كنا ثلة تلاميذ أطفال ... بالكاد نفك الحرف حين جرفنا القمع الرهيب الى دهاليز الخوف والرعب ... امام امتداد احلامنا البسيطة ... يزرع القمع تاريخنا شهداء ... ومعتقلين... وفي دروب مدينتنا امزورن كان علينا ان نخفي هويتنا ... ونسرق بعض خطوات الى منازلنا ونعاود الرحيل الى متاهات الخوف ومحاولة العيش بكرامة ... لم تمهلنا فوهات البنادق ولا خوذات العسكر بعض العمر لنكبر ككل اطفال العالم ... في خضم زمن الرصاص نكتشف صوتا يكسي عرينا ... ويحيل خوفنا أمنا وطموحا . كان بوجمعة . وكان مدرسة وحياة . جيل من الامل يعاود الانبلاج من رحم القهر وذاك العناد القاسي للأمل الكبير والاحلام المشروعة بغد افضل . جاءنا صوته ... بوحه ... همسه ... امله ... ملاذا وسكينة للرعب ... ثمة من لا يخاف ... ثمة من لا يتراجع ... ثمة اعلان جهوري بعدالة أحلامنا وصدق غضبنا . كانت اغنياته صرحا ننشده . ذاكرة متقدة لكفاح المضطهدين... نبراس وجودنا الحيوي في وطن اريد له ان يكون مزرعة للاستبداد والاستغلال . بلا رد جميل نقر انه مدرستنا ... حيث الاختيار الواعي بالوقوف الى جانب الفقراء... الى جانب المهمشين ... إلى جانب الأوباش . فجمعنا بوجمعة ...وحين جمعنا ... استحال الخوف الى تحد وإصرار . 2 ثمة وجه لنا يكسيه الحزن . وطن حزين حزين ... يملأه الغبار وبقايا أحلام ... شردتنا الأمكنة الهاربة أمامنا ... يتمنا هاهنا، يوازيه يتمه هناك ... اثمة وطن الان وهنا وبعد كل هذا المسير الطويل الطويل للبشرية يقامر بأبنائه ... فلا خلف البحر ملاذ ولا على امتداد شطآنه أمان. قوارب رحيل نمتطي علنا نعيد بعض بريق لاحلامنا . فلا هنا هناء ولا هناك صفاء... ييتمنا هذا الامتداد العارم للجراح . وثمة وجه لنا ينيره الفرح . هذه جراحنا... هذه بلادنا ...هذه احلامنا... ودمنا وإن قد من وجع والم ، نهديه قربانا للوطن . نصارع انياب المقامرين به و بنا... نسقط ولانموت . نسقط ولا تسقط احلامنا. يرهبنا حزننا ولا يرهبنا لصوص امالنا وعرقنا . غدنا نفتله بدمنا واصرارنا. غدنا سوف يأتي ... "سوف ياتي كالربيع سوف ياتي كالاغاني زارعا في كل جرح وردة مثل الاماني". 3 مصادفة قدت من امل ... لاول مرة بعد سنوات من غربة صديقي احمل سماعة الهاتف واهاتفه الى ما خلف البحر . (مَن المعتاد على فعل هذا ؟) . الو ... الو ... بضعة كلمات عن الصحة والحال . ويردف قائلا : انا في طريقي الى بوجمعة . وكان كما لو أن كل الحزن صهر كلماته . وغمرني الالم الى حد يميتني . وانتصب الوطن الحزين خارطة للجراح ... بوجمعة ايقونة الامل والطموح ... يبددها هذا الجرح النازف هنا وهناك . رجوت صديقي ان يفعل المستحيل ... ليربط حبل الشوق فأقول بعض كلمات لبوجمعة ... بعض امنيات للشفاء ... بعض كلمات للشكر... بعض مما قد يستطيع خط الهاتف حمله من مشاعر وانتماء الى أحلامه ، علني انسيه قليلا وجع سرير المشفى . بعد ساعات ... يرن الهاتف . بوجمعة على الخط . أي بداية ؟ أي كلمات تليق بمقامه ساعات وانا اعيد ألف مرة صياغة بعض جمل لتكون حبل وصال حميمي ... لتكون زاد أمل له في محنته المتجددة ... لتكون ... صوته يخترق مسام وجودي ... ويزرع ذاكرتي تاريخا مشرقا ... ويروي يومياتي أملا وطموحا . بوجمعة كان شامخا ...شجرة وارفة لا تنقصف ... روحا يملأ ما حوله اعتزازا وصمودا . شكراً لجماهير شعبنا لم يمل من ترديدها . طريق النضال من اجل غد أفضل لم تفارق كلماته . اعتزازه بحجم التضامن معه في محنته ... انتماءه للوطن وأحلام كادحيه دربه المقدس. لما كبسنا زر الهاتف وانتهت المكالمة . اعدت شريطها لتنكشف أمامي عمق وصدق تاريخ وحاضر الرائد بوجمعة ، رائد الاغنية الامازيغية بالريف ، الملتزمة بقضاياوهموم وطن عشقه الى حد الثمالة . ولم اجد أمامي الا ان استعير هذا البوح من أغنية لأقول له مع نفسي : "أهديتك صمتي الحزين. أهديتني شمس النهار ." وبلا شك أهدى للريف، للوطن ، ولأحلام الفقراء شموسا ولازال ... فإليه ألف تحية ... ومن الوطن عناقا ومحبة وأملا كبيرا ...