في تصريح مثير للمدافع البرتغالي "بيبي" خص به قناة كول مونديال الإسبانية بعد أقصاء منتخب البرتغال من المونديال على يد أسود الأطلس، قال: "لم يلعب المغاربة كرة القدم، تراجعوا إلى الوراء، إنه أمر مخيب للآمال..." كانت ملامح المدافع تثير الشفقة والحسرة بعد الإقصاء من دور الربع، والأكثر إثارة أن ذلك كان على يد المنتخب المغربي المتطفل على بيت الكبار. هو تصريح لا ينقص من قيمة المنتخب المغربي وعناصره التي وقفت سدا منيعا في وجه أشهر اللاعبين في عالم كرة القدم، ولا ينقص أيضا من الإنجاز التاريخي الذي حققه المنتخب المغربي بقيادة الإطار الوطني "وليد الركراكي"، لأن التاريخ لا يذكر التصريحات وتحليل المباريات، بل يكتب بالبند العريض أن "المنتخب المغربي أقصى منتخب البرتغال وأعاده إلى دياره مطأطأ الرأس بهزيمة بهدف واحد لصفر". ولكن التصريح يحمل في ثناياه تعبيرا عن الحسرة الكبيرة التي بدت على كل اللاعبين والمفاجأة التي ألحقها بهم هذا المنتخب المغمور، الذي لم يحسب له أي حساب قبل ذلك، ودموع الخيبة التي ذرفت بعد صافرة النهاية والتي أعلنت إقصاء المنتخب البرتغالي وتأهل المنتخب المغربي إلى دور النصف النهائي، إلى المربع الذهبي، لأكبر البطولات الرياضية العالمية على وجه كوكب الأرض، في أكبر إنجاز حققته الكرة المغربية والإفريقية إلى حد الآن، وجعلته يكون حديث المنابر الإعلامية في كل مكان. تأهل المغاربة إلى المربع الذهبي، وأدخل الفرحة على قلوب الكثيرين، ولكنه أتعب قلوب الكثيرين أيضا، خصوصا أمام حجم الفرص التي أضاعها الفريق المنافس الذي لم يكن سهلا، وأيضا أمام حجم الفرص السهلة التي أضاعها المغاربة في الدقائق الأخيرة والتي كانت ستكفينا من عناء "الفقسة" التي كان المشجعون يحسون بها، وتلك اللحظات العصيبة في الدقائق الأخيرة من اللقاء والتي مرّت دهرا علينا جميعا. هو إنجاز تاريخي رياضي ليس إلا، قد تكون له انعكاسات على المستوى الرياضي والبنيات التحتية الرياضية الوطنية، وتفرغ أموالا طائلة في جيوب اللاعبين وفي حساباتهم، وفي جيوب الكثيرين أيضا، الذين جعلوا من هذه المناسبة الرياضية فرصة للاسترزاق على حساب البسطاء من المغاربة الذين شجعوا منتخبهم بمشاعرهم الصادقة، طمعا في لحظات فرح تنسيهم هم غلاء المعيشة وارتفاع الأسعار التي تكويهم كل يوم، وبكوا فرحا وسعادة قبل أن يصدمهم الواقع المرير بعد الاستيقاظ، في انتظار إنجاز آخر أو فرحة أخرى. فماذا لو قررت الحكومة من الضغط على لوبي الوقود، ليخفض من الأسعار التي ارتفعت ورفعت من مستوى المعيشة، وأغرقت الكثير من الذين فرحوا بتأهل المنتخب في الفقر وزادتهم فقرا على فقر؟ ماذا لو قرر صناع القرار، الإفراج عن معتقلي الحراك، ومعتقلي الرأي من الصحفيين، ومن زج بهم في السجون، حتى تكتمل الفرحة وتصبح فرحة أكبر تطيل أمد السعادة والاحتفال عند أبناء الشعب المغربي، ويقدموا هم أيضا إنجازا تاريخيا سياسيا وحقوقيا كما حققه أبناء الشعب المغربي رياضيا وكرويا، لتصبح الفرحة فرحتان؟ ماذا لو استثمرت بعض من تلك الأموال، المتحصل عليها من المونديال، مادام جل اللاعبين يملكون من المال ما لا يعد ولا يحصى، في بناء بعض المستشفيات والمراكز الصحية والجامعات والكليات، في مغرب الهامش، وكذا بعض المنشآت الثقافية والتعليمية، والتي ستشهد على إنجاز صنعه المغاربة، وكان من صنع مغربي خالص؟ ماذا لو يرتفع منسوب الوطنية والغيرة عند الكثيرين ممن يمسكون بزمام الأمور في الكثير من القطاعات غيرة على أبناء هذا الوطن، ويضاعفوها كما تضاعفت في المدرجات والمقاهي، تشجيعا لفريق كرة القدم؟ ماذا لو استيقظ المغاربة من سباتهم ويجدوا مغربا آخر، بتعليم راق نابع من الثقافة المغربية الأصيلة وقيمه الاجتماعية والدينية والثقافية، يستفيد منه كل المغاربة بلا استثناء، وصحة تصل كل مغربي في أقصى بقاع الأرض في الثلث الخالي من هذا الوطن، حيث يقاسي الكثيرون في صمت ولا يعلم بهم أحد؟ ماذا لو استفاد المغاربة من درس كرة القدم، وآمنوا بأن الإنجازات الكبرى ليست مستحيلة إن توفرت الرغبة الحقيقية في الإنجاز، واستثمرت كل الطاقات الإيجابية، ومنحت للكفاءات الوطنية من خيرة شباب هذا الوطن فرصة في الظهور في كل المجالات، والعيش بكرامة بين أهلهم دون الحاجة إلى التفكير في الهجرة بعيدا عن هموم هذا الوطن؟ يطول حبل التمني بحجم الفرحة التي أحس بها المغاربة وكل مشجعيهم على كوكب الأرض، وفي انتظار أن يصبح الحلم حقيقة، وأن تتحول التمنيات إلى واقع ملموس، حتى ولو بعد حين، فليواصل الأسود مسيرتهم في الإنجاز التاريخي بتأهل إلى النهائي، وحتى إن لم يتحقق، فالمغاربة باقون ليلعبوا مباراة الترتيب، ولن يعود المنتخب حتى نهاية المونديال على كل حال.