محمد لكموش :باحث في العلوم السياسية أضحت الديمقراطية في العصر الحديث تفرض نفسها أكثر من أي وقت مضى، لاعتبارات عدة منها فشل نموذج حكم المستبد العادل، والنموذج القائم على الايدولوجية الاشتراكية القائم على الحزب الحاكم، وكذا مع محدودية التجربة الرأسمالية القائمة على تقديس الفرد على حساب الجماعة، من خلال تكديس الثروة بيد الأقلية، وهو ما نتج عنه استعباد الآخر وتفقيره، لذا كان الخيار على الطبقة الوسطى وعلى فلسفة الديمقراطية القائمة على العدالة الاجتماعية؛ غير أن نقل النموذج الديمقراطي إلى دول العالم الثالث، صاحبته مجموعة من التحريفات والانزلاقات في التصور والنتائج الأمر الذي جعلنا نسقط رهين تحليل برتران بادي حول الدولة المستوردة تغريب النظام السياسي، موضحا بأن الأشياء عندما تستورد وتنتقل من بيئة اجتماعية وثقافية وتاريخية مغايرة تحدث انفلاتا في المعاني وانحرافا في المقصد بل إنها تفقد فعاليتها وخصائصها وتصبح محملة بمعاني جديدة تتجه نحو إعادة تكوين المسرح السياسي المندرجة داخله وفقا لأشكال مقتبسة، تجعله يزداد تبعية؛ لكن رغم كل ذلك ظلت الديمقراطية في قلب اهتمامات الفاعلين السياسيين بالنسبة للنموذج المغربي، بالنظر إلى أنها اكتشفت أنه لا سبيل للفكاك من نموذج الدولة الراعية إلى نموذج الدولة الحارسة إلا بالاختيار الديمقراطي؛ غير أنه ظلت هذه الديمقراطية في علاقتها مع الدولة من جهة والأحزاب السياسية من جهة أخرى، ديمقراطية موضوع مزايدات بالنظر إلى أن كل طرف كان يتمثلها في الحدود التي ترضيه من جهة ولا تأذيه من جهة أخرى، كيف ذلك؟؛ بالنسبة للدولة جعلت الممارسة الديمقراطية في عهد ما قبل دستور 2011 منحصرة في حدودها الدنيا المتمثلة في ممارسة شكلية تبتغي من ورائها إضفاء نوع من الشرعية على النظام المتسم بالعنف تارة والضبط تارة أخرى، بمعنى آخر استبدل شعار "حكم القانون" بشعار أكثر غرابة هو "الحكم بالقانون"؛ فالديمقراطية تعني من بين ما تعنيه: * جعل الشعب مصدر السلطات، وأن لا تكون هناك بشكل ظاهر أو مبطن سيادة أو وصاية لفرد أو لقلة دينية أو اجتماعية أو أسرة حاكمة، على الشعب أو احتكار للسلطة أو الثروة العامة أو النفوذ؛ * المواطنة الكاملة المتساوية الفاعلة، باعتبارها مصدر الحقوق ومناط الواجبات دون تمييز من خلال الحق المتساوي في الثروة والمناصب العامة التي لا يجوز لأي كان أن يدعي فيها حقا خاصا دون الآخرين؛ * التعاقد المجتمعي المتجدد المتجسد في دستور ديمقراطي ملزم لكل مواطن من خلال المساهمة في وضعه عبر جمعية تأسيسية منتخبة؛ * قيام أحزاب ومنظمات المجتمع المدني على قاعدة المواطنة وممارسة الديمقراطية داخلها وفيما بينها؛ لذلك فإن التزام الأحزاب بقاعدة المواطنة في عضويتها قولا وفعلا وقياسها بممارسة ديمقراطية داخلها، هو الضمانة للممارسة الديمقراطية في الدولة، لكونه مرشح دائما للتداول على السلطة، فكيف له إذا كان قائما على الاقصاء أن يحكم دولة ديمقراطية، وهذه هي الديمقراطية في المجتمع وهي الأساس للديمقراطية في الدولة أو الضمانة لسلامة الممارسة، لذا كان الدستور رافضا لقيام أي أحزاب ذات أساس ديني أو طائفي أو إثني أو جهوي، وأخيرا الاحتكام إلى شرعية دستور ديمقراطي؛ وإذا كانت الغاية من تأسيس أحزاب ديمقراطية هو خلق حياة سياسية سليمة إلا أن مجموعة عوامل تطرح سؤال هل الأمر يتعلق بحياة سياسية سليمة أم بلعبة سياسية هشة؟. * في مقومات حياة سياسية ديمقراطية: * احترام نتائج الانتخابات التي كرست منذ وصول الملك محمد السادس للحكم، ابتداء من الانتخابات التشريعية ل 2002 إلى غاية انتخابات 2011، من خلال تحييد تدخل وزارة الداخلية، أو المال الحرام فيها. * التداول على السلطة من خلال ما كرسه دستور 2011، من خلال تطبيق البرنامج الانتخابي للحزب الفائز بأغلبية الأصوات. * احترام مبدأ فصل السلط بعدما تم الارتقاء بالقضاء إلى سلطة مستقلة عن السلطتين التشريعية والتنفيذية. * إعادة الاعتبار لدور المجتمع المدني من خلال الصلاحيات الجديدة الممنوحة له، من خلال الحق في تقديم الملتمسات والعرائض. * في مقومات اللعبة السياسية: * تأثيث المشهد الحزبي بتعدديةصورية، تعمل على تزكية خيارات السلطة. * غياب معارضة حقيقية تعكس اختيارات المجتمع، بقدر ما تتقن تبادل الأدوار والمصالح. * عدم احترام إرادة الناخبين أثناء كل عملية انتخابية، من خلال تدخل السلطة للتحكم في الخريطة السياسية. * التناوب على الوظيفة التنفيذية لعمل الحكومة، دون القدرة على تطبيق البرنامج الانتخابي، بالنظر إلى كون البرنامج الملكي هو المطبق من قبل الحكومات المتعاقبة. فأمامغيابأحزابديمقراطيةيجعلنانعيشتحترهانلعبةسياسيةقائمةعلىأحزابسياسيةغيرفاعلة،وغيرديمقراطية،غيرمنتجةللمعنىبلأصبحتأحزابالفرصةوالانتخاباتالموسمية، من خلال إضفاءنوعمنالمشروعيةعلىواقعسياسيمزيفغيرقادرعلىإنتاجالمعنىللفعلالسياسيالقائمعلىالتضحيةونكراتالذات،والفعالية؛ كل هذه الأمور تساؤل جميع الفاعلين السياسيين والمدنيين على نوع الديمقراطية الذي يبتغيها المجتمع، من أجل بناء مجتمع قوي يؤمن باختياراته، وحكومة قوية مسؤولة عن برنامجها، بعيدا عن الاختباء وراء المؤسسة الملكية، التي ما فتئت تدعو إلى إصلاح البيت الداخلي للأحزاب السياسية باعتبارها من الدعائم الأساسية لبناء مجتمع ديمقراطي حقيقي.