كانت عبارة "انقطع الأنين" أكثر ما نطق به أحد الصحفيين من المناطق المنكوبة غير الخاضعة لسيطرة الحكومة السورية، بعد أن ظل يرددها عشرات المرات، في مقطع فيديو يتم تداوله على مواقع التواصل الاجتماعي، بعد أن منعت عنهم المساعدات وأغلقت المعابر أمام الإعانات الموجهة لإنقاذ المنكوبين والعالقين تحت الأنقاض. ستظل العبارة مدوية في وجه الإنسانية التي أثبت الكثيرون في كارثة زلزال سوريا وتركيا المدمر، الذي ضرب الدولتين، بقوة 7.8 على سلم ريشتر، وخلف وراءه ما يزيد عن العشرين ألفا من الضحايا، وآلاف المشردين والجرحى، وآلاف الجثث تحت الأنقاض، أثبتوا أن الإنسان قد يدعك تموت تحت الأنقاض، لسبب بسيط أنك تخالفه الرأي والمعتقد. لقد أصبحت تصلنا صورا ومناظر للكارثة وحجم المعاناة، صورا مرعبة تدمي القلوب قبل العيون، صورا جعلتنا نقف بلا حراك، أمام هول ما حدث، وأمام الأيادي العارية التي تزيل الركام لإنقاذ حبيب وغال، تسمع أنينه تحت الأنقاض، ولا تستطيع فعل شيء، تظل تنصت وتستمع لأنينه حتى ينقطع، لأنك لا تتوفر على الإمكانيات البسيطة لإنقاذ الضحايا. ليكشف أيضا حجم الحقد الذي قد يكنه الإنسان لأخيه الإنسان، حتى وإن كان من أقرب الناس إليك دما وقربى. كل المشاهد المؤلمة، جعلتنا نستذكر وبكل ألم، ما عشناه في زلزال 2004 في إقليمالحسيمة، وكيف بقينا في العراء لأيام، ننتظر ونترقب، أمام توالي الهزات الارتدادية، وسط برد فبراير القارس، والأمطار الغزيرة، كأن الزمن تحامل علينا وجمع كل قساوة الطبيعة في ذاك الشهر الكئيب، وجعلها في مواجهتنا بلا رحمة ولا شفقة. رغم حجم الخسائر، والضحايا التي قارب عددها 700 قتيل، إلا أن الأمل كان قويا في شعب ساند إخوته في الريف من كل مناطق المغرب، لكن الحقيقة المرة التي كشف عنها زلزال الحسيمة، أننا لا نمتلك سياسة طوارئ وكوارث، نواجه بها ما قد يصيبنا من فواجع، خصوصا وأننا نعيش في منطقة زلزالية، تهتز فيها الأرض من تحت أقدامنا باستمرار، وكثيرا ما توقظنا في جوف الليل، لنعود لننام، لأننا لم نعد نطيق أن نعيش المعاناة من جديد، من قسوة البرد والخوف، ونفضل الموت تحت الأنقاض، على أن نظل مشردين في الخلاء، ثم تمر الهزات بسلام، ونستمر في الحياة. من هنا يتبادر إلى أذهاننا في كل مرة تهتز الأرض، وقد عشنا خلال الأشهر الأخيرة لحظات رعب، كتمناها حبا في الحياة، جعلتنا نتساءل بكل عفوية وصدق، أسئلة كثيرة، عسى أن تجد أجوبة عند أهلها: ماذا أعدت لنا الحكومات المتتالية لمواجهة الكوارث في كل ربوع البلاد، وفي منطقة الريف الزلزالية؟ ما حجم الميزانية التي تخصصها الدولة لمثل هذه المصائب التي تتربص بنا كل يوم، وماهي استراتيجياتها في مكافحة المخاطر والتهديدات التي نواجهها؟ ما حجم التوعية من المخاطر في برامجنا التعليمية الموجهة لأطفال المدارس في كتبنا المدرسية؟ ما موقعنا من برامج الإنقاذ والإسعاف في حال حدوث وتكرار ما عشناه سلفا؟ هي أسئلة كثيرة تتبادر إلى الأذهان، لتكون جزء من المعيش اليومي لساكنة منطقة الريف خاصة، والمغرب عامة، لأننا نعيش على شفى كارثة، نتمنى أن لا تقع، وأن يكون الله بأقدارنا رحيما ولطيفا، لكن من حقنا أن نعيش في وطن، يكون فيه إنقاذ الأرواح أولوية، لأن الحق في الحياة أقدس المقدسات.