مع حلول تاريخ 09 دجنبر من هذه السنة سيخلد حزب الديمقراطيين الجدد ذكرى تأسيسه الأولى، وهي مناسبة يستعرض فيها الحزب، مساره التاريخي، ومراحل بناءه التنظيمي، ومنجزاته الانتخابية، وكذا آفاقه المستقبلية؛ وللوقوف على أهم المحطات البارزة في تاريخ الحزب لا بد من الرجوع للبدايات الأولى التي ساعدت في ظهور هذا المولود الحزبي الجديد في خضم ردود أفعال متباينة من قبل مختلف وسائل الإعلام بشأن تأسيس أول حزبسياسي لما بعد دستور فاتح يوليوز 2011، بالنظر إلى كون عموم المتتبعين للشأن السياسي اعتبروه، مجازفة غير ذات جدوى، لاعتبارات تتكرر عند كل تجربة حزبية جديدة، لكثرة عدد الأحزاب وتكرارها لنفس الخطاب السياسي، لكن ومن أجل الوقوف على أسباب تأسيس حزب الديمقراطيين الجدد والقيمة المضافة التي جاء بها، لا بد من الرجوع لكلمة مؤسس الحزب ورئيسه الأستاذ محمد ضريف، أثناء انعقاد المؤتمر التأسيسي للحزب ببوزنيقة بتاريخ 12 و 13 شتنبر 2014، وكذا اللقاء الذي عقده بمقر وكالة المغرب العربي للأنباء بتاريخ 30 شتنبر 2014، مع مختلف المنابر الإعلامية لتسليط الضوء على دوافع تأسيس الحزب والبرنامج السياسي الذي يقوم عليه؛ أولا: في دوافع تأسيس حزب الديمقراطيين الجدد أولا: السياق الوطني اعتبر رئيس الحزب الأستاذ محمد ضريف بأن فكرة تأسيس الحزب ليست وليدة الصدفة، وإنما برزت معالمها الأولى منذ وصول الملك محمد السادس للحكم الذي أكد على ضرورة إعادة الاعتبار للعمل السياسي، خاصة مع ظهور المفهوم الجديد للسلطة على مستوى الإدارة الترابية، هذا فضلا عن بعض المؤشرات المقلقة والمتمثلة في نسبة الامتناع عن التصويت والتي بلغت 63 في المائة التي سجلت خلال الانتخابات التشريعية ل 7 شتنبر 2007، وكذا العزوف السياسي الذي سجل خلال الانتخابات التشريعية لسنة 2011، وكذا أرقام الأمم المتحدةفي مجال التغطية الحزبية التي لاتتجاوز واحد في المائة على المستوى الوطني،كلها عوامل ساهمت على توافق إرادة مجموعة من المؤسسين على تأسيس حزب سياسي يحارب العزوف الانتخابي،حيث أن غالبية المؤسسين لا علاقة لهم بالعمل الحزبي بنسبة 85 فيالمائة،أما الفئة العمرية للحزبفلا تتجاوز45 سنة بنسبة 93 في المائة؛ لكن ومع ظهور "حركة لكل الديمقراطيين" سنة 2007، ومع تأسيس حزب الأصالة والمعاصرة سنة 2008، أرجأت الفكرة،بالنظر لقلة الامكانيات المتوفرة لديه، مقارنة مع حزب الأصالة والمعاصرة؛ فإذا كان هذا على مستوى السياق الزمني فإن هناك أيضاالسياق السياسي، المتمثل في رغبة مؤسس الحزب في مواجهة الثقافة العدمية وإقناع الكفاءات على الانخراط في الحياة العامة من أجل ترسيخ ثقافة سياسية نبيلة، لذا كان طموح الحزب هو العمل على مصالحة المواطنين بين المعرفة والسياسة والمصالحة بين السياسة والأخلاق من جهة أخرى؛ فرئيس الحزب الأستاذ محمد ضريف يرى بأنه عندما نتحدث عن ضرورة المصالحة بين المعرفة والسياسة، يلاحظ بأن الذين يمتلكون مؤهلات علمية لتدبير الشأن العام قد تراجعوا إلى الخلف وتركوا الذين لا يمتلكون هذه المؤهلات وهو ما ينتقده الرأي العام، لذا فإن مصلحة البلد تقتضي المراهنة على هذه الكفاءات والأطر لتوفرها على المعرفة الكافية، وهذا لا يكفي لأنه لا بد من ضرورة المصالحة بين السياسة والأخلاق وذلك من أجل التوفر على نخبة تتوفر على مصداقية لدى الرأي العام، حيث أن التوفر على مؤهلات بدون مصداقية لا يفيد الحزب،كما أن الاعتماد على المصداقية بدون مؤهلات لن يجدي، وبالتالي ضرورة الربط بين المعرفة والسياسة وبين السياسة والأخلاق. ثانيا: السياق الاقليمي يرى الحزب بأن رياح الربيع العربي التي اجتاحت العالم العربي ساهمت في التحررمن الخوف والقمع،لكن في مقابل ذلك أسست لتسلطية جديدة أكثرمن التسلطية القديمة،لأن هذه الأخيرة أقامت استبدادا مكشوفا حكم الناس بالقوة في حين أن التسلطية الجديدة حكمت الناس باسم صناديق الاقتراع نظرا للفهم المحدود لها للديمقراطية،في حين أن الديمقراطية هي منظومة إجرائية متكاملة،ذات أبعاد متعددة تقوم أساسا على الديمقراطية التشاركية والديمقراطية المواطنة، وهو ما يسعى الحزب على ترسيخه؛ فبالنسبة للديمقراطية المواطنة فهي من وجهة نظر الحزب تضمن احتراما لاختلاف وتدبيره وتتجاوز محدودية وأعطاب الديمقراطية التمثيلية. كما يطمح الحزب من خلالها على تكريس قيم تضامنية تحمي الفئات الضعيفة والهشة وتحرص على إحداث التوازن بين مختلف الفئات الإجتماعية. كما يهدف الحزب إلى تطوير ديمقراطية محلية قائمة على الجهوية المتقدمة حيث تعتبر الجهات محور البرامج التنموية الإجتماعية والإقتصادية للبلاد. أما بالنسبة للديمقراطية التشاركية فالحزب يعمل على تكريس قاعدة التكامل والتفاعل بين السلطات العمومية والمجتمع المدني على مستوى تدبير الشأن العام. كما يرى أن من مقتضيات هذها لديمقراطية التشاركية تيسير سبل الولوج السهل والشامل لجميع المواطنات والمواطنين إلى المعرفة والتكنولوجيات الحديثة والتواصل (أنظر وثيقة البرنامج السياسي على الموقع الالكتروني للحزب). ثالثا: السياق الدولي لقد كانت للتحولات الدولية دورها المهم، إذ أن الحزب وفي تشخيصه للتحولات الدولية، وقف على أهمية وضرورة وجود دولة ناظمة للتوازنات من خلال التوزيع العادل للثروة، بفضلها تساعد على تحقيق نوع من التوازن الاجتماعي بين طبقاته، وذلك أمام هيمنة تيار الليبرالية الجديدة الذي يهدف إلى إنتاج القيم الليبرالية المتوحشة التي تعيق الحراك الطبقي المنتج للتهميش والإقصاء؛ فالحزب يشدد على ضرورة تكريس الطابع التعاقدي للسلطة واعتبار المواطنين شركاء حقيقيين في إطارنظام شفاف ومنفتح على الجميع. ثانيا: الحزب وأدواره الجديدة في ظل دستور 2011 يعتبرحزب الديمقراطيين الجدد دستور فاتح يوليوز 2011 بوصلته، فهو بمثابة تجسيد سياسي وقانوني للتطلع المشروع للشعب المغربي نحو التقدم والحداثة. ويرى أن التنزيل الديمقراطي لهذا الدستور يدشن محطة تاريخية لانطلاق مسلسل التحول الديموقراطي بالمغرب. وفي هذا الإطار، يؤكد الحزب التزامه بالثوابت الأربعة الأساسية التي ينص عليها الدستور والمتمثلة في الإسلام السمح و الملكية الدستورية والوحدة الوطنية المتعددة الروافد والخيار الديمقراطي؛ لذا يرى الحزب بأن المؤسسة الملكية الناظمة للتوازنات هي الضامنة للحريات والحقوق الأساسية واستقلال القضاء وللتناوب السياسي. كما هي الراعية للتنمية المندمجة والشاملة التي تطال جميع الجهات والفئات الإجتماعية.(أنظر البرنامج السياسي للحزب، نفس المرجع أعلاه)؛ لذا يعتبر الأستاذ محمد ضريف بأن الأولوية الملقاة على عاتق كل المهتمين بالشأن الحزبي هو بناء أحزاب جديدة بقواعد لعبة مختلفة عن الماضي، معتبرا بأن تأسيس حزب الديمقراطيين الجدد ليس الحزب رقم 34 وإنما هو الحزب الأول الذي يتأسس في عهد الملكية الثانية للملك محمد السادس، معلنا عن انتهاء عهد الملكية التنفيذية التي تم دفنها مع خطاب 9 مارس 2011؛ ثالثا: في دحض أطروحة احتكار الأحزاب السياسية من قبل الأعيان لقد كان التحدي الذي أخذه الحزب على عاتقه ومنذ تأسيسه تكسير قاعدة تأسيس الأحزاب من قبل الأعيان أو الوجهاء، وبالتالي يعتبر نفسه أنه ربح الرهان وكسب التحدي،وهو الموقف الذي جعله منذ البداية ضد التحاق الأعيان به، وذلك حتى لا يفقد حرية اتخاذ قرارته؛ إن هذا المبدأ الذي آمن به الحزب هو الذي جعله يشتغل بإمكانياته المحدودة، ومثال ذلك ما رافق عملية جمع ملفات المؤسسين حيث أن الحزب لم يتكبد عناء التنقل بين الجهات والأقاليم قصد جمع الملفات، بل إنه كان يتوصل بها من المؤسسين،مستغلا وسائل الاتصال الحديثة وكذا شبكة العلاقات التي سبق لرئيس الحزب أن نسجها لمدة ناهزت الثلاثين سنة من البحث أو كانت أحزاب سياسية أوجمعيات المجتمع المدني،إن هذا الإرث الذي راكمه الأستاذ محمد ضريف جعلت منه رجل يجمع بين الجانب النظري والتطبيقي بين العلم والسياسة. رابعا: الحزب والموقف من الملكية البرلمانية يستغرب الحزب لبعض التحليلات التي تريد أن تضفي مبدأ الشرعية الحزبية على الأحزاب ذات الشرعية التاريخية، وهو ما يخالف المبدأ الدستوري الذي يضمن للمواطنين الحق في تأسيس الأحزاب، لذا يعتبر بأن الجهة الوحيدة التي تتمتع بالشرعية التاريخية هي المؤسسة الملكية. خامسا: الحزب والموقف من العلمانية فضلا عن موقف الحزب من ضرورة تركيز الأحزاب السياسية في علاقتها بالمواطنين على البحث في حل مشاكلهم، دون الدخول في قضايا الهوية والقيم، فإن الحزب وفي قراءته للأحزاب السياسية التي تعتمد على المرجية الإسلامية في برنامجها السياسي، فإنه يعمل على التمييز بين مستوى العلاقة بين الدين والدولة كمؤسسة ومستوى العلاقة بين الدين والسياسة كممارسة، من خلال الحديث عن مسألة "ثوابت" الدولة و"متغيرات" العمل الحزبي باعتباره ممارسة سياسية بامتياز؛ إذ هنا كإجماع في المغرب على ثوابت الدولة وهي ثلاثة : الإسلام والملكية الدستورية والوحدة الترابية والخيار الديمقراطي، فكما لايعقل أن يؤسس حزب سياسي وجوده على الدفاع عن الإسلام، فالإسلام والملكية الدستورية والوحدة الترابية والخيار الديمقراطي، هي مجال "المشترك" بين جميع المغاربة سواء كانوا يعملون داخل الأحزاب السياسية القائمة أو كانوا يعملون خارجها؛ إن التمييز بين مستوى علاقةالدين بالدولة ومستوى علاقة الدين بالسياسة كان محور الخطاب الملكي لعيد العرش بتاريخ 30 يوليوز 2003، الذي ذكر فيه بمرجعيات الدولة التي تقوم على: الملكية الدستورية المبنية على الدين الإسلامي والمستقلة عن الإمارة المشرقية ،وكذا بتذكيره بأن مذهب المغرب هوالمذهب المالكي، والذي يجب صيانته من خلال رفضه للمذاهب الدخيلة،والمرجعية الثالثة هي البيعة العصرية. وبخصوص حديثه عن العلاقة بين الدين والسياسة،أجاب بأن الدستور حسم فيها بكون المغرب دولة إسلامية، وبالتالي فلا مجال لوجود أحزاب سياسية تتخذ من الدين الإسلامي كمرجعية لها. أما فيما يخص بمجال ممارسات الفاعلين الآخرين، فهنا كحرص على الفصل بين الدين والسياسة من خلال إقامة حدود بين الفعل الديني والفعل السياسي. فالفاعلون الدينيون كالعلماء بامتداداتهم التنظيمية كالمجلس الأعلى للعلماء أوالمجالس العلمية المحلية أو رابطة علماء المغرب التي أصبحت تحمل اسم الرابطة المحمدية للعلماء من جهة والجمعيات الدينية من جهة أخر ىينبغي أن يظلوا بمنأى عن مناورات الحقل السياسي، كما أن الفاعلين السياسيين كالأحزاب السياسية والجمعيات ذات الصبغة السياسية ينبغي أن يظلوا بعيدين عن الحقل الديني. والفصل بين الدين والسياسة في ممارسات الفاعلين سواء كانوا دينيين أوسياسيين يجد مشروعيته في اختلاف طبيعة كل من الحقل الديني والحقل السياسي. فالحقل الأول، أي الحقل الديني هومجال البحث عن الوحدة، وحدة الأمة على مستوى العقيدة والمذهب، ولهذا الاعتبار هنا كاستحضار لمبدأ الإجماع، أماالحقل الثاني،أي الحقل السياسي، فهو مجال الاختلاف الديمقراطي، ولهذا الاعتبار هناك تشديد على مبدأ التعددية . هذا الأمر هو الذي ترجمه قول الملك: "السياسة والدين في نظام الملكية الدستورية المغربية لا يجتمعان إلا في الملك أمير المؤمنين،حريصين في تقلدنا لهذه الأمانة العظمى، على أن تزاول السياسة في نطاق المنظمات والمؤسسات والفضاءات الخاصة بها، وأن يمارس الشأن الديني داخل المجالس العلمية، والهيآت المؤهلة، والمساجد وأماكن العبادات، في ظل احترام حرية ممارسة الشعائر الدينية،التي نحن لها ضامنون". سادسا: الحزب والموقف من وزارة الداخلية اعتبر الحزب بأن الطبقة السياسية كانت لها دائما موقفا من وزارة الداخلية، باعتبارها المسؤولة عن تفريخ الاحزاب وتشتيتها، والعمل على إضعافها، غير أن الأستاذ محمد ضريف يعتبر بأن ذلك كان في مرحلة تاريخية سابقة، لذا يعتبر بأن وزارة الداخلية كانت دائما منفتحة على الباحثين الجامعيين، وذلك من خلال طلب إنجاز دراسات وبحوث من قبلهم. سابعا: البرنامج السياسي للحزب يسجل الحزب أن هناك هواية على مستوى الممارسة وشعبوية على مستوى الخطاب، لذا هدفه هو ملاءمة الواقع من خلال إحداث مصالحة بين المثقف والسياسي. فالحزب يعبر عن اقتناعه الراسخ بأن التنمية والنهضة الشاملتين لبلدنا لن تتحقق إلا عبراعتماد مقاربة منهجية تعتمد على الفعالية والنجاعة وإعداد مخططات على المدى القصير والطويل تشرك أحسن الكفاءات المغربية في الداخل والخارج وتستلهم من التجارب الناجحة العالمية بعيدا عن المشاحنات الإيديولوجية والسياسية وهو بذلك يؤمن بنموذج حزبي يتورع عن الخوض في الخصومات السياسية الشعبوية التي تضفي على المشهد السياسي طابع الفرجة غير المجدية، بل ويعتبر أن الممارسة السياسية هي أساسا فعل مسؤول وهادف محكوم بأبعاد أخلاقية وثقافية. لذا يشدد على أن نجاح هذه المنهجية تستدعي تضافر جهود جميع المغاربة من أجل تطوير العقليات في اتجاه تكريس قيم العمل والتعبئة من أجل خدمة الصالح العام وأداء الواجب واحترام القانون والمؤسسات (من وثيقة البرنامج السياسي للحزب). ثامنا: الحزب والموقف من الحركات الاسلامية يسجل الحزب بأن السياق الذي أوصل الحركات الإسلامية للسلطة، يجب وضعه في إطاره العام، وذلك نتيجة التضييق على الحريات التي مورس ضدها في مرحلة تاريخية معينة، فضلا عن ضعف الأحزاب السياسية التي استطاعت أن تستغله لصالحها، لذا يرى الحزب بأن هدف هذه الحركات كان دائما هو ممارسة السياسة وإن كان تحت غطاء ديني، وهو ما جعلها لم تخرج عن منطق اشتغال الحركات اليسارية، من خلال ممارستها للشحن السياسي وإهمالها لدورها الأهم المتمثل في تأطير المواطنين وهو ما انعكس سلبا على مستوى التنمية السياسية.