يتناول هذا التقرير إحدى إشكالات الأوعية العقارية بمنطقة السواني التابعة لتراب الجماعة الحضرية لأجدير إقليمالحسيمة، والذي كان ملكا مشاعا للبعض من فرق آل أجدير، تبلغ مساحتها بما يقدر ب 85هكتارا، والمزمع إقامة مشروع يقدم "كمشروع سياحي" من طرف الشركة العامة العقارية كبديل عن مشروع نادي البحر الأبيض المتوسط الذي شغل هذا الوعاء العقاري لمدة 40 سنة، بدء من سنة 1962 إلى حدود سنة 2002. ويعرف المشروع في المرحلة الراهنة احتجاجات العديد من الأطراف المدنية ذات الصلة بالمشروع وهو ما سجل العديد من العثرات والتوقفات. الأطراف ذات الصلة بالمشروع والوعاء العقاري: فرق آل أجدير سكان المنطقة. إدارة المياه والغابات. صندوق الإيداع والتدبير. الشركة العقارية العامة. الجماعة الحضرية لأجدير. لجنة متابعة مشروع السواني. السياق التاريخي للموضوع: حسب بعض المصادر التاريخية وروايات أبناء منطقة أجدير، فإن الوعاء العقاري المذكور كان في ملكية فرق آل أجدير، وذلك إلى حدود تاريخ 14 فبراير 1942 وهو تاريخ توقيع عقد بين الإدارة الاستعمارية الإسبانية وفرق آل أجدير، يتم بمقتضاه السماح للإدارة الاسبانية "بإصلاح الأراضي المنسوبة لهم بمرسى أجدير وغرسها بالأشجار الغابوية لحماية الأراضي السقوية والبعلية من زحف رمال الشاطئ، شريطة إرجاعها لهم بعد مرور 40 سنة عن تاريخ العقد"، وهي الواقعة التاريخية التي يسندها ساكنة أجدير بنسخة من العقد العدلي الموقع بين كلا الطرفين المذكورين في التاريخ أعلاه. بعد حصول المغرب على الاستقلال، ستقدم إدارة المياه والغابات على تفويت الوعاء العقاري المذكور بمقتضى القرار الوزاري رقم 24-61 بتاريخ 1 دجنبر 1961 "للشركة المغربية للإنماء السياحي" وذلك ضمن مسطرة الاحتلال المؤقت ولمدة 30 سنة، وهي الشركة التي أقامت عليها فيما بعد قرية سياحية والتي عرفت باسم نادي البحر الأبيض المتوسط وتولت استغلاله من سنة 1962 إلى حدود سنة 2002. هذا وانتهت مدة العقد المبرم بين الإدارة الإسبانية وفرق آل أجدير في سنة 1982، وكان المفروض أن تسترجع هذه الفرق أرضها كما يقضي العقد بذلك، غير أن مصلحة المياه والغابات نحت منحى آخر فقامت بسلك مسطرة التحديد الإداري للملك الغابوي ببني ورياغل-منطقة السواني- والتي يدخل ضمنها الوعاء العقاري المزمع إقامة المشروع فيه، وأعلنت نفس المصلحة عن هذه المسطرة في ماي من العام 1995، ليتقدم بعدها الممثلون الجماعيون لساكنة أجدير بتعرض ضد مسطرة التحديد الإداري بتاريخ 05-06-1995 إلى المحافظ على الأملاك العقارية بالحسيمة، وكذا إلى رئيس لجنة التحديد في شخص السيد القائد بقيادة إمزورن، وأرسل التعرض إلى مصلحة الشؤون العقارية والمنازعات بوزارة الفلاحة وذلك بتاريخ 7-11-1995 تحت عدد 2299 مرجع 39. ومن جهة أخرى، وبعد أن رفضت مؤسسة صندوق الإيداع والتدبير المساهمة بحصتها المالية في تمويل مشروع الإصلاح والتجديد للقرية السياحية الذي أعلن عنه كتوجه جديد سنة2001، أوقف النادي أنشطته السياحية ابتداء من صيف 2003، فشكل هذا التوقف الذي دام 4 سنوات مبررا قانونيا على أساسه التجأت إدارة المياه والغابات إلى فسخ عقد الاحتلال المؤقت المبرم بينها وبين نادي البحر الأبيض المتوسط، كما تنص على ذلك المادة الرابعة من العقد المذكور وذلك سنة 2007. ومباشرة بعد ذلك، التجأت مؤسسة "صندوق الإيداع والتدبير" إلى تقديم طلب للحكومة المغربية من أجل إقامة مشروع سياحي على الوعاء العقاري الذي كان يشغله نادي البحر الأبيض المتوسط لتوافق الحكومة على الطلب، فاتجهت الأخيرة إلى استخراج هذا الوعاء العقاري من الأملاك الغابوية إلى الملك الخاص –الدومين الخاص- للدولة من أجل المنفعة العامة. وابتداء من شتنبر2008 شرعت شركة "MedZ" التابعة "لصندوق الإيداع والتدبير" بالأشغال، وبدأت بهدم منشآت المشروع السابق بغرض بناء منشأة سياحية بديلة عنها، فاحتجت عدد من جمعيات المجتمع المدني التي توحدت تحت اسم "لجنة متابعة مشروع السواني" على اجتثاث غابة السواني وطالبت باستحضار البعد البيئي واحترام مآثر "مدينة المزمة" التاريخية المتواجدة بقلب غابة السواني، فتوقفت الأشغال وانسحبت شركة MedZ من المشروع. غير أنه في فبراير 2009، سيستأنف "صندوق الإيداع والتدبير" الأشغال، وذلك عبر فرعه "الشركة العامة العقارية"، لتتوقف الأشغال من جديد بعد تصاعد الاحتجاجات في شهر أكتوبر 2009، فتعود للمتابعة من جديد في مارس 2010 مع الحصول على رخصة تكميلية للتجزئة بتاريخ 22 أبريل 2010. ومنذ بدء الأشغال، فإن "الشركة العامة العقارية" أقدمت على تعديل تصميم المشروع 3 مرات متتابعة، كنتيجة حتمية للضغوطات القوية واحتجاجات المجتمع المدني بالحسيمة بالإضافة لضغط ساكنة أجدير وإن كان كل من زوايا مختلفة في تصوره للمسألة، فأسفرت الصيغة الثالثة والأخيرة من التصميم، عن تراجع مشروع السواني 100 متر عن الساحل وتخصيص 9 هكتارات لمدينة المزمة التاريخية، وتوجت مطالب الفاعلين المدنيين بتوقيع اتفاقية بين "مديرية التراث الثقافي بوزارة الثقافة" و"جمعية خريجي المعهد الوطني للآثار والتراث" و"الشركة العامة العقارية"، تلتزم بموجبها الأخيرة بالمساهمة بمبلغ 110 مليون سنتيم للبعثة الأثرية المكلفة بتحديد الامتداد المجالي للمدينة التاريخية، حولت منها لحد الساعة 50 مليون سنتيم. الوضع الراهن للوعاء العقاري المزمع إقامة مشروع السواني في مجاله إن المسار التاريخي الذي قطعه الوعاء العقاري بمنطقة السواني منذ سنة 1942 إلى حدود السنة الراهنة 2010، يكشف عن العديد من الملاحظات الأساسية: الوعاء المذكور يدخل ضمن إشكاليات العقار المطروحة بشمال المغرب والمعروفة بارتباطها بما يعرف بمشكل الرسوم الخليفية، والتي يثبت الواقع دائما أن تداعياتها لا زالت مطروحة باستمرار، وأن المقاربة التي تم نهجها لم تكن كافية لحل المطالب التي ما فتئ أصحاب الأراضي الأصليين يتحركون للمطالبة بحقهم التاريخي فيها أو تعويضهم عنها. الصيرورة التاريخية للوعاء العقاري عرف في تطوراته المختلفة تدخل أطراف أخرى، وبالتالي فإن المطالب تجاوزت حد مطلب الحقوق التاريخية في الأرض إلى مستويات أخرى، تستحضر وتدرج الأبعاد التنموية والبيئية "لمشروع السواني" في محيط الوعاء العقاري المذكور أعلاه. لقد اتخذ هذا الوعاء العقاري منحى آخر، وذلك بظهور الطابع الأثري للموقع التاريخي "لمدينة المزمة" والتي أصبحت رقما أساسيا في معالجة المسألة المطروحة. خفوت الأصوات المطالبة بالحقوق التاريخية في الأرض المذكورة، وتحويل الجدال من الحق في الأرض إلى مناقشة حيثيات المشروع المزمع إنجازه فيه، وكذا لصالح مطالب أخرى تستحضر الأبعاد التنموية واندماج المشروع في محيطه، بما يمكن أبناء المنطقة خاصة أصحاب الحقوق التاريخية في الأرض من الاستفادة من فرصة إقامة مشروع بهذا الحجم. وبالموازاة مع هذا، فإن الواقع اليومي يثبت أن" الشركة العامة العقارية" وإن كانت قد تفاعلت في لحظات معينة مع مطالب النسيج الجمعوي، فإنها ما فتئت تتحفظ على أجرأة التجاوب الفعلي لما يتم الاتفاق حوله، فيما يمكن أن يؤشر على مناورات وعدم التفاعل الجدي مع المطالب المرفوعة، من قبيل عدم تحويلها للمبلغ المتبقي من المنحة المخصصة للبحث الأثري، وعدم التزامها الفعلي باحترام مساحة 100 متر بين المشروع والساحل، إذ التجأت إلى برمجة بعض المرافق الرياضية والترفيهية داخلها، ويضاف إلى هذا عدم تحرك أية جهة رسمية سواء الدولة أو "صندوق الإيداع والتدبير" مثلا إلى البحث عن صيغة مقبولة لجبر ضرر فقدان الأرض الحاصل لأصحابها. تصور حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية بالحسيمة للإشكال المطروح لقد تابع الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية بالحسيمة الإشكال المطروح باهتمام بالغ، وحاول الإلمام بالتمفصلات الكبرى له، تنتهي بوضع هذا التقرير الموجز الذي يرصد المسار وينتهي بوضع خلاصات أو توجهات عملية ومقبولة. وعليه، فقد ارتأينا أن نضع بعضا من التوجهات الأساسية التي يمكن الاستهداء بها لإيجاد صيغة مقبولة في تدبير المشروع وإشكالية الوعاء العقاري، تستحضر التوجهات الكبرى للحكومة المغربية بشكل متقاطع مع توجهات اللامركزية والجهوية والأبعاد التنموية التي ينبغي على كل مشروع أن يحملها بين ثناياه، كما أنها تتفاعل وتأخذ بعين الاعتبار المطالب الخاصة بكل طرف على حدة، وبالتالي فإن هذه التوجهات تراعي المرتكزات التالية: الحقوق التاريخية لأصحاب الأرض. الحفاظ على الجوانب الأثرية التي يحملها الموقع. ضرورة الحفاظ على التوجه السياحي للمشروع كتوجه "غالب" فيه عوضا عن التوجه العقاري. إدماج المشروع في محيطه عبر توفير أقصى الضمانات التي تمكن أبناء المنطقة من الاستفادة الحقيقية منه. التثمين الحقيقي لمطالب ومسار إخواننا في "لجنة متابعة مشروع السواني". وعليه، فإنه أصبح ملحا أن تتوجه الجهات الرسمية خاصة "صندوق الإيداع والتدبير"، إلى الأخذ بعين الاعتبار لمطالب أصحاب الأرض الأصليين والبحث عن صيغة توافقية مقبولة للتعويض، وترضي كلا الطرفين. على أنه ومن جانب آخر، لو استثنينا مشروع "السواني" ومشروع "كلايريس"، فإن التوجه الجديد والاهتمام بتنمية الريف خاصة إقليمالحسيمة، الذي ما فتئ يفصح عنه الملك محمد السادس، فإنه لا يبدو على أرض الواقع ما يمكن من القول أن الإقليم قد استفاد فعليا من هذا التوجه، وبالتالي فإن إعادة النظر في "مشروع السواني" عبر تمريره ضمن ما أصبح يعرف بمشاريع جبر الضرر الجماعي، يبدو صيغة مقبولة ومعقولة خاصة على المستويات التالية: الفاعل الأساسي في تمويل مشاريع جبر الضرر الجماعي التي يطرحها "المجلس الاستشاري لحقوق الانسان" هو "صندوق الإيداع والتدبير"، الذي يتصادف أنه هو نفسه صاحب وحامل مشروع السواني، وبالتالي فإن هذه الازدواجية تلعب دورا إيجابيا في مراجعة المشروع وتتخطى المساطر الجامدة في تفعيل هذا المقترح. فتح نقاش في اتجاه تمكين أصحاب الأرض الأصليين من حصص مالية أو ما شابه ذلك من صيغ في "مشروع السواني"، كصيغة من صيغ تعويضهم عن الأرض المفقودة إحقاقا لمبادئ الإنصاف والعدالة الاجتماعية، خاصة أن منطقة أجدير من المناطق التي عرفت تجاوزات تاريخية على مستوى حقوق الانسان. بحث إمكانية تقديم ضمانات ترمي إلى تمكين نسبة مئوية من الساكنة من التشغيل في المشروع خاصة أبناء المنطقة، المنحدرين من أجدير وإقليمالحسيمة بصفة عامة وذلك عبر اتفاقية مكتوبة وموقعة بين الأطراف المعنية. فتح حوار مباشر مع "وزارة الثقافة" و"صندوق الإيداع والتدبير" بغرض تحديد ووضع الضمانات اللازمة لحماية مدينة المزمة التاريخية، وبحث سبل تعبئة الموارد المالية اللازمة لمواصلة أشغال الحفريات، إذ في آخر المطاف فإن المستفيد الأكبر من المدينة الأثرية هو "صندوق الإيداع والتدبير" الذي تقع المدينة التاريخية في قلب المشروع الذي يرمي لإنجازه. تقديم ضمانات والتزامات حقيقية من طرف "الشركة العامة العقارية" بالحفاظ على غابة السواني كإرث بيئي ورئة جد مهمة لمدينة الحسيمة. ختاما، فإن وضع "مشروع السواني" ضمن مقاربة جبر الضرر الجماعي، يمكن أن تضع حلولا معقولة ومقبولة إلى حد بعيد من جميع الأطراف، كما أنها يمكن أن ترضي كل الأطراف الفاعلة في ملف مشروع السواني والأهم من ذلك أن هذه المقاربة تضع حدا للنقاش الدائر حول "حقوق أصحاب الأرض الأصليين" وتضمن لهم المستوى الأدنى من التسوية. ويضاف لهذا، أنها يمكن أن تقدم لأول مرة مشروعا حقيقيا لجبر الضرر الجماعي بالمنطقة، وتعيد الاعتبار لما لحق بها من ضرر تاريخي، بالموازاة مع تحقيق اندماج حقيقي للمشروع بمحيطه وذلك عبر التحامه بالساكنة المحلية والقبول به كجزء من طموحاتهم ومكوناتهم بل والدفاع عنه باعتباره إنجازا حقيقيا لنضالات أبنائه. إعداد: رشدي المرابط