كتاب ̈اسلمة وتعريب بربر شمال المغرب ̈ يكتسي قيمة ميدانية ملحوظة، حيث قام مؤلفه الاسباني ( انخيلو غريللي ) بتنقلات واسعة جاب خلالها أهم قبائل الريف في الفترة التي اعقبت انتهاء الثورة الريفية التي قادها المجاهد محمد بن عبد الكريم الخطابي في العشرينات من القرن الماضي ، فبعد هذا الحدث التاريخي مباشرة لجا المؤلف إلى إعداد كتابه متسلحا بمنهج البحث العلمي في عادات هذه القبائل واعرافها وتاريخها واشكال تعبدها واعتقادها قديما وحديثا ، وعن العلاقات المترسخة فيما بينها . وترجم الكتاب إلى العربية الأستاذ المحترم عبد العزيز شهبر الذي لولاه لما أتيحت الفرصة لقاعدة عريضة من القراء والمهتمين الاطلاع على مضامين الكتاب المترجم بسهولة ويسر ، وقد عكست فصول الكتاب مدى المجهود القيم الذي بذله المترجم والفائدة الكبيرة لعمله ، فقط مانسجله كملاحظات بسيطة ، تتعلق بدلالة بعض الكلمت المترجمة ، وما تبقي بمضمون الكتاب المترجم من خلال بعض الأفكار التاريخية التي ساقها المؤلف الاسباني . فقد كان من الاجدر ، محاولة تجنب تداول بعض الكلمات ، من قبيل( البربر) التي تحيل الى معاني الاستصغار والقدح ، وتعويض ذلك( بالامازيغ) ، كما أكد الحضور الكريم خلال احدى الندوات حول الجهوية بمدينة تطوان ، أثناء تقديم الأستاذ عبد العزيز لمضامين ترجمته المتعلقة بكتاب انخيلوغريللي . والملاحظة الثانية ترتبط (بالأهالي ) التي افرط صاحب الكتاب في ترويجها ، وكان من الأليق وضعها بين قوسين بحذر وتحفض ، فهذه الكلمة تحيل الى ان كل الامازيغ بدون استثناء بفقهائهم ومرابطيهم وشرفائهم ومجاهديهم ، ماهم الامجرد اهالي بدون وعي وطني ولا غيرة دينية ، يستعملهم المستعمر كما يشاء ويدفع بهم الى (التنصير) مثل القطيع ، وإدماجهم في المجتمع الاسباني ، وان اسلامهم ضعيف وغير حقيقي ، وبالتالي فان الإسلام الحقيقي هو إسلام العرب والعائلات الاندلسية ، وهذا فيه مس خطير بكرامة الامازيغ ، ومساس كذلك بوحدة الدين الاسلامي الذي انزل لكافة الناس في العالم بدون أي فرق بينهم . صحيح ان الامانة العلمية وقاعد البحث المعرفي والفكري تقتضي التعامل بنوع من الموضوعية والنزاهة الاخلاقية مع مضامين الكتاب، ولكن جنوح المؤلف الى الامعان في تبيني الطروحات الكولونيالية الهادفة الى ممارسة الاجحاف في حق عدد من الحقائق التاريخية الواضحة ، يستدعي تعاملا متانيا وخاصا مع بعض الاحكام المتطرفة التي اوردها المؤلف في كتابه. ينطوي الكتاب على بناء محكم وجيد ، ولعب المترجم من اجل تحقيق ذلك دورا لايستهان به ، ومن بين ماتضمنه الكتاب في شان تاثير الحضارة العربية كون صالح بن منصور الحميري الذي وصل إلى المغرب سنة 707 ميلادية ، استقربتمسمان التي وجدها ممتلئة بقبائل امازيغية مختلطة من غمارة وصنهاجة ، فحولها إلى الإسلام ، وبذلك قامت اسرة بني صالح التي أسست إمارة النكور ، وحكمت إلى حدرد 1015 بأمر من الخليفة الأموي بدمشق الوليد بن عبد الملك الذي استقطعه كل بلاد الريف. واشار الى ان / امازيغن / بهذه المنطقة نادرا ماكان لديهم عبيد على عكس مايجري بين القبائل ذات الاصل العربي او القبائل الامازيغية المعربة ، وبشكل خاص عند العائلات الشريفة والمرابطية التي تسمح بالتسري بالاماء السوداوات وان منطقة الحماية الاسبانية في شمال المغرب ، قسمت الى جهتين : شرقية تسمي الريف ، وغربية عرفت باسم منطقة جبالة ، وصولا الى اقراره ان العنصر الامازيغي في الجهة الشرقية اكثر صفاء منه في الجهة الغربية ، ويوجد العنصرالامازيغي الخالص حسب المؤلف الاسباني في الناحية بين كيرت ونهرباديس،مكونا قبائل بني سعيد ، وبني وليشك ، وتمسمان ، وبني توزين وتفرسيت ، وجزناية ، وبني ورياغل،وبقوية، و تارجست ، وبني عمارة. وتطرق انخلوغريللي إلى بعض الإشكالات التي تستوجب تأكيداعلميا وتاريخيا كقوله أن الانسان الامازيغي بطبيعته سريع الغضب وعنيف...وانه كما العادة انسان حر تقليدي فوضوي باحاسيس ديمقراطية ، نزاع الى المساواة (ص 140)وذكر من جهة أخرى أن محند ابن عبد الكريم الخطابي تعاطي بدوره للكتابة السحرية للتاثير على روح (الأهالي) ودفعهم الى الحرب ضد الاسبان وهو آمر يرفضه الواقع بتاتا ، فمحمد بن عبد الكريم الخطابي كان من المجتهدين في مجال الشريعة الإسلامية أمثال محمد عبده السلفي المصلح والمتنور ، والمجدد محمد اقبال وظل رافضا للنكوص،وكل أشكال التقليد، والنزعة الانغلاقية المتشددة ( ص 207-208) كما أورد الكاتب الاسباني انجلوغريللي كون اللغة الامازيغية لم تكن ابدا لغة ثقافة اودين(ص/129) ، ونرد هنا بحقائق تفيد أن ثبوت خط تيفيناغ التاريخية وصمودها الطويل ينهض كدليل قاطع على ان الامازيغ مارسوا الكتابة منذ غابر الأزمان،أي قبل الفتح الإسلامي ، وأيضا أليست عملية ترجمة القران الكريم الى اللغة الامازيغية خلال حكم امير المسلمين وقائد الدولة المرابطية يوسف بن تاشفين، الذي كان يلقي خطبة الجمعة باللسان الامازيغي ، اكبر برهان على اهتمام النخبة الامازيغية عبر حقب التاريخ المختلفة بالكتابة؟ وبالتالي فان استعمال آلية الكتابة يحتم اعتماد قواعد لغوية معينة يخضع لها المستعملون لتلك اللغة بالخصوص ، ويذكر صاحب(الاستقصا)أن السلطات محمد بن عبد الله العلوي كان يكلم الامازيغ بلسانهم وورد أن الامازيغية اعتمدت في المساجد ، فأقيمت بها الصلوات الخمس ،وأذن بها الأذان . وذكر المؤلف الاسباني أن محند ولد عبد الكريم الخطابي نهج تعريب القبائل الامازيغية بهدف تشكيل كتلة مندمجة موحدة لمصارعة الاسبان /ص 176/ ، وللعلم فان ابن عبد الكريم لم يعتمد أبدا العمل اللغوي لتوحيد القبائل ، بل استند بالدرجة الأولى إلى مبادئ الشريعة الإسلامية ومقاصدها الجوهرية التي تدعو إلى التوحد وتلافي الانشطار وكل أنماط العداء والتناحر(ريفوليك) بهدف الوصول الى التصدي للعدو المشترك الذي كان يهدد هويتهم وحقهم في أرضهم ووطنهم . كما ناقش قانون العادات الذي يعرف في اللغة الامازيغية(بازرف) والذي لم يتطور بنفس الدرجة في كل المواقع الامازيغية بشمال إفريقيا ،مقارنة بما كان عليه الوضع في الريف والشمال المغربي عامة ، وانتهي إلى أن هذا القانون لايوجد فيه سجين ، لان السجن في تطوره الاجتماعي مؤسسة مخزنية المصدر ، وتطرق أيضا إلى تأثير الشريعة الإسلامية في القوانين العرفية عند امازيغ شمال المغرب . وبخصوص المرأة ، فان الامازيغي لدى الكاتب عادة هو وحيد الزوجة ، وان كانت اسلمته تبيح له التعدد ، وتعدد الزوجات مقبول فقط من طرف (الأهالي) ذوي العادات العربية .. ويوجد الطلاق بين الامازيغ ، لكن ليس خاصا بالرجل كما عند العرب ، ويمكن أن تطلبه المراة كما يطلبه الرجل على حد سواء ، وينتهي الكاتب إلى خلاصة مفادها أن التأثيرات الإسلامية على سكان الجهة الشرقية الريفية تدفع بهم الى تبني تعدد الزوجات ،وخاصة بالنسبة للأغنياء منهم . وأشار الكاتب الاسباني انه لرقم خمسة أهمية فائقة في العدد الامازيغي ، إذ هو الأساس وقد فرض على القبائل قديما ، أن تقسم نفسها تلقائيا إلى (خمس)في شؤون حياتهااليومية وهذا يذكرني بتصور مناقض يتعلق بحوار المشرق والمغرب بين الدكتورين محمد عابد الجابري وحسن حنفي ، حيث سجل المرحوم الجابري مؤاخذة على حسن حنفي بكونه يقسم كل مظاهر الحياة العامة ، والتاريخ العربي الإسلامي ، وفق أعداد حسابية تنحصر في سبعة . ويختم انخلوغريللي مؤلفه عن الأسر الشريفة والمرابطية والطرق الدينية الموجودة في الريف الشرقي،وذكر الرئيسية منها، وخاصة تلك التي كان لها،حسب الإطلاق الاصطلاحي للكاتب اثر فعلي على اسلمة وتعريب قبائل الامازيغ في الجهة الشرقية من الريف،وان بدرجات متفاوتة،والتي كان لها في نفس الوقت أهمية سياسية واضحة،ومنها :شرفاء وزان اوفرع سيدي إبراهيم،وشرفاء بني وكيل ثم الشرفاء القادريون، وشرفاء سيدي بويعقوب بتمسمان والعائلات المرابطية ،وشرفاء أولاد بوجداين،وشرفاء أولاد بوخمليش والطرق الدينية والعامل الثاني في الأسلمة والتعريب عند غريللي ، يتمثل في توالي بعثات السلاطين العسكرية ، وفي مداومة المحلات ضمن مواقع مختلفة من المنطقة لفترات، إضافة إلى التاثيرات الاثنية والتاريخية والسياسية والادارية .