تسلط الضوء زوجة الشريف الحاج عبد السلام الوزاني الإنجليزية الأصل ) إيميلي كين ( ضوءها على فترات مهمة من تاريخ المغرب الحديث في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، ويعتبر عملها التاريخي هذا إنجازا فريدا واستثنائيا على مستويات معرفية عدة، بالطبع فهي ليست بمؤرخة أو باحثة مختصة في السوسيولوجيا أو علم الانتروبولوجيا، وإنما مجرد كاتبة مهتمة ليس أكثر، حيث قامت بتحرير عملها باللغة الإنجليزية، وقام بترجمته على العربية مشكورا الأستاذ حسن الزكري، الذي تميزت ترجمته بالاحترافية والدقة العلمية والموضوعية مقارنة مع ترجمة سابقة تطرق لها في مقدمة هذا العمل المترجم، حيث عكس النص الأصلي؛ بأمانة علمية بالغة، مراعيا قواعد الترجمة وشروطها المحكمة، بعيدا عن كل ذاتية تتوخى الاستطراد أوالحشو على الهوامش، وذلك على غرار ما أنجزه في مؤلف الديبلوماسي والصحفي الانجليزيوالتر هريس المغرب الذي كان ، وكتاب قصة حياتي نشر بدعم من وزارة الشباب والثقافة والاتصال، وأنجزت الطبعة الأولى سنة 2023 بمطبعة باب الحكمة بتطوان . يقع كتاب قصة حياتي؛ بعد مقدمة المترجم، في ثلاثة وثلاثون فصلا وملاحق ثلاثة، يحمل حجما متوسطا، ويتسم بالتنوع المعرفي المتعلق بالشأن الديني بالمغرب، ومساهمة الزاوية الوزانية بدور رئيسي عبر ممثلها الشريف مولاي الحاج عبد السلام الوزاني، في الحياة الاجتماعية والسياسية بواسطة آليتي البركة والشرف التي لا تلتقي مع المشيخة الصوفية، ومع طلب العلم والتزود منه، إلا في حالات نادرة جدا كما هو شأن مؤسس الزاوية في السنوات العشر الأخيرة من القرن 16 الميلادي مولاي عبد الله الذي رحل إلى القصرالكبير للدراسة وطلب العلوم الفقهية، ونقلت الكاتبة المساهمة السياسية لزوجها في القرن التاسع عشر بأمر من السلطان المغربي مولاي الحسن الأول، الذي كلفه بالتدخل في بعض الأحداث الكبرى عبر الحدود مع الجزائر، نظرا لمكانة الشرفاء الوزانيين الذين كان إشعاعهم الديني والروحي يجد صدى له في كل من الجزائر وتونس وطرابلس، ليمتد حسب الكاتبة إلى تركيا ومصر والهند . الأسئلة أو الملاحظات التي يمكن تسجيلها أو تقديمها في نظري، يتمثل البعض منها في مسألة طلب الحماية الفرنسية، أو الحصول على الباصبور حسب تعبير الفقهاء، هذه الأخيرة - أي دولة فرنسا- لم تتردد بل سارعت لتلبية طلبه وإدراجه في حمايتها، لتوافق ذلك مع مصالح فرنسا، نظرا للإشعاع الروحي للزاوية الوزانيةبالجزائر الفرنسية آنذاك، وموافقة بريطانيا على هذه المبادرة لتزوجه بمواطنة إنجليزية، وتحفظ البلاط في فاس على هذه الخطوة، ليس لأن الثروة التي يمتلكها الشريف الوزاني أغلبها عبارة عن هبات وعطاءات من المخزن، بل لتخوفه أن تكون هذه الحماية مدخلا للتغلغل والتسرب الأجنبي إلى المغرب، وقد نقلت الكاتبة زوجة الشريف العلاقات التي اتسمتبالجزر والمد بين الشريف والبلاط في فاس، خاصة وأن الشريف قد لعب أدوارا مهمة لصالح فرنسا التي كانت تستعمر الجزائر؛ وذلك خلال تدخله في التمردات أو الانتفاضات التي كانت تقوم ضد فرنسا ومصالحها بالجزائر في القرن 19 الميلادي، تلك الأدوار التي كانت تعرف نجاحا حقيقيا، نظرا للمكانة التي يحف بها المواطنون المغاربيون رجال الدين المنحدرين من النسب الشريف، والذين هم في نظرهم بمثابة قديسين على الأرض . لم تكن الزاوية الوزانية أبدا نسقا سياسيا مضادا، بل كانت مصدرا لشرعنة المؤسسة المخزنية، وقد تناولت الكاتبة الانجليزية حياتها مع الشريف الوزاني بطريقة مثيرة وصادقة معبرة عن التبجيل والاحترام الكاملين لها من قبل الشريف، الذي طلق كل زوجاته المسلمات ليقترن بها، والتي رزقت منه بولدين ذكرين كانا لهما شأن، بعد وفاته سنة 1892 م، ومكانة معتبرة في الحياة السياسية والاجتماعية بشمال المغرب، رفقة إخوتهما غير الأشقاء، من زوجات أبيهم المسلمات . والملاحظة الأهم التي يمكن تسجيلها، إبان الرحلات والزيارات التي كان يقوم بها الشريف الوزاني إلى الجزائر المستعمرة آنذاك، وأيضا إلى عدد من المناطق في المغرب، تتعلق بالسبب الذي جعل الكاتبة تعرض عن عدم ذكر حادثة الأسواق النسائية بالريف، فقد نزل بالريف بعد منتصف القرن التاسع عشر الميلادي وفي عقوده الأخيرة؛ ونصب خيامه الفارهة أمام شواطئها، بعد توصله برسائل من أهل الريف، تطلب من الشريف حسب الكاتبة أن يتفضل بالمرور من منطقتهم حتى تحل عليهم البركة؛ بعد أن أصيبت محاصيلهم الزراعية بقحط شديد البأس والخطورة، جعلهم في وضعية جد صعبة، وقد تطرق الباحث المغربي محمد ضريف في العدد الأول من المجلة المغربية لعلم الاجتماع الصادرة سنة 1986 إلى الواقعة التاريخية والاجتماعية التي هزت المنطقة بعد حرب طويلة الأمد، استمرت لما يقرب عقدا من الزمن، بين قبائل رئيسية في أجدير وبعموم تراب آيت عري وآيت يوسف وعلي، والتي طلبت فيها ساكنة بلدة أجدير من الشريف إعمال آلية التحكيم في هذه النازلة أو الواقعة الشديدة التأثير على الحياة الاجتماعية والسياسية بالريف، وقد نجح الشريف حسب ماورد في المجلة المغربية المذكورة في حقن الدماء وإيقاف نيران هذا الاقتتال الدامي، واستقرار الساكنة على اختيار سوق للنساء في تراب بلدتهم تؤمه جميع النساء الريفيات بالمنطقة . بل إن الكاتبة، رغم أن الشريف الوزاني زار الريف مرتين، في المرة الأولى مع جماعة كبيرة من الخدم والعبيد والنساء، وهي موضوع بحث وتدخل الأستاذ محمد ضريف، وفي المرة الثانية رفقة زوجته البريطانية ونجله مولاي احمد فقط، فإنها لم تذكر قط في سياق الأحداث العديدة والكثيرة التي تناولتها، مسألة الأسواق النسائية، فأين يكمن الخلل ؟ علما أن الأستاذ الباحث محمد ضريف في كتابه مؤسسة السلطان الشريف بالمغرب التي هي عبارة عن دراسة تركيبية، تناول فيها أيضا، أهمية الزوايا بالمغرب؛ وضمنها دار الضمانة أو الزاوية الوزانية وفق مقاربة علمية ومنهجية رصينة . نحن لا نشك أبدا في قيمة ما كتبته إميلي كين عن الزاوية الوزانية وعن زوجها الشريف، الذي بقيت على صلة وثيقة به رغم الطلاق الذي حصل بينهما في آخر حياته، وزواجه من إحدى خادماته، فإن ذلك لم يكن له أي تأثير سلبي على أسرتهما، وظلت بجانبه حتى اللحظات الأخيرة من حياته، خاصة وقد ذكرت أسماء قبائل عديدة مرت بها أو نزلت وسطها رفقة زوجها في الريف الشرقي، والريف الغربي، وتمسمان من الريف الأوسط، وقد قضت في بلاد الريف على حد تعبيرها ثلاثون يوما، وذكرت أهم المظاهر الاجتماعية والثقافية والمؤسساتية بالمنطقة، ونزولها على حد تعبيرها بالحسيمة، وتحديدا بالمدينة القريبة منها، ولعلها تقصد مدينة بادس في بني يطفت، التي ربما قد تكون بعض معالمها لا تزال قائمة ولم تتعرض للانقراض أوالاندثار الكامل، ويؤكد هذا ذكرها لصخرة القميرة penon de la Gomera بمعنى جزيرة بادس المحتلة من قبل الأسبان، دون أن تشير من قريب أو بعيد للأسواق النسائية والحوادث المرتبطة بها في آيت يوسف وعلي . بيد أن الكاتبة، كانت تتعلل بأنها لا يمكنها تذكر جميع التفاصيل التي تمربها، وقد ساعدها ابنها الصغير في استحضار العديد من المواضيع، كما أن زوجها حذرها من الدوام على إبراز المحبرة والقلم، نظرا للشكوك التي يمكن أن تنتاب الساكنة، خاصة وقد رفضت قبيلة قلعية أن تستقبل في ترابها أحد الرحالة والمستكشفين الفرنسيين) هنري دوفرييه (؛ الذي طلبت الحكومة الفرنسية من الشريف الوزاني أن يسمح له بمرافقتهم، بسبب شكوكهم في أهداف الرحالة الفرنسي، في الوقت الذي أعلنوا فيه ترحيبهم المطلق والكبير بزوجته الإنجليزية الشريفة، الذي اقترن بها بعد جواز العلماء الدينيين له بذلك، لكونه لا يتعارض مع القرآن الكريم، أو أن تكون مسألة تحكيمه في الأسواق النسائية بالريف، تم دون علمها بذلك؛ وهو أمر مستبعد جدا، في بيئة غريبة عنها تطأها قدماها لأول مرة، إذ أن فرع الزاوية الوزانية لدى تأسيسها في أواخر القرن السابع عشر الميلادي تم في بني جميل مسطاسة، لينقل الفرع لاحقا الى قرية سنادة في تراب قبيلة بني يطفت التاريخية، لأسباب لا يسمح المقام بالدخول في تفاصيلها، وهي الأجزاء الترابية التي عرفتها الكاتبة بعد استقبال النساء لها بحفاوة كبيرة . مهما يكن الأمر، مادام أن كتابة صفحات من حياتها، جاء بناء على طلب خاص، وهي تكتب عن حياتها المزدوجة، بعد أن عاشت بين المغاربة أزيد من أربعين سنة، وهي لم تندم قط على قرار زواجها، وعكست قصتها هذه كما أسمتها الواقع الذي عاشته رفقة شريف وزان وعائلته الكبيرة، بصدق وبدون مزايدات، وقدمت توضيحات وافية حول الرصيد المعرفي لزوجها وإتقانه للغة الاسبانية بالخصوص، فإننا نعتبر أن من حقها السكوت عن بعض الجوانب الشخصية في مسيرة زوجها الدينية والروحية والسياسية، حتى لا تحرج أحدا من أحفاد العائلة، وهي القضايا التي أثارها بالخصوص المؤرخ المغربي عبد الله العروي في كتاب الأصول الاجتماعية والثقافية للوطنية المغربية ، والتي تجد صلتها بالأساس في الحماية الفرنسية التي حصل عليها بدون موافقة كاملة من المخزن المغربي، والمشاكل الخطيرة المترتبة عن اختيار شريف وزان لمسألة الحماية في مجريات حياته الروحية والسياسية، والتي تطرقت لبعضها الكاتبة وزوجة الشريف، وخاصة الاضطرابات التي اعترت قدراته العقلية في الأيام الأخيرة من حياته .