تتمة للمقال السابق الذي ناقش أحداث السمارة الإرهابية في سياقها التاريخي والسياسي والديبلوماسي والعسكري وبعدها الإقليمي و الدولي، والذي بدأناه بتحليل الوضع من جانب الجزائر ثم البوليساريو، والآن نكمله بالتطرق للجانب المغربي ونختمه في جزء آخر بالمحيط الإقليمي والدولي. من جهة المغرب: لقد كانت قضية استكمال الوحدة الترابية للمملكة همّ ثلاث ملوك منذ استقلال المغرب، خاصة وأن البلاد ابتليت بمستعمرين قسما البلاد لثلاث مناطق بل واقتطعا أراضي مغربية تاريخيا وسياسيا وضمها لبلدان أخرى. وبعد المسيرة الخضراء واسترجاع الساقية الحمراء وواد الذهب عادت مساحات كبيرة لحاضنة الوطن، لكن للأسف ولأسباب منها الحرب الباردة والصراع الإديولوجي وارث الفكر التوسعي للبعض، وجد المغرب نفسه مضطرا للدخول في صراع عسكري مع مليشيات البولزاريو بشكل مباشر وأطراف أخرى بشكل غير مباشر. ورغم حسمه للمواجهات العسكرية بشكل كبير لصالحه في النهاية، إلا أن الثمن كا كبيرا سواء من ناحية الشهداء أو من الناحية الإقتصادية، فقد استنزفت ميزانية البلاد مادفع بالحكومات المتتالية لاجراء ات تقشفية وهو أشعل العديد من الإحتجاجات والمظاهرات الكبيرة والعنيفة أحيانا في عدة مدن مغربية. دفعت هذه الأمور بالإضافة لأمور أخرى المغرب للتوقيع على اتفاقية وقف اطلاق النار سنة 1991، وقد علق المغفور له الحسن الثاني على ذلك في كتابه ذاكرة ملك بأنه تصعب الاستمرار في حرب تشتري السلاح فيها بالعملة الصعبة في حين يحصل عليه عدوك مجانا، في اشارة للدعم السخي للقدافي وبعده الجزائر. لكن المغرب لم يعتبر وقف إطلاق النار نهاية للصراع أو تجميدا له، بل اعتبره إنطلاقا لحرب كبيرة لكن باستراتيجية جديدة وخطة شمولية، فجعل من الديبلوماسية رأس الحربة و التنمية الإقتصادية خاصة بالأقاليم الجنوبية عماده، دون إغفال الجانب العسكري. ديبلوماسيا وضع المغرب خطة مدروسة ورزينة محددة الأهداف أتبثت نجاعتها النجاحات المتتالية إما بعدد القنصليات التي افتتحت بالأقاليم الجنوبية، أو عبر العدد المتزايد للدول التي تدعم اقتراح المغرب، أو تراجع الإعتراف بالكيان الوهمي وغيرها من النجاحات التي فضحت ادعاء ات الكيان على المستوى الأممي وإدخاله في عزلة متزايدة. أما على مستوى التنمية فقد شهدت الأقاليم الجنوبية تطورا كبيرا في البنية التحتية والخدمات وأيضا في الأنشطة الاقتصادية والتي يستعد المغرب لنقلها للسرعة القصوى بإطلاق مشاريع كبرى على الساحل الأطلسي. من الناحية العسكرية حرص المغرب على رفع جاهزية واحترافية قواته الملكية المسلحة بانخراطه في الفديد من المناورات العسكرية الدولية أهمها مناورات الأسد الإفريقي، وكذلك سعى لتطوير ترسانته العسكريا نوعا بالأساس، وتنويع مصادره وزيادة ميزانية الدفاع لتقارب 12 مليار دولار. وقد ظهرت نتائج هذا النهج بشكل واضح منذ أحداث الكركرات فبعد أن أبعدت القوات الملكية المسلحة المخربين، فقد نجحت في جعل المنطقة العازلة منطقة محرمة عن ملشيات البولساريو التي طالما تحركت فيها بأريحية، ودفعها للرجوع لقواعدها الخلفية داخل المناطق الخاضعة للجزائر. وبالعودة لأحداث السمارة، فقد اختار المغرب التعامل معها بشكل رزين وحكيم، ولم ينجر وراء استفزاز البولساريو ومن خلفها الجزائر بإعلان الحرب أو بالإنسحاب من اتفاقية وقف إطلاق النار. بل تصرف كدولة ذات سيادة ملتزمة بالقانون الدولي، فاعتبر الحادث عملا جنائيا ووجه السلطات المختصة للتحقيق وجمع الأدلة مع التأكيد على لسان الممثل الدائم للمغرب بالأمم المتحدة السيد عمر هلال أن الأمر لن يمر دون عقاب. وهذا من شأنه منح مزيد من الوقت للمغرب هتى يختار شكل ونوع وتوقيت الرد ليحقق أكبر قدر من المكاسب. وقد رجح بعض المحللين أنه قد يزيل المغرب المنطقة العازلة وبالتالي ازالة أي هامش جغرافي للملشيات للتحرك وتحميل الجزائر كامل المسؤولية لأي عمل إرهابي ينطلق من الأراضي الخاضعة لها. بعد رفض الجزائر اليد الممدودة للمغرب وكل محاولات المغرب للبحث عن الحل وتجاوز الخلافات لما فيه مصلحة الشعبين، وجد المغرب نفسه مضطر للتعامل مع أي استفزاز بكثير من التريت ورباطة الجأش، فللمغرب كثير لتحافظ عليه بينما عدوه لاشيء لديه ليخسره. فكما أكد صاحب الجلالة في خطاب السيرة الخضراء الأخير أن المغرب بلد مستقر ذو مصداقية، وهو منخرط في أوراش كبرى اقتصادية واجتماعية ورياضية يسعى أعداءه لتعطيلها أو على الأقل التشويش عليها قدر الإمكان. غير أن المنهجية والزخم الذي يسير به المغرب لحل قضيته الأولى يبشر إلى الإقتراب من الحل النهائي وانتصار التاريخ والواقع على كل المزاعم الوهمية. يتبع