يحفل تاريخ الكفاح الوطني ضد الاستعمار بعدد هام من المحطات الحاسمة والمفصلية على درب استرجاع السيادة الوطنية ونيل الاستقلال تبقى أبرزها وأيقونتها ملحمة ثورة الملك والشعب التي سيخلد الشعب المغربي قاطبة وبكل فخر واعتزاز بعد غد الخميس ذكراها الثانية والستين حيث جسدت أروع صور التلاحم بين العرش والشعب لإحباط مناورات الاستعمار الرامية إلى النيل من عزيمتهما في نضالهما المستميت من أجل الانعتاق من نير الوصاية وربقة الاستعمار. وقد اندلعت الشرارة الأولى لهذه الثورة الخالدة يوم 20 غشت 1953 حينما امتدت أيادي الاستعمار الغاشم إلى أب الأمة وبطل التحرير جلالة المغفور له محمد الخامس حيث أقدمت على نفيه والأسرة الملكية الشريفة إلى جزيرة كورسيكا ومنها إلى مدغشقر متوهمة بذلك أن هذه المناورة ستفسح لها الطريق على مصراعيه لتنفيذ مخططاتها الساعية للهيمنة وستحبط همم الوطنيين وفي مقدمتهم نساء ورجال المقاومة الأشاوس وبقية أفراد الشعب المغربي الوفي للسير قدما بكل شجاعة وحزم من أجل التصدي للمخططات الاستعمارية بكل ما كانت تنطوي عليه من مخاطر ودسائس. وكان للمواقف الشجاعة والمقدامة لجلالة المغفور له محمد الخامس الذي فضل المنفى السحيق على التفريط قيد أنملة في سيادة المغرب ووحدته الوطنية وقع كبير وحاسم في اندلاع انتفاضة 20 غشت 1953 وهو الذي لم يخامره أدنى شك في وفاء شعبه له وتشبثه به ووقوفه إلى جانبه في تلك المحنة. فما أن انتشر خبر نفيه طيب الله ثراه حتى خرج الشعب المغربي عن بكرة أبيه وبكل فئاته وشرائحه في مختلف أرجاء البلاد في انتفاضة عارمة في وجه الإقامة العامة الفرنسية ليفجر غضبه ويؤكد رفضه المطلق لإبعاد الملك الشرعي عن عرشه ووطنه وليضرب بذلك مثلا رائعا للوفاء لملك أبي وليؤكد استحالة المساس بتلك العروة الوثقى التي تربطه بالملك الشرعي وأسرته الشريفة. ولم يدر بخلد الإقامة العامة الفرنسية أن إقدامها على مغامرة غير محسوبة العواقب ستكون بداية النهاية للوجود الاستعماري في المغرب إذ تشكلت آنئذ خلايا المقاومة والتنظيمات السرية وانتشرت الاحتجاجات وانطلقت العمليات الفدائية البطولية مستهدفة غلاة الاستعمار ومصالحه وأزلامه حيث ضحى المغاربة وقتئذ بالغالي والنفيس في سبيل الحفاظ على مقومات السيادة المغربية. وهكذا لم يهدأ بال لنساء ورجال المقاومة والوطنيين الأفذاذ الذين قدموا نموذجا عز نظيره في المقاومة والصمود لدحر قوات الاستعمار متحملين أصناف التعذيب والتنكيل إلا بعودة المشروعية مجسدة في رمز وحدة الأمة المغربية وبطل التحرير جلالة المغفور له محمد الخامس إلى أرض الوطن حاملا لواء الحرية والانعتاق من براثن الاستعمار وإذا كانت ملحمة ثورة الملك والشعب قد شكلت محطة تاريخية حاسمة في مسيرة النضال الذي خاضه المغاربة طيلة عقود لدحر قوات الاحتلال فإنها جاءت لتتوج سلسلة من المعارك المفصلية من قبيل معارك الهري بالأطلس المتوسط (1914) وأنوال بالريف (1921) وبوغافر بورزازات وجبل بادو بالرشيدية (1933) وهي المعارك التي سطر خلالها رجال المقاومة أروع الملاحم البطولية أمام قوات الاستعمار. وتلى هذه المعارك تقديم وثيقة المطالبة بالاستقلال يوم 11 يناير 1944 ثم زيارة الوحدة التاريخية التي قام بها جلالة المغفور له محمد الخامس يوم تاسع أبريل 1947 إلى مدينة طنجة والتي ألقى خلالها خطابا تاريخيا حدد فيه معالم مرحلة النضال القادمة وكان من تداعياتها إقدام سلطات الإقامة العامة على نهج كل أساليب التضييق على رمز المقاومة المغربية ليس أقلها التطاول عليه ونفيه رفقة أسرته الملكية. وأمام ارتفاع وتيرة أعمال المقاومة وصمود المغاربة في وجه المخططات الاستعمارية الرامية إلى النيل من سيادة البلاد وبالخصوص عقب انطلاق عمليات جيش التحرير بشمال المغرب سنة 1955 لم يكن للإدارة الاستعمارية من خيار سوى الرضوخ لإرادة العرش والشعب اللذين تكلل كفاحهما بعودة جلالة المغفور له محمد الخامس وأسرته الشريفة يوم 16 نونبر 1955 إلى أحضان الوطن الذي عمته مظاهر الفرحة من شماله إلى جنوبه ومن شرقه إلى غربه إيذانا بزوال عهد الحجر والوصاية وانبثاق عهد الحرية والاستقلال. وستظل ملحمة ثورة الملك والشعب بالنظر لما حملته من عبر ودروس ودلالات عميقة ممثلة في قيم الوفاء والتضحية وحب الوطن والاعتزاز بالانتماء إليه راسخة في ذاكرة المغاربة حيث جسدت بامتياز ذلك التلاحم القوي بين العرش والشعب الذي لا يزداد مع مرور الحقب والأزمنة إلا قوة ورسوخا. وإذا كانت هذه الملحمة قد شكلت بالأمس ثورة للتحرير والانعتاق فإن المغرب يشهد اليوم تحت القيادة النيرة والمتبصرة لحفيد بطل التحرير صاحب الجلالة الملك محمد السادس ثورة هادئة على درب الازدهار الاقتصادي والرقي الاجتماعي وترسيخ قيم الحداثة والديمقراطية وهو ما يستدعي من المغاربة كافة أن يظلوا أوفياء لروحها وأن يستلهموا منها العبر والدروس خاصة وأن "هذه الملحمة التاريخية شكلت مدرسة للوطنية المغربية الحقة" كما قال جلالته في خطابه بمناسبة الذكرى الذهبية لثورة الملك والشعب. ومع: 18/08/2015 ثورة الملك والشعب.. أيقونة النضالات والملاحم البطولية للاستقلال الوطني يخلد الشعب المغربي يوم الخميس 20 غشت الجاري الذكرى ال62 لملحمة ثورة الملك والشعب التي جسدت أروع صور التلاحم في مسيرة الكفاح الوطني الذي خاضه الشعب المغربي الوفي بقيادة العرش العلوي الأبي في سبيل حرية الوطن وتحقيق استقلاله ووحدته. وقد اندلعت هذه الملحمة المباركة يوم 20 غشت 1953 حينما امتدت أيادي المستعمر الغاشم إلى أب الأمة وبطل التحرير والاستقلال والمقاوم الأول جلالة المغفور له محمد الخامس رضوان الله عليه لنفيه وأسرته الملكية الشريفة وإبعاده عن عرشه ووطنه متوهمة بذلك أنها ستخمد جذوة الكفاح الوطني وتفك العرى الوثيقة والترابط المتين بين عرش أبي وشعب وفي. وأكدت المندوبية السامية لقدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير في مقال بالمناسبة أن المؤامرة الاستعمارية الدنيئة كانت بداية النهاية للوجود الاستعماري وآخر مسمار يدق في نعشه صامدا في وجه هذه المؤامرة الدنيئة مضحيا بالغالي والنفيس في سبيل عزة وكرامة الوطن والحفاظ على سيادته ومقوماته وعودة الشرعية والمشروعية بعودة رمز وحدة الأمة المغربية مظفرا منتصرا حاملا لواء الحرية والاستقلال. وهكذا تضيف المندوبية واجه المغرب الأطماع الأجنبية وتصدى بإيمان وعزم وقوة وإصرار لإنهاء الوجود الاستعماري على ترابه كما تدل على ذلك روائع وأمجاد مقاومة المغاربة لقوات الاحتلال الأجنبي بكافة جهات المملكة. ومن ذلك معركة الهري بالأطلس المتوسط سنة 1914 ومعركة أنوال بالريف من 1921 إلى 1926 ومعركة بوغافر بورزازات ومعركة جبل بادو بالرشيدية سنة 1933 لتتواصل جذوة الكفاح الوطني بأساليب العمل السياسي التي ظهرت أولى تجلياتها في مناهضة ما سمي بالظهير البربري سنة 1930 الذي كان من أهدافه شق الصف الوطني والتفريق بين أبناء الشعب المغربي لزرع التمييز العنصري والنعرات القبلية والطائفية. وتلا ذلك تقديم سلسلة من المطالب الإصلاحية ومنها برنامج الإصلاح الوطني وإذكاء روح التعبئة الوطنية وإشاعة الوعي الوطني والتشبع بالقيم الوطنية والدينية ونشر التعليم الحر الأصيل وتنوير الرأي العام الوطني وأوسع فئات الشعب المغربي وشرائحه الاجتماعية بالحقوق المشروعة وبعدالة المطالب الوطنية. وتوج هذا العمل الدؤوب بتقديم الوثيقة التاريخية وثيقة المطالبة بالاستقلال في 11 يناير 1944 التي جسدت وضوح الرؤيا والأهداف وعمق وقوة إرادة التحرير والتي تمت بتنسيق تام بين بطل التحرير والاستقلال جلالة المغفور له محمد الخامس طيب الله ثراه والحركة الوطنية. وشكلت وثيقة المطالبة بالاستقلال منعطفا حاسما في مسيرة الكفاح الوطني من أجل حرية المغرب واستقلاله وطموحاته المشروعة وتطلعاته لبناء مستقبل جديد وإنجاز مشروعه المجتمعي والتحريري. وفي يوم 9 أبريل 1947 قام جلالة المغفور له محمد الخامس بزيارة الوحدة التاريخية لمدينة طنجة حيث ألقى خطابه التاريخي الذي حدد فيه مهام مرحلة النضال القادمة مؤكدا رحمه الله مطالبة المغرب باستقلاله ووحدته الوطنية. وقد كانت تلك الزيارة الوحدوية محطة كبرى جسدت إرادة حازمة في مطالبة المغرب جهرا باستقلاله وتأكيده على وحدته وتشبثه بمقوماته التاريخية والحضارية وتمسكه بانتمائه العربي والإسلامي وتجنده للدفاع عن مقدساته الدينية وثوابته ومقوماته وهويته. وكان من تداعيات هذه الزيارة الملكية الميمونة احتدام الصراع بين القصر الملكي وسلطات الإقامة العامة التي وظفت كل أساليب التضييق على رمز المقاومة المغربية محاولة الفصل بين الملك وشعبه وطلائع الحركة الوطنية والتحريرية. وهكذا وأمام التحام العرش والشعب والمواقف البطولية لجلالة المغفور له محمد الخامس طيب الله ثراه الذي ظل ثابتا في مواجهة مخططات الإقامة العامة الفرنسية لم تجد السلطات الاستعمارية سوى الاعتداء على رمز الأمة وضامن وحدتها ونفيه هو والعائلة الملكية في يوم 20 غشت 1953 متوهمة بأنها بذلك ستقضي على روح الوطنية والمقاومة. لكن المقاومة المغربية تصاعدت وتيرتها واشتد أوارها لتبادل ملكها حبا بحب ووفاء بوفاء مثمنة عاليا الموقف الشهم لبطل التحرير والاستقلال الذي آثر المنفى على التنازل بأي حال من الأحوال عن عزة وسيادة الوطن. في حمأة هذه الظروف العصيبة اندلعت أعمال المقاومة والفداء التي وضعت كهدف أساسي لها عودة الملك الشرعي وأسرته الكريمة من المنفى إلى أرض الوطن وإعلان الاستقلال. وعمت المظاهرات والوقفات الاحتجاجية وأعمال المقاومة السرية والفدائية وتكللت مسيرة الكفاح الوطني بانطلاق عمليات جيش التحرير بشمال البلاد في فاتح أكتوبر من سنة 1955. وبفعل هذه الثورة المباركة والعارمة لم يكن من خيار للإدارة الاستعمارية سوى الرضوخ لإرادة العرش والشعب فتحقق النصر المبين وعاد الملك المجاهد وأسرته الشريفة في 16 نونبر 1955 من المنفى إلى أرض الوطن لتعم أفراح العودة وأجواء الاستقلال وتبدأ معركة الجهاد الأكبر الاقتصادي والاجتماعي لبناء صروح المغرب الحر المستقل وتحقيق وحدته الترابية. وتواصلت مسيرة التحرير واستكمال الاستقلال الوطني باسترجاع طرفاية سنة 1958 وسيدي افني سنة 1969 لتتوج هذه الملحمة البطولية بتحرير باقي الأجزاء المغتصبة من الصحراء المغربية بفضل التحام العرش والشعب وحنكة وحكمة مبدع المسيرة الخضراء المظفرة جلالة المغفور له الحسن الثاني تلكم المسيرة الغراء التي مثلت نهجا حكيما وأسلوبا فريدا في النضال السلمي لاسترجاع الحق المسلوب وحققت المنشود منها بجلاء آخر جندي أجنبي عن الصحراء المغربية في 28 فبراير 1976 واسترجاع إقليم وادي الذهب في 14 غشت 1979. إن تاريخ الكفاح الوطني طافح بالمكارم والأمجاد ويحفل سجله بالدروس والعبر المفعمة بالقيم والمثل العليا التي ستظل منقوشة في الضمائر حاضرة في الوجدان ماثلة في الأذهان. وفي هذا السياق أكدت المندوبية أن "أسرة الحركة الوطنية والمقاومة وجيش التحرير وهي تستحضر أقباس ملحمة ثورة الملك والشعب المجيدة لتغتنم مناسبة تخليد هذه الذكرى العطرة لتجدد ولاءها وإخلاصها للعرش العلوي المجيد وتعلن عن استعدادها الكامل وتعبئتها الشاملة وراء صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله من أجل الدفاع عن وحدتنا الترابية غير القابلة للتنازل أو المساومة مثمنة المبادرة المغربية القاضية بمنح حكم ذاتي موسع لأقاليمنا الصحراوية المسترجعة في ظل السيادة الوطنية". وأبرزت المندوبية أن هذا "المشروع الذي حظي بالإجماع من لدن أوسع فئات الشعب المغربي وأطيافه السياسية ولقي الدعم والمساندة في المنتظم الأممي الذي اعتبره آلية ديمقراطية واقعية ومتقدمة تتماهى مع الشرعية الدولية بالإضافة إلى أنه من شأن المقترح المغربي أن يشكل حلا نهائيا لهذا النزاع المفتعل الذي يعمل خصوم الوحدة الترابية على تأبيده والزج بشعوب المنطقة في ما لا تحمد عقباه". وفي هذا المضمار استشهدت أسرة المقاومة بما ورد في الخطاب السامي لجلالة الملك محمد السادس نصره الله بمناسبة الذكرى ال16 لعيد العرش المجيد والذي جاء فيه "وبخصوص قضية وحدتنا الترابية فقد حددنا في خطابنا بمناسبة ذكرى المسيرة الخضراء بطريقة واضحة وصريحة مبادئ ومرجعيات التعامل مع ملف الصحراء المغربية على الصعيدين الداخلي والدولي. وقد أبانت التطورات التي عرفتها هذه القضية صواب موقفنا على المستوى الأممي وصدق توجهاتنا على الصعيد الوطني حيث سيتم بعون الله وتوفيقه الانطلاق في تطبيق الجهوية المتقدمة والنموذج التنموي للأقاليم الجنوبية للمملكة. غير أن هذا لا يعني أننا طوينا هذا الملف. بل على الجميع مواصلة اليقظة والتعبئة من أجل التصدي لمناورات الخصوم ولأي انحراف قد يعرفه مسار التسوية الأممي". وذكرت المندوبية أن أسرة الحركة الوطنية والمقاومة وجيش التحرير "وهي تخلد الذكرى ال62 لثورة الملك والشعب المجيدة التي يقترن حلولها ببشائر أفراح الذكرى ال52 لعيد ميلاد صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله لتسعى وتحرص على تنوير أذهان الناشئة والأجيال الجديدة بقيم هذه الملحمة الكبرى واستلهام معانيها ودلالاتها العميقة في مسيرات الحاضر والمستقبل تماشيا مع التوجيهات الملكية السامية الداعية إلى التزود من ملاحم وبطولات الكفاح الوطني الزاخر بالدلالات والدروس والعبر".