بعد ولادته القيصرية من حريم القصر وفي ظرف وجيز إستطاع حزب البام الإستلاء على مجموعة من المواقع الحساسة، إلى درجة كان يوصف نكاية أو مجازا بالتحكم لأنه كان يستمد قوته، سلطته و"شرعيته " من مربع القرار، لكن هذه "العجرفة" السياسية لم تدم طويلا، قد يختلف المحللين والمتتبعيين حول الأسباب التي أدت إلى تعطل محرك الجرار خاصة بعد نزول أو إنزال سائقه الذي تركه في العقبة ينفث دخانا كثيفا دون أن يفلح في تجاوز العقبة لأن المحرك استنفذ قواه وصاحبه انتهت صلاحيته، قلت قد يختلف هؤلاء لكن ليس هناك عاقل منهم يمكن أن يدعي بأن الصراع الحالي داخل البام هو صراع سياسي حول مستقبل الحزب، تصوراته ومشروعه...، أبدا ليس هذا هو لب الصراع حتى لو تظاهر بعضهم أن الأمر كذلك، بل هو صراع شخصي تؤطره المصلحة الشخصية وجشع التملك والمال والسلطة المزيفة. كتبت قبل عقد من الزمن مقالا معنونا " هل البام قوة سياسية أم موضة سياسة"، كان لي حدس أمدني باستشعار بأن نهاية هذا الحزب لن تكون طبيعية بل سيرافقها عويل وصخب وتشفي ومحاسبة وانتقام وثأر وعداوات بين الأخوة وكشف المستور وفضح المسروق، لأن ما بني على باطل فهو باطل، وشبهته، آنذاك، بالموضة والبروباغندا المخزنية التي تظهر بالقوة لكنها لا تستمر كثيرا، ولم يخني حدسي بل كان على درجة عالية من التوقع، خاصة أن الحزب خرج عاريا وبدون مرجعية سياسية تخول له الاستمرار في الزمن، بقدر ما كان حزبا هجينا يجمع خليط غير متجانس قاسمهم المشترك هو المصلحة والسعي نحو مستقبل شخصي أفضل، مما أسال لعاب الكثرين خاصة الشباب منهم للبحث عن مصلحتهم فراحوا يتوافدون لنيل بطاقة المرور لولوج مقطورة الجرار أفواجا إلى درجة أصبح فيه الحزب متنفسا في انتظار أي فرصة للإنقضاض عليها. كما سبق لي أيضا أن كتبت مقالا خلال الانتخابات الجماعية الأخيرة لما تقدم للترشح لها الأمين العام للحزب في مسقط رأسه، معنونا " إلياس العماري يعود إلى مسقط رأسه للتحضير لجنازته السياسية"، تحدثت فيه عن نهاية الحياة السياسية للرجل، لكن لم يكن يخطر في بالي أن نهايته السياسية تعني بشكل أو بأخر نهاية الحزب بهذه السرعة، ربما لأن الرجل استشعر هذه النهاية و فضل النزول من مقطورة الجرار أثناء العطب، حتى لا يسجل عليه التاريخ أنه فقد التحكم في مقواده، أو ربما أُنزل منه حتى يتيه كل من فيه ويسقط ويموت كل من ركبه لأن المخزن لم يعد محتاج للجرار لحرث الحياة السياسية، فالحمام لم يتحمل ضوضاء الجرار ودخانه الكثيف الملوث للأجواء السياسية. قبل أن يستقيل/ أو أقيل إلياس العماري من قيادة البام كان يتخذ من صفحته الشخصية على الفايسبوك قبل أن يغلقها بشكل نهائي مجالا للبوح السياسي وسرد المشاعر الشخصية، فظل السيد لفترة طويلة وبشكل يومي يكتب عن الخيانة، الصداقة، الوفاء، نوستالجيا بدايته السياسية...حنينه للماضي، رغبته في الاستقرار بشكل نهائي في مسقط رأسه، وتلك الأقاصي كانت سردا بالواضح لحالته السياسية والوجودية الشبيهة بلحظة التخريفات التي يرويها الانسان وهو على فراش الموت حيث يتذكر الموتى والأصدقاء القدماء قبل أن يسلم روحه للباري، إنها لحظة الإحساس بالعجز عن فعل أي شيء أمام هول الأحداث التي عصفت بأمانيه لم يشفع له اغتناءه السريع باسم السياسة ولم ينفه لا مال ولا ... وفي الواقع كل ما كان يكتبه كان فيه جزء كبير من الحقيقة التي بدأت تظهر الآن داخل الحزب، كيف لا و الإنسان عندما يحس أن الموت تقترب منه غالبا ما يستحضر الماضي و الحاضر في قالب مشاعري مؤلم و مؤثر. لكن السؤال المطروح، من كان يقصد إلياس بالخيانة، من جيئ به ليصل لتلك المكانة، أم كان يقصد من جاء بهم خاصة من أبناء جلدته أم أشياء أخرى لم تكن له الشجاعة في ذكرها تفوق مستوى الصداقة البسيطة...؟ تحدث الفلاسفة قديما كون العدالة قيمة القيم و أنها ضرورية لكل زمان و مكان إلى درجة لا يمكن حتى للصوص الإستغناء عنها للوصول إلى مصلحتهم وأغراضهم المشتركة، و إن كانت ظالمة إلا إذا تفادوا الظلم و حكموا العدالة فيما بينهم، هذا هو مصير من لا يؤمن بالعدالة، الخيانة بدأت تلوح في الأفق بدء ببعض الصحفيين ربما تلقوا الضوء الأخضر الذين كانوا بالأمس يسبحون ويقيمون الصلاة باسم البام و اليوم أصبحوا أكبر منتقديه، مرورا بمن كانوا بالأمس يتقاسم معهم شعار قادمون وقادرون، فلا هم قدموا ولا هم عبروا عن أي قدرة معروفة، و صولا إلى من أعلنوا يوما الحسيمة قلعة بامية حصينة، و هي زمرة من المفسدين إغتنوا على حساب دماء شهداء زلزال 2004، والآن توجه الاتهامات الصريحة لأحد تلك الوجوه بسرقة ملايين من مالية الحزب وهي تهمة ترتفع فيها درجة العقوبة الأخلاقية إلى مستوى الغدر و خيانة الأمانة. هذا هو نهاية المفسدين الذين ينتعشون من ريع التموقع في الحاشية فكم من جائر تجبر وعاث فسادا في الأرض بسبب استعماله لمربع السلطة ، ويروي التاريخ الذي لا يخطئ أن نهايتهم قلما تفلت من المأساوية والتي تأتي غالبا على يد من صنعوهم في الصالونات المكيفة من أجل التلاعب بوجدان الشعب وآلامه وأماله، لكن العقوبة ستكون قاسية في حق هؤلاء لأنهم مطاردون بلعنة منطقة لا تتساهل مع أبسط انحراف لنخبها وأحرى من غرق في الفساد و الإعتناء على حساب بؤس المنطقة التي روجوا فيه لسياسة شبيهة لمن يبيع القرد ويضحك على صاحبه.