج للبحث عن قواعد، فالأمر لا تكون له علاقة بالديموقراطية.. لقد قلت سابقا إن الحزب الحقيقي هو الحزب الذي يرتبط مصيره بهياكله المسيرة وليس بأسماء معينة..يتغير الأشخاص، ويبقى الحزب..هذا هو المعيار الوحيد لتمييز الأحزاب الجماهيرية من غيرها..وفي حالة “البام” تحديداً أنا على يقين أنه لو انسحب السيد عالي الهمة من هذا الحزب، فإنه لن يصمد عشر دقائق وليس عشرة أسابيع أو عشرة أشهر.. * ماذا تعني لك هذه الكلمات؟ الصحافة الالكترونية: التيكنولوجيا أنصفت حرية التعبير.. الحكم الذاتي : خطوة جريئة أتمنى ألا يعتبرها الانفصاليون موقف ضعف من المغرب.. الجهوية الموسعة : أتمنى ألا نتوقف عند المصطلح وننسى المفهوم.. الحرية : مسؤولية.. مجلة نيشان : أما الزبد فيذهب جفاء .. رشيد نيني : ظاهرة صحية..مشكلته أن القانون عندنا أمي لا يقرأ ما تنشره الصحف.. * كلمة أخيرة .. ** أشكركم على هذه الاستضافة..وأتمنى أن يجد القارئ فيها ما يفيد.. أجرى معه الحوار : عبدالجليل ادريوش [email protected]