عرفت مرحلة ما سمي بالعهد الجديد الذي ارتبط بتولي الملك محمد السادس عرش المغرب الكثير من الاندفاع بالنسبة لمن راهن على هذه المرحلة واعتبرها فرصة تاريخية لا تعوض لإنجاز مهمة الانتقال إلى الديمقراطية ،واخص بالذكر هنا تلك الفعاليات اليسارية و الأمازيغية والحقوقية التي وجدت نفسها تائهة بين حلم ضائع قدمت من أجله الكثير من التضحيات، وواقع يبدو واعدا حسب تقديراتها للمرحلة وذلك أن تم استغلال ما تحبل به من فرص للتغيير حتى وإن كان من داخل مؤسسات الحكم و الدولة .فتماهت بذلك مع موقف الأحزاب الوطنية والديمقراطية التي طالما انتقدتها واعتبرتها إصلاحية بل متواطئة مع نظام الحكم المخزني ، وحملتها مسؤولية ضياع الكثير من الفرص من أجل تحقيق عملية الانتقال الديمقراطي، وذلك بعد أن تواترت لديها الكثير من المحطات المفصلية في تاريخ المغرب الحديث من أجل فرض شروطها لممارسة سياسية ديمقراطية قائمة على تعاقدات دستورية اجتماعية وسياسية بدل الركون إلى منطق التوافقات التي بينت التجربة عدم نجاعته في احقاق ما يصبو إليه المجتمع المغربي في التنمية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية . وهي المحطات التي طالما كانت فيها موازين القوى مختلة لصالحها ،أما لحالة الوهن التي يكون عليها النظام السياسي المغربي علاقة باحتدام ازماته الداخلية ،أو لاحتدام عملية الصراع الاجتماعي والسياسي وما يتخلله من انتفاضات شعبية ،أو في حالات انتقال العرش والسلطة . لكن هل أدركت فعلا هذه القوى المنتسبة لقوى الصف الوطني والفعاليات اليسارية الملتحقة حديثا بموقف امكانية التغيير الديموقراطي من داخل الدولة و مؤسساتها سبب اخفاقاتها السابقة، حتى تتفاداها حاليا أو لاحقا ؟. أم أنها بمنهجيتها هاته ستكرر نفس التجارب السياسية السابقة، وستفوت ان لم نقل فوتت على الشعب المغربي فرصة أخرى سانحة لإحقاق الديموقراطية وكل المطالب المشروعة للشعب المغربي ؟. وهل فعلا يمكن الرهان على هذه القوى وعلى الفعاليات اليسارية مستقبلا التي آمنت بالعهد الجديد بعد هذه الحصيلة الهزيلة وبعد أن فقدت قدرتها على التأثير والتأطير، و شاخت منظومتها الفكرية والسياسية ،و تراجعت مصداقيتها لدى غالبية المجتمع المغربي الذي بدأ ينتج أدواته الذاتية في التعبير والمقاومة؟. الا يمكن القول اننا فعلا بحاجة ماسة الى مشهد حزبي وسياسي جديد قائم على مراجعات نقدية عميقة لمجل التصورات الفكرية والمذهبية والتنظيمية التي أطرت الممارسة السياسية منذ بداية الاستقلال؟.
1/في قدرة النظام السياسي المغربي على التأقلم والمناورة إذا كانت هذه الأسئلة تضع هذه القوى ومعها بعض الفعاليات اليسارية والامازيغية موضع المسائلة و التشكيك في قدرتها على انجاز هذه المهام ،التي تتوقف على مدى استفادتها من التجارب السابقة وما تخللها من فرص ضائعة وعن مدى إدراكها لضرورة إحداث تلك المراجعات الفكرية والسياسية والتنظيمية المطلوبة من أجل استعادة دورها في التأثير والتأطير .فلكوننا نعلم كذلك مدى قدرة النظام السياسي المغربي ومعه المؤسسة الملكية على تجاوز كبواته ،و مراحل ضعفه نظرا لخبرته الطويلة في تدبير الأزمات الداخلية منذ بدايات الاستقلال ،وكذا قدرته على تجديد دورة حياته من خلال الاحتواء الممنهج للنخب السياسية والفكرية الجديدة . وهو ما نستشفه من خلال تدبيره لمرحلة ما سمي بالعهد الجديد، حيث عمل بذكائه المعهود في تحويل المخاطر والتحديات التي تتهدد سلطته المطلقة إلى فرص لتثبيتها ، فركب موجة التغيير هاته بالشكل الذي يرضي فيه هذه القوى المندفعة التي تبوأت صدارة الدفاع عنه ،ووظفها بامتياز في محو تلك الصورة النمطية التي لازمت العهد القديم بعد أن عملت الماكينة المخزنية على استيعابها تدريجيا في حلقات مسلسل توزيع الريع وإعادة إنتاجه . و في نفس الآن عمل جاهدا على تثبيت مكانته وسلطته واستعادة عافيته وذلك من خلال انتهاجه مسارين ظاهرهما الانفتاح والتحديث وباطنهما تثبيت نظام الحكم الفردي وتجديد شرعيته الدينية.وذلك اولا عبر إطلاق مجموعة من الشعارات والاوراش التي سميت إصلاحية و ثورية بالنسبة للبعض ، وهو ما فتح آمال الكثير من المغاربة الذين استبشروا خيرا من كل هذه الخطوات السياسية المرتبطة بما سمي بالعهد الجديد ،وثانيا عبر سلسلة من الإجراءات التي تعمد إلى إفراغها من مضامينها في مقابل تقوية سلطته السياسية والاقتصادية وتمتين شرعيته الدينية ،عبر فتح المجال لقوى الإسلام السياسي لتتبوأ ريادة مختلف مؤسسات الحقل الديني وذلك تحت طائلة الدفاع على مبدأ إمارة المؤمنين . كما أن هذه الأوراش والشعارات التي رفعت إبان المراحل الاولى لانتقال العرش يمكن تصنيفها ظاهريا بين ما يحيل الى القطيعة مع المرحلة السابقة بكل ما شهدته من انتهاكات صارخة لحقوق الإنسان وممارسة تقليدية للسلطة ، وبين ما يحيل على الفهم الجديد للسلطة والممارسة السياسية التي يريد ان يتميز بها على العهد القديم . وفي هذا السياق يمكن القول أن حسابات كل طرف كانت تختلف عن بعضها البعض ، بين من اندفع واستحضر حسن النية في تقديراته السياسية للتعاطي مع المرحلة الجديدة ولم يخرج عن المنهجية التقليدية التي دأبت عليها الحركة الوطنية في التعاطي مع القصر القائمة على التوافقات السياسية، التي يسهل التراجع عنها ، بدل التعاقدات الدستورية الملزمة لجميع الأطراف.وبين من يسعى ليثبت حكمه ويقوى سلطته دون نية إحداث تغييرات جوهرية في بنية النظام السياسي المغربي ،والتخلص من الموروث المخزني الملازم له ،وفي نفس الان يتحين الفرصة للتراجع عن مجمل التزاماته السياسية السابقة.
إن قراءة هذه المرحلة وما اتسمت به من أحداث متسارعة ،وآمال، وانكسارات ،تستلزم في اعتقادي تحليل بعض العناصر والمؤشرات التي تميزت بها هذه المرحلة ، وكذى المقاصد المعلنة وغير المعلنة من طرف القوى والأطراف الفاعلة فيها.
2,/ قراءة في ما اعتبر مؤشرات للقطيعة والتميز . يمكن تناولها بالوقوف الى ثلاثة عناصر متعاقبة في الزمن ،واعتبرها اساسية لفهم ما سمي بمرحلة العهد الجديد التي أنعشت آمال الشعب المغربي في الانعتاق من الاستبداد السياسي وكل أشكال الفساد و الريع الاقتصادي، التي عانى منها لعقود من الزمن والتي استهوت كذلك الكثير من الفعاليات الديمقراطية واليسارية التي انحازت الى الملك الجديد ،واعتبرت ان المرحلة ملائمة، وفرصة لا تعوض من اجل انجاز شروط الانتقال الديمقراطي الذي طالما ناضلت من أجله . وصاغت من اجل ذلك الكثير من المبررات لإضفاء المصداقية على خطواتها في هذا الشان، بل واعتبرت كل من وقف على مسافة من هذا التوجه الداعم للمرحلة الجديدة عدميا وتقديراته السياسية خاطئة . بل إن هذا الموقف بقدر ما شكل حافزا لهذه الفعاليات للانخراط في الأوراش السياسية والحقوقية التي تم فتحها خاصة في العشرية الاولى من الالفية الثالثة ،و تبوؤوا فيها مراكز المسؤولية ودافعوا عن نتائجها وتوصياتها أمام المحافل الوطنية والدولية ،وقدموها كمعطيات ايجابية تحيل على تحول النظام السياسي المغربي ، بقدر ما شكل أضعافا وانهاكا لقوى اليسار الديموقراطي الذي انقسم الى مؤيد مدافع عن العهد الجديد ،واعتبر أن إمكانية التغيير من الداخل متاحة .ومعارض اتخذ موقفا رافضا لطريقة تدبير هذه الأوراش ولخلاصاتها التي لا تحمل أي جديد يميزها عن مفهوم الحكم والسلطة الذي انتهجه العهد القديم .وبالتالي لا تؤشر على تحول في طبيعة نظام الحكم، ولا تمكن من أي ضمانات دستورية وقانونية ضرورية لأي انتقال ديمقراطي حقيقي.
أ/ حكومة التناوب التوافقية: لا يختلف اثنان كون هذه التجربة كانت من اخراج الملك الراحل الحسن الثاني ، الذي استشعر خطورة المرحلة لما تشكله من لحظة مفصلية في صيرورة تطور النظام السياسي المغربي ومن ضمنها مؤسسة العرش ،التي كانت على أبواب مرحلة انتقال السلطة فيها من الملك إلى ولي عهده اعمالا لمبدأ مات الملك عاش الملك. ومن أجل ترتيب أوراق هذه المرحلة لجأ إلى الاوفياء التاريخيين للقصر من أقطاب الحركة الوطنية من اجل انجاز هذه المهمة، باستحضار التوافقات التاريخية التي أطرت علاقة العرش بهم و الغير الخاضعة لأي التزامات تعاقدية دستورية ملزمة للطرفين . وهنا لابد من الاشارة الى كون هذه القوى المحسوبة على الحركة الوطنية، كانت دوما محل ثقة بالنسبة للعهد القديم ،الذي لجا اليها في اكثر من مرة، عندما يكون في أمس الحاجة إليها، رغم ما يمكن أن تتسم به علاقة الطرفين من تجاذبات وتوترات. ولم يسبق أن لجأ في ظروف الأزمة الى الأحزاب المسمات ادارية، التي تأسست بايعاز واخراج منه، من أجل تجاوز أزماته سواء الداخلية او الخارجية .بالتالي يمكن القول كذلك أن تشكيل حكومة التناوب التوافقية كان من هندسة العهد القديم وذلك اعترافا بالوفاء التاريخي لهذه القوى لمؤسسة العرش رغم كل ما يمكن أن يشوب هذه العلاقة من توترات في مراحل تاريخية معينة ، و لم يكن لنخب العهد الجديد دورا حاسما فيها ، بل قبلتها على مضض نتيجة الوضع الذي كانت تمر منه ،و الذي كان يتطلب تثبيت أقدامها في السلطة ودوائر الحكم اولا، وتدبير الشأن السياسي بأقل الخسائر الممكنة إلى حين تمكنها الكلي بدواليب الدولة والحكم والسلطة . ولم يكن ها الاستنتاج تجنيا عليها بل هو بمثابة تحليل موضوعي لما اقدمت عليه من خطوات سياسية عملية تجلت في انتفاضتها ، بعد أربع سنوات من حكم العاهل الجديد ، وما أقدمت عليه من انقلاب عن ما سمي بالمنهجية الديمقراطية في سنة 2003 ،الذي تم من خلاله إجهاض حكومة التناوب التوافقية ،رغم حصول حزب رئيس الوزراء أن ذلك ،الأستاذ عبد الرحمن اليوسفي، على اغلبية نسبية برلمانية .واللجوء بدل ذلك إلى تعيين حكومة تكنوقراط ، بدعوى ان المرحلة لا تقتضي حكومة سياسية ،بل حكومة كفاءات اقتصادية وتقنية . وبدعوى كذلك عدم وجود نص دستوري ملزم لتعيين رئيس الوزراء من حزب الاغلبية في الدستور السابق، وأن ما اعتبر منهجية ديمقراطية يتأطر ضمن العرف الدستوري ، وبالتالي يصبح الملك بصفته رئيسا للدولة غير ملزم به.
يمكن القول اذن ان هذه العملية الانقلابية التي قامت بها النخبة السياسية الجديدة بتحالف وطيد مع الحرس القديم للسلطة المخزنية، شكل الحلقة الأولى في سلسلة التراجعات عن التوافقات السياسية التي عملت على إخراج حكومة التناوب التوافقية الى حيز الوجود . كما شكلت ضربة قاضية لقوى الحركة الوطنية التي دخلت مرحلة الضعف والوهن كقوى استنفذت مهامها التاريخية ،بعد ان شاخت نخبها السياسية والفكرية و غير مرغوب فيها من طرف العهد الجديد الذي أراد أن يثبت شرعيته بعيدا عن مفهوم المشروعية المتبادلة التي حكمت علاقة هذه القوى تاريخيا بالعرش المغربي . وهو ما انعكس سلبا كذلك على وضعها التنظيمي وأدائها السياسي وجعلها تحتل مراتب متدنية في الانتخابات التشريعية لسنة 2007 و 2016 بعد أن تصدرتها في سنة 2003. ب/ تجربة العدالة الانتقالية يمكن اعتبار انطلاقة هذه التجربة ،كان في البداية ضمن مخرجات حل الانتقال الى الديمقراطية كما تصورتها حكومة التناوب التوافقية التي جعلت من مسار تنقية الأجواء الحقوقية ، التي شكلت نقطة سوداء لصيقة بالنظام السياسي المغربي في علاقاته الخارجية والداخلية ، مدخلا لتقويم المسار السياسي الذي دشنته هذه الحكومة من خلال الأوراش الاصلاحية الادارية والسياسية التي اطلقتها ، وذلك من اجل الولوج الى المرحلة السياسية الجديدة ،واستعادة ثقة المجتمع في الدولة ومؤسساتها .. لكن اود القول كذلك ان هذا الورش، كما هو شأن ورش حكومة التناوب التوافقية ، جاء نتيجة مخاض سياسي عسير بصم العشرية الأخيرة من حكم الملك الراحل الحسن الثاني التي تميزت باحتقان الأوضاع الاجتماعية والسياسية ، والتي كان من مظاهرها انتفاضة 1990، وكذا بتعديلين دستوريين سنتي 92 و 96 ، وكذلك إصداره عفوا شاملا على المعتقلين السياسيين ، و أسس مجلسا استشاريا لحقوق الإنسان سنة 1990 .هذا كله من أجل تنقية الأجواء الحقوقية كخطوة اولى في مسار استعادة الثقة وتوفير ما يلزم من الشروط للانتقال السلس للعرش والسلطة . وتجدر الاشارة هنا ،ان هذا المجلس قد تم تعديل قانونه الاساسي سنة 2001 إبان حكومة التناوب التوافقية حتى يتلائم ومبادئ باريس لسنة 1992 ، وفي سنة 2011 سيتم تأسيس المجلس الوطني لحقوق الإنسان، الذي سيتم تعديل قانونه الاساسي في سنة 2019. وهو التعديل الذي سيعرف تراجعا عن كل ما سبق سواء في طريقة تشكله أو في مهامه الموضوعاتية ،وذلك في اشارة واضحة الى كون موضوعة حقوق الإنسان في شموليتها لم تعد تحظى بأهمية كبيرة بالنسبة للنظام السياسي المغربي في حلته الجديدة.
هنا يجدر بنا القول كذلك، إن استحضار هذا الورش المتمثل في تجربة العدالة الانتقالية ،يحيلنا بالضرورة على المراحل الأولى لانطلاقتها و التي يمكن اعتبارها تندرج ضمن صيرورة النضال الحقوقي الوطني، وفي نفس الآن استمرارية للمجلس الاستشاري لحقوق الإنسان الذي تم تعديل قوانينه بمقتضى ظهير 10 أبريل 2001، أي في أوج مرحلة حكومة التناوب التوافقية وبعد سنتين من تولي الملك محمد السادس للعرش. كما ان هذه الصيرورة هي من انتجت لنا هيئة للإنصاف والمصالحة أقرها الملك في 7 يناير 2004 وهيكلها بظهير 10 أبريل من نفس السنة كآلية لمعالجة ماضي الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان بالمغرب. لكن ومن اجل اعادة تقويم مسار هذه التجربة والتحكم في مجرياتها بأريحية تامة والتي أزعجت الدولة العميقة ،كان لا بد من إنهاء حكومة التناوب التوافقية أولا .وهو ما قام به الملك بصفته رئيسا للدولة سنة قبل ذلك. .ويبدو أن الظهير المنظم للهيأة كان مؤشرا على عودة قوية للحرس القديم بما يجسد نية الدولة العميقة في تقزيم هذه التجربة التي رسمت هدفها المتمثل في تبييض صفحة العهد الجديد لكن دون ان تعمل على القطع نهائيا مع ماضي الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان من خلال إعمال مبادئ العدالة الانتقالية الضامنة لعدم التكرار .و التي يشكل الانتقال إلى الديمقراطية روحها الاسمى.وذلك من خلال ما نص عليه الفصل السادس من القانون الأساسي للهيئة الذي حد اختصاصاتها في عدم التطرق للمسؤولية الفردية لمقترفي الانتهاكات، رغم ما يشكله هذا الفصل من تقويض للمبادئ الأساسية للعدالة الانتقالية كما نصت عليها المواثيق الدولية ، المتمثلة أساسا في الحق في معرفة الحقيقة كاملة، و المساءلة وعدم الإفلات من العقاب . وبالتالي يفرغ هذه التجربة من محتواها ،ويفتح المجال لحالات العود والتكرار، كما حدث مع انتفاضة 20 فبراير، ولاحقا مع حراك الريف و زاكورة و جرادة . خلاصة القول .أن تدبير الهيئة لتجربة العدالة الانتقالية التي استقطبت الكثير من الفعاليات اليسارية والحقوقية في بدايتها ،غلب عليها الجانب الشكلي والدعائي بالنسبة للعهد الجديد ، و الترويح النفسي بالنسبة لضحايا الانتهاكات، وذلك من خلال جلسات استماع عمومية يحظر فيها على الضحايا تحديد هوية الجلادين الذين استمروا في مزاولة مهامهم من داخل مواقع مسؤولياتهم الى حدود الساعة .
كما أن توصيات الهيئة بقيت اكثر من اربعة سنوات حبيسة الرفوف والنسيان .ليتم بعد ذلك إقرارها في دستور 2011 الذي جاء تحت ضغط الشارع وما عاشه المغرب من انتفاضة جماهيرية عارمة اطلقت شرارتها حركة 20 فبراير من نفس السنة . وذلك في محاولة للنظام السياسي المغربي لامتصاص الغضب الشعبي ،وليس قناعة منه بضرورة إنجاز عملية الانتقال إلى الديمقراطية، .وهو ما نستشفه كذلك من خلال توزيع مقتضيات الفصل 19 من دستور 1996 على باقي فصول الدستور الجديد ،الذي يجعل من المؤسسة الملكية مؤسسة تسود وتحكم، وغير خاضعة للمساءلة والمحاسبة .كما أن ما يقره في ديباجته من حقوق وحريات ، كما هي متعارف عليها دوليا ،والتي تبدو متقدمة على ما ورد منها في الدساتير السابقة ، تبقى خاضعة للاستثناء المغربي الذي يشترط أعمالها بما لا يتناقض مع الخصوصيات والثوابت الوطنية .وهوما يجعل كل ما ورد ضمن هذه الديباجة معلقا وخاضعة لتأويلات السلطة المخزنية .أن ما يعزز هذه النية المبيتة للدولة كذلك هو عدم أجرأت الكثير من مقتضيات هذا الدستور ، من خلال قوانين منظمة ،وبنيات استقبالية ،سواء تعلق الأمر بتوصيات هيئة الإنصاف والمصالحة ،او بالحقوق والحريات ،أو بالجهوية المتقدمة ،او بالامازيغية ،وذلك رغم مرور أكثر من 8 سنوات على خروج الدستور الجديد الى حيز الوجود. ت/ تأسيس حزب الأصالة والمعاصرة . يبدو ان انقلاب المؤسسة الملكية على المنهجية الديمقراطية في أواخر 2002 واسقاط حكومة التناوب التوافقية وافراغ هياة الانصاف والمصالحة او تجربة العدالة الانتقالية من مضمونها الديموقراطي كان مؤشرا واضحا على عودة المنظومة المخزنية الى التحكم في دواليب الدولة .بل بدأت في هندسة خارطة سياسية جديدة من خلال العمل على تأسيس حزب سياسي جديد على مقاسها يستمد قوته من القصر ومحيطه السياسي و يعمل على الترجمة السياسية لمجمل القضايا المفكر فيها من داخل الغرف المغلقة وذلك في عودة قوية للنهج القديم الذي كان يدير العملية السياسية وفق مقولة لكل مرحلة سياسية رجالاتها واحزابها .وهو ما ذهب إليه العهد الجديد كذلك عبر تأسيس حزب الأصالة والمعاصرة سنة 2008 الذي استقطب إليه خليطا من الفعاليات اليسارية المقتنعة بما سمي بالعهد الجديد والأعيان ورجال الأعمال والكثير من الانتهازيين الذين وجدوا فيه فرصة لتحقيق مصالحهم الشخصية بحكم انتساب هذا الحزب إلى القصر ومحيطه . وهو الحزب الذي أثار الكثير من اللغط السياسي عند باقي الفرقاء السياسيين الذين اعتبروا أن ما يحظى به هذا الحزب من رعاية مباشرة من الدولة يعدم تكافؤ الفرص فيما يخص التنافس السياسي بين مكونات المشهد الحزبي . في هذا السياق وخلال العشرية الاولى من الالفية الثالثة كانت الأمور تسير بشكل سلس بالنسبة للعهد الجديد الذي استطاع أن يستقطب اليه الكثير من النخب السياسية والحقوقية والجمعوية الجديدة المنحدرة من مختلف مشارب اليسار الديموقراطي والحركة الثقافية الامازيغية وغيرها من الليبراليين الجدد وذلك اما عبر ما تم ابتكاره من مجالس عليا ، أو عبر المؤسسات التي تم استحداثها ، أو عبر الوافد السياسي الجديد ،كل هذا بعد أن كاد النظام السياسي المغربي أن يفقد قدرته على تجديد نخبه السياسية التقليدية التي شاخت في عمرها الببولوجي، وبعد أن ضعفت الأحزاب السياسية الوطنية والديمقراطية التي كانت تمده بما يحتاجه من كفاءات، وتراجع دورها في تأطير المجتمع مما أضعف قدرتها على انتاج نخب جديدة تجدد من خلالها دورة الفعل السياسي سواء من داخل الدولة او المجتمع .كل هذا تم دون اي تنازلات من طرف النظام السياسي المغربي الذي استمر في مناوراته السياسية القائمة على تدبير الممكن في العملية السياسية بما يضمن تحكم السلطة المخزنية في مفاصل الدولة والمجتمع وذلك وفق منهجية تقليدية للعمل السياسي تروم الى تكريس الحكم الفردي والفساد الاقتصادي. إن استحضرت حزب الأصالة والمعاصرة ضمن مؤشرات القطيعة والتميز على العهد القديم ….فلكون النظام السياسي المغربي في طبعته الجديدة قد راهن كثيرا عليه ،من أجل تصريف مشاريعه السياسية التي تنتج من داخل الغرف المغلقة ، واعتبره عند التأسيس بديلا ليس فقط عن الأحزاب المسمات ادارية التي اسسها الملك الراحل الحسن الثاني، بل بديلا حتى عن احزاب الحركة الوطنية التي قطع معها العهد التاريخي الذي ربط علاقة هذه الأحزاب بمؤسسة العرش ،وهو ما دشنه عمليا بإعفاء الأستاذ عبد الرحمن اليوسفي كرمز من رموز هذه الحركة في مقابل تأسيس الحزب الجديد ليتبوأ صدارة المشهد السياسي والحزبي لفترات مقبلة وفق ما كان منتظرا ومخططا له. لكن مع انطلاق العشرية الثانية وبعد ما شهدته الكثير من شعوب المنطقة من انتفاضات وحركات احتجاجية جماهيرية ضد الفساد والاستبداد، والتي لم يكن المغرب في معزل عنها من خلال حركة 20 فبراير التي شكلت صدمة قوية للنظام السياسي المغربي الذي استفاق على رفض جامع من مختلف قوى المجتمع لما تم انتهاجه من سياسات عمومية سواء في شقها السياسي أو في شقها التنموي ،أو حتى ما تعلق منها بالكثير من الاوراش التي تم تعليقها او إفراغها من محتواها الديمقراطي، كالجهوية المتقدمة، و الأمازيغية ،وقانون الأحزاب ،والعدالة الانتقالية الخ... كما أن هذه الانتفاضة التي شهدها المغرب إبان حركة 20 فبراير بقدر ما شكلت رفضا عمليا للشعارات التي رفعتها الدولة ، و رفضا شعبيا لسياسات هذه الاخيرة في تدبير الشأن العمومي، بقدر ما شكلت أول اختبار فاشل لحزب الأصالة والمعاصرة كحزب راهنت عليه الدولة العميقة في ضبط نبض الشارع السياسي، و كقناة لتصريف مشاريعها السياسية . بل أكثر من هذا أصبحت قياداتها تشكل مادة دسمة مؤثثة للكثير من الشعارات الغاضبة للمتظاهرين .ورغم الانتعاشة التي شهدها هذا الحزب مباشرة بعد أن تم قمع حركة 20 فبراير والدعم القوي الذي تلقاه من الدولة العميقة بغاية ربح رهان استحقاقات 2016 و تصدر المشهد الانتخابي، وتمكينه من رئاسة الحكومة وفق السيناريو الذي رتبت له النخبة السياسية الجديدة، التي يبدو ان يقينيتها في ربح هذا الرهان، هو من انساها التدقيق في الفصل 47 من الدستور الجديد الذي يجعل من رئاسة الحكومة شانا حصريا للحزب المتصدر للانتخابات .وذلك دون التطرق الى مسالة تحديد المهلة الزمنية لشكلها ،ولا الى احتمال اللجوء إلى بدائل حزبية اخرى في حالة فشل الحزب الأكثر تمثيلية في مشاوراته السياسية لتشكيل الحكومة . لكن فشل حزب الاصالة والمعاصرة في تصدر نتائج هذه الانتخابات ، التى فاز بها بدلا عنه حزب العدالة والتنمية الذي أحدث أزمة دستورية وسياسية عندما تشبث الاستاذ بنكيران بحقه الدستوري في ترؤس الحكومة رغم فشله في تشكيلها ،وذلك بعد أن أخفق في عقد تحالف سياسي يمكنه من الاغلبية البرلمانية المطلوبة لتمريرها والمصادقة عليها. و هو الفشل الذي كان وراءه التدخل المفضوح للنخبة السياسية الجديدة من اجل افشاله ،كشخص غير مرغوب فيه ، والبحث عن بديل له من داخل نفس الحزب وفق مقتضيات الدستور. ودون أن نغفل القول كذلك ،كون حزب العدالة والتنمية بدوره استفاد ولا زال يستفيد من دعم محافظي الدولة العميقة الذين رعوه ودعموه تاريخيا ، ومكنوه من مؤسسات الحقل الديني، وشجعوا منظومته الفكرية والثقافية من خلال استحداثهم لبرامج تعليمية فارغة من كل ما يحيل على الفكر النقدي التنويري كما مكنوه من برامج محو الامية ،ومؤسسات التعليم الديني والمدارس القرآنية التي زادت من اعدادها وتخصصاتها . بالاضافة الى عدم قدرة هذا الحزب على استيعاب اللحظة بما حبلت به من مستجدات ليجد نفسه ،اي حزب الأصالة و قيادييه الذين راهنوا على دعم الدولة لهم من خلال نخبتها السياسية الجديدة التي تشكلت في خضم مرحلة العهد الجديد ، ضحية وحطبا للصراع بين اجنحة الدولة العميقة ،وذلك نتيجة سوء الفهم وجهلهم بعملية الصراع الداخلي بين مختلف هذه الأجنحة ، التي وفي إطار الحفاظ على توازناتها ، يمكن أن تستبدل رهاناتها الحزبية والسياسية كما تستبدل المعاطف . هذا كذلك بالإضافة الى ما شهده المغرب من حراك شعبي واسع اندلع مباشرة بعد الاستحقاقات التشريعية لسنة 2016 ،خاصة بمنطقة الريف التي رغم كون حزب الأصالة والمعاصرة فاز بأغلبية مقاعدها البرلمانية، وبأغلبية مجالسها المنتخبة ،إلا أنه فشل في ضبط وتوجيه الحراك الشعبي بالريف ،الذي اقلق الدولة العميقة بمختلف أجنحتها كثيرا. وهوما زاد من قناعة الجناح الذي راهن على هذا الحزب ، وعلى نخبته القيادية المنحدرة من الريف الى التخلي علبه، واستبداله بحزب الأحرار كرهان مستقبلي في إطار الاستعداد للاستحقاقات المقبلة لسنة 2021 .لكن وقبل ان يأخذ هذا الحزب موقعه الثانوي الجديد ، في المشهد الحزبي يبدو أن الجناح السياسي الذي كان وراء تأسيسه قد أخذ على عاتقه استكمال مهمته بإفراغ هذا الحزب من قيادييه المنحدرين من الريف ، او تقزيم تواجدهم فيه ، والذين دخلوا في حرب طاحنة فيما بينهم ،وبعد أن ثبت عجزهم في ضبط هذه المنطقة التي تؤرق الدولة المركزية تاريخيا ،فكان فشل الرهان على هذا الحزب مزدوجا سواء كمشروع سياسي قادر علي مجابهة قوى الإسلام السياسي، أو كقيادة ريفية راهنت عليها الدولة المخزنية من أجل تحسين العلاقة التاريخية المتسمة بالتوجس والتوتر التي بصمت الذاكرة الجماعية لأهل الريف إزاء الدولة المركزية . .كل هذا دفع بالنظام السياسي المغربي إلى التخلي عن المنتوج السياسي الحزبي الوحيد لمرحلة العهد الجديد ،الذي كان قد أراد به التميز والقطيعة عن العهد القديم وما فرخه من أحزاب. والرجوع بدل ذلك الى الرهان على الهيئات السياسية التقليدية من أجل هندسة خارطة سياسية جديدة ،وذلك باستبدال حزب الاصالة والمعاصرة بحزب الأحرار كمؤشر آخر واضح على فشل النخبة السياسية الجديدة في كسب رهان القطيعة والتميز والرجوع الى الادوات الحزبية التي أسسها العهد القديم.
3 /العودة والاستمرارية إذن على ضوء ما سبق و وفي تقييمنا لمؤشرات التميز والقطيعة مع العهد القديم يمكن القول أن جميع الشعارات و الأوراش بما فيها ورش الجهوية المتقدمة التي ساتطرق له ولو بشكل موجز في سياق هذه الفقرة ضمن مؤشرات العودة والاستمرارية .وأن كل ما تم رفعه من شعارات حول المفهوم الجديد للسلطة التي تم تناولها وتقديمها للشعب المغربي من طرف الدولة أو من طرف من اعتبروا المرحلة فرصة سانحة لتحقيق الانتقال الديمقراطي و على كونها تشكل بريق أمل في احقاق التنمية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية قد تم اجهاضها لاحقا وذلك بمجرد أن تمكنت المؤسسة الملكية من تثبيط سلطتها في دوائر الحكم .إذ عملت بعد اربعة سنوات من انتقال العرش الى الملك الجديد من تدشين أول حلقة في مسلسل التراجعات التي تمثلت في الانقلاب على المنهجية الديمقراطية وذلك بأنهائها لحكومة التناوب التوافقية رغم تصدر حزب رئيس الوزراء ان ذلك الأستاذ عبد الرحمن اليوسفي لانتخابات 2003 وتعيينه حكومة تكنوقراط بديلا عنها وهي الحلقة السياسية المفصلية والضرورية لتعبيد الطريق أمام تراجعات لاحقة شملت كل ما تم طرحه من اوراش مبشرة بمغرب جديد ممكن خاصة ما تعلق منها بتجربة العدالة الانتقالية التي تم إفراغها من مضمونها الديمقراطي و الذي يعد المعيار الأساسي لتقييم نجاحها من عدمه وضمانة لعدم تكرار ماضي الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان الذي بينت الأحداث الاخيرة وما عرفه المغرب من انتفاضات شعبية في العشرية الثانية استمراريتها بنفس الوتيرة و دون أدنى مساءلة للمسؤولين عنها ولم يعلن عن نتيجة أي تحقيق من التحقيقات التي باشرتها الدولة في ما يخص هذه الانتهاكات التي طالت الحق في الحيات للكثير من النشطاء بالاضافة الى التعذيب الذي تعرض له العشرات من المعتقلين. و يمكن القول كذلك ان ما انطبق على تجربة حكومة التناوب التوافقية وتجربة العدالة الانتقالية ينطبق على مشروع الجهوية المتقدمة التي أثارت الكثير من النقاشات العمومية خاصة مع ما طرحه مضمون خطاب 6 نونبر لسنة 2008…..الذي ذهب بعيدا في استفزاز سؤال الجهوية بعد أن اعتبر النقاش حوله مفتوحا في حدود احترام الثوابت الوطنية . لكن مع الأسف ورغم اهمية هذا الورش الذي كان سيعيد النظر في شكل الممارسة السياسية الديمقراطية المبنية على النظام التمثيلي الذي اثبتت التجارب السياسية السابقة فشله في إحقاق التنمية والعدالة الاجتماعية والمجالية وهو ما أقر به الملك نفسه في خطاب افتتاح الدورة التشريعية لسنة 2017 .كما أن هذا الورش المهم كان من الممكن أن يؤسس لنظام سياسي قائم على مبدأ المشاركة الحقيقية للجهات الترابية في تقرير وتنفيذ السياسات العمومية .لكن مع الأسف كان لغياب الإرادة السياسية في التغيير الذي تمثلته النخبة الحاكمة المتشبثة بنموذج نظام الحكم المركزي لما يتيحه لها من إمكانيات للتحكم والسيطرة دورا حاسما في افراغ مضمون هذا الورش الذي تم تقزيمه في حدود ما يمكن تسميته بالجهوية الإدارية مع العمل على تدعيم تمركز اجهزة الدولة الحاكمة داخل الجهات الترابية .هذا دون أن ننسى الموقف السلبي للأحزاب المؤثثة للمؤسسات الدستورية من هذا الورش التي تلكأت في إبداء رأيها فيه مما دفع حينها الاستاذ عزيمان الى طلب تمديد المدة 6 اشهر اضافية بحجة ان الاحزاب السياسية لم تبدي مقترحاتها في المشروع وذلك في تماه تام مع موقفها السلبي واللامبالي من مشروع الحكم الذاتي في الأقاليم الصحراوية الذي عرضه الملك على الاحزاب لادلاء مقترحاتهم فيه. من خلال المأل الذي لقيته هذه الأوراش اذن بلاضافة الى مشروع قانون الأحزاب الذي يمنع تأسيس الأحزاب الجهوية والذي نال اجماع الفرقاء السياسيين خلال جلسة التصويت عليه في البرلمان يمكننا القول إن النظام السياسي المغربي قد فشل في تحقيق هذه القطيعة و بناء صورة جديدة له تميزه عن العهد القديم كما روج لها الكثير ممن اعتقدوا في البداية بما سمي بالعهد الجديد وهو ما كثفه كذلك دستور 2011 الذي كرس نظاما سياسيا …. على 4/ سقوط الامل وانهيار مرحلة. الان وبعد ان مر ما يقارب العقدين من ما سمي بالعهد الجديد وبعد الوقوف على مجمل المؤشرات التي تعكس مدى تقدم الدول والمجتمعات وأنظمتها السياسية وعن مدى احترامها للحقوق والحريات. وبعد استحضار ما يشهده المغرب من فشل في في مجالي التنمية والديمقراطية التي أقر بها الملك رسميا بصفته رىيسا للدولة في خطاب افتتاح الدورة البرلمانية سنة 2017 عندما اقر بفشل النموذج التنموي وبعدم قدرة نموذج الدموقراطية التمثيلية على تحقيق الاهداف والغايات المرجوة منها وعجز الأحزاب عن ممارسة دورها في التاطير والوساطة و عجز ادارات الدولة في تلببة حاجيات المواطنيين والمواطنات وكذلك بعد استحضار ما يشهده المغرب من تدن خطير لمستوى الخدمات الاجتماعية كالصحة والتعليم وارتفاع نسبة البطالة ومؤشر الرشوة الذي يضع المغرب في ذيل الترتيب الدولي و كذى تدني معدل النمو الذي لن يتجاوز 2 %هذه السنة وارتفاع حجم المديونية الخارجية إلى اكثر من 92 % من الدخل الاجمالي الخام الوطني دون احتساب الدين الداخلي هذا بالاضافة الى التدهور الخطير لاوضاع حقوق الانسان كما ورد في الكثير من التقارير الوطنية والدولية وفي هذا الصدد.يكفي ان نقول ان اللجنة الاممية صنفت المغرب ضمن 25 دولة في العالم التي تشهد انتهاكات خطيرة للحقوق والحريات. امام هذه الاوضاع الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والحقوقية التي تعكس الفشل الذريع لنظامنا السياسي في كل ما وعد به من إصلاحات تؤسس لعهد جديد من الحكم والسلطة تقطع مع ممارسات العهد القديم وبالتالي فشل السياسات العمومية في تدبير الشأن العام. وعودة مكثفة للتقاليد المخزنية العريقة مما جعل الكثير ممن تفائلوا بالعهد الجديد و باقتراب عملية الانتقال الديمقراطي سواء من الفعاليات اليسارية والحقوقية والثقافية في بداية انتقال العرش والسلطة يصابون بإحباط شديد جعل الكثير منهم يتراجعون إلى الخلف .كما أن هذه الاوضاع وما تؤشر عليه من احتقان اجتماعي وسياسي وعودة النظام السياسي المغربي إلى طبيعته التقليدية في ممارسة الحكم والسلطة والعمل على إفراغ المجتمع من تعبيراته السياسية والثقافية المناهضة لثقافة التحكم والاستبداد والمطالبة بالحرية والديمقراطية وذلك من خلال التهديد والتضييق الذي يمارسه عليها في مقابل تشجيعه للاحزاب والفعاليات التي تزكي منظومة الفساد السياسي التي يغدق عليها بكل أنواع الريع والامتيازات مما افقد الممارسة السياسية مصداقيتها لدى أوسع فئات الشعب المغربي التي فقدت كذلك الثقة في الدولة ومؤسساتها الوسطية. .كل هذا يؤدي بنا الى القول إذن ليس فقط بفشل ما سمي بمرحلة العهد الجديد الذي أبان على كونه استمرارية للعهد القديم بل باقتراب نهاية هذه المنظومة الفاسدة من خلال ما سيشهده المغرب في المدى المنظور من حراك شعبي شامل تجمع جميع التقارير الدولية على اقتراب حدوثه بحيث يعتبر المغرب مرشحا لحالة عدم استقرار اجتماعي وسياسي بعد كل من السودان والجزائر. وإن المغرب يسير فعلا نحو المجهول وكل خوفي في هذا هو أن الانتقال في المغرب حسب طبيعة النخبة الحاكمة وما تبديه من تعنت ومقاومة لأي تغيير ديموقراطي يمس امتيازاتها التي تؤمنها لها منظومة الحكم الفاسدة سوف لن يكون سلميا بل عنيفا لا نستطيع كمتتبعين ومهتمين بالشأن السياسي المغربي تلمس نتائجه الإيجابية خاصة مع ما يشهده المجتمع من افراغ قسري لنخبه الفكرية والسياسية خاصة تلك المصنفة ديمقراطية وحداثية في مقابل تغول حركات الإسلام السياسي التي تبدو أكثر تنظيما واستفادة من الوضع الحالي ومهياة اكثر من اي طرف اخر لاقتناص الفرصة للتحكم وتوجيه أي حراك شعبي شامل في الاتجاه الذي تريده .