يعتبر مركز الذاكرة المشتركة من اجل الديمقراطية و السلم العلاقة المغربية الاسبانية احدى أهم اهتماماته بالنظر الى اشتغاله اساسا على ماضي هذه العلاقة و البحث عن سبل معالجة اختلالات ماضي هذه العلاقة في افق بناء علاقة مغربية اسبانية متينة، صلبة خالية من كل ما يسئ الى حسن الجوار والى التعاون الاقتصادي و السياسي و الاجتماعي. من هذا المنطلق تجري جريدة " دليل الريف" حوار مع عبدالسلام بوطيب رئيس مركز الذاكرة المشتركة من اجل الديمقراطية و السلم، و الحائز على احدي أهم الجوائز الحقوقية و السياسية التي تمنحها اسبانيا في محال حقوق الانسان و الدفاع عن الحريات، وذلك للتعليق على نتائج الانتخابات التشريعية بالجارة الشمالية، ومشتقبل العلاقات المغربية الاسبانية على ضوء هذه النتائج. ------------------------------ سؤال : انتهت الانتخابات التشريعية التي جرت أمس 28 أبريل في إسبانيا الى انتصارا واضح للحزب العمالي الاشتراكي الذي تصدر النتائج بفارق كبير عن غريمه التقليدي الحزب الشعبي المحافظ ، في مقابل اختراق واضح حققه "فوكس"، الحزب اليميني المتطرف و حصول حزب اليمين الوسط " سيودادانوس" على مقاعد كثيرة ، في نظرك ما أسباب هذا الانتصار و هذا التراجع و هذا الاختراق و هذا التقدم؟ في اعتقادي أن هذه النتائج كانت منتظرة جدا منذ اسقاط حكومة ماريانو راخوي بعد ملتمس الرقابة، ذلك أن إسبانيا ما زالت في دائرة ردود الفعل السياسية التي أعقبت هذا الاذلال الذي تعرض له الحزب الشعبي عقب انفجار فضائحه المالية/ رشاوي . لقد كان من المنطقي ان " يتشضى" هذا الحرب و يفقد كثير من بريقه الذي كان يعرف كيف يحوله الى مقاعد برلمانية ، بالنسبة لي فالحزبين معا – أي فوكس و سيودادانوس– الفائزين أمس ،هما الابنين "العاقين" للحزب الشعبي، و"فوكس أكثر عقوقا، او قل هو الكاشف عن الافكار التي ظل الحرب الشعبي يخفيها خاصة عن بلدان المحيط، أما التقدميون الاسبان فقد كانوا يعرفون الحزب الشعبي جيدا . الا أن هذا "التشضي" لم يكن كافيا ليحصل الحزب الاشتراكي العمالي على ما حصل عليه لولا الذكاء الخارق لقائده بيدرو سانشيس الذي رجع من" الموت السياسي "مرتين ،و الذي اعتمد على استراتيجة "الدعوة المكثفة للتصويت" قصد قطع الطريق على خطر اليمين المتطرف المتمثل في حزب "فوكس"، و استغل جيدا خطط "اليمين الجبان" كما اصبح يسمي كثير من الاسبان الحزب الشعبي، كما استغل كذلك صراعات "حزب بوديموس" وصيغ معالجتها و عدم وضوح مواقفه من عدة قضايا خاصة فيما يتعلق بتقرير المصير بكتالونيا التي اثرت سلبا على تواجده الانتخابي ، اضف الي كل هذا أن بيدرو سانشيس عرف كيف يلتف ايجابيا على كل مطالب "بوديموس"و حولها في عهده الى مكاسب تاريخية للإسبان مما سمح له من كسب أصوات المترددين و لا سيما الشباب منهم. على الرغم من هذا الفوز التاريخي و الذكي الذي حققه الحزب العمالي الاشتراكي، هل يمكن للحزب العمالي الاشتراكي أن يحكم بمفرده؟ أم سيكون مضطرا للبحث عن حليف سياسي من الاحزاب الكبرى أو الاحزاب القومية و الجهوية للوصول إلى الأغلبية المطلقة أي 176 نائبا برلمانيا من أصل 350 مقعدا التي يتشكل منها مجلس النواب الإسباني؟ في اعتقادي هناك أكثر من اربع سيناريوهات : الاول هو التحالف مع اليسار المتطرف المتمثل في "حزب بوديموس" فقط، الثاني التحالف مع نفس الحزب بالإضافة الى بعض الاحزاب الجهوية غير الاحزاب الكتلانية، الثالث أن يتحالف مع الليبراليين أي حزب "سيودادانوس" و الرابع أن يحكم لوحده كحكومة أقلية، من خلال متابعتي لتدخلات و كتابات بيدرو سانشيس و تعقد الوضع السياسي الراهن ، ووضعية الاحزاب السياسية الاسبانية داخليا ، باستثناء حزب "سيودادانوس" ، يبدو لي أنه سيتجه نحو الحكم لوحده، و سيشكل حكومة اقلية، مما سيتطلب منه ذكاءا كبيرا في بناء مشاريعه السياسية يضمن من خلال ذلك تأييد المباشر مرة من سيودادانوس و بعض اليمين الأخر ، و مرة من "بوديموس" و بعض الاحزاب القومية و الجهوية . "قدماء " الحزب سيطالبون بالتحالف مع "سيودادانوس" ، لكن بيدرو سانشيس و محيطه الشاب لن يذهبوا في هذا الاتجاه ، و نتذكر جميعا أن أول ازمة تعرض لها بيدرو سانشيس قبل العودة الاخير لقيادة الحزب كانت بسبب مشكل مماثل لهذا . أما التحالف مع "بوديموس" وحده أو مع الاحزاب القومية و الجهوية الأخرى فلا اعتقد أنه سيكون خيارا صحيحا. لان اسبانيا اليوم ليست في حاجة لتضييع الوقت مع حزب غير واضح المواقف في الملفات الاستراتيجية، و لا مع انفصاليين لا يحترمون دستور الدولة، بل اسبانيا اليوم هي في حاجة، اكثر من أي وقت مضى ، الى شجاعة الاشتراكيين لانهم المؤهلون في نظري لإيقاف المد الانفصالي، و معالجة الاختلالات الاقتصادية و الاجتماعية التي تسبب فيها اليمين بسياستهم و وبتلقيهم لرشاوي أثرت على الاقتصاد كما أثرت على صورة السياسي في اسبانيا حتى غادر الناس مراكز التصويت في الانتخابات الاخيرة ، اضف الى كل هذا أن الاشتراكيين قادرون كذلك على ايقاف اليمين المتطرف و مواجهة مشاريعهم الحاطة من كرامة النساء و المهاجريين الشرعيين وغير الشرعيين و الاسبان الجدد ، و قضايا الذاكرة و محاسبة الفرنكاوية. و ماذا عن العلاقة مع المغرب؟ أنا اعتقد أن بيدرو سانشيس سيسير الدولة بالاشتراكيين وحدهم ، ان حدث هذا فالأمر في العلاقة مع المغرب محسومة لان الاشتراكيين الاسبان الشباب اكثر براغماتية من غيرهم ، و هم في علاقتهم مع المغرب سيلجؤون الى ميزان "بيض النمل" لقياس مواقفهم لانهم يعرفون أن لا مفر من المغرب ك شريك تجاري ، و كشريك استراتيجي في عدة قضايا خاصة الارهاب و الهجرة ، و أن المغرب البلد المحيط الأكثر تفهما للوضع الترابي الاسباني و الأكثر دفاعا عن وحدة اسبانيا كما يدافع هو عن وحدته الترابية . دليل الريف