ب /الدولة المخزنية وموقعها من النقاش الفكري والسياسي بين اليسار وقوى الإسلام السياسي. قبل مقاربة هذا العنصر الذي اوردته في سياق التحليل ، لابد من طرح بعض الأسئلة المستفزة . هل من حاجة لأن تلعب الدولة المخزنية دور المحرض لتاجيج التوتر بين اليسار وحركات الإسلام السياسي ؟.وهل لليسار موقع يؤهله لأن يشكل فعلا عنصر قلق للدولة؟.أم أن ما يجمع الاصولية الدينية والأصولية السياسية المخزنية اقوى من اي علاقة يمكن أن تربطهما باليسار ، وان تحالفهم يتموقع بطبيعته على نقيض المشروع اليساري الديمقراطي . اولا وقبل كل شيء يمكن القول إن اليسار بمختلف تياراته وأحزابه لم يعد يشكل بالنسبة للدولة المخزنية أي تهديد يذكر بفعل واقع التشتت التنظيمي الذي يشهده، وعدم قدرته على مراجعة تصوراته السياسية ،وتجديد أدوات اشتغاله من أجل استعادة قدرته على الفعل والتأثير والتعبئة..مما جعله منكفئا على نفسه و معزولا على المجتمع الذي فقد الثقة في الدولة ومؤسساتها وفي جميع القوى السياسية بمختلف تلاوينها بما فيها القوى اليسارية . كما أن الطبيعة السياسية لهذه القوى الدينية وما تتبناه من مشاريع سياسية ومجتمعية بديلة يجعلها تتموقع موضوعيا في الجانب النقيض من المشروع المجتمعي الحداثي لقوى اليسار .وبالتالي ليس هناك ضرورة لتدخل الدولة المخزنية في اتجاه تصعيد التوتر بين هذه القوى وتلك المحسوبة على الإسلام السياسي خاصة أمام ما نشهده من تحالف بين الاصولية المخزنية والاصولية الدينية التي وضعت كل طاقاتها في خدمة الدولة حتى وإن كان ذلك على حساب مصالح الشعب المغربي المتمثلة في التنمية والديمقراطية .وهو ما نسجله من خلال تمريرها من داخل مسؤوليتها الحكومية للكثير من المشاريع والإجراءات الاقتصادية التعسفية المملات من المؤسسات الدولية المانحة . أو من خلال عدم انخراطها في الكثير من الحركات الاحتجاجية الجماهيرية سواء تلك التي تدعو للنزول للشارع ،او تلك التي تدعو الى مقاطعة بعض المواد والسلع الاستهلاكية لبعض الشركات التي يحملها المجتمع مسؤولية ما آلت إليه أوضاعه الاقتصادية والاجتماعية. كما أن هذا التحالف الذي قد يبدو تكتيكيا من الجانبين وتسوده علامات الحيطة والحذر من جانب الدولة من جهة ،التي تتوجس من الحضور المتنامي لحركات الإسلام السياسي ومن طموحاتها السياسية التي تهدف إلى إخضاع السلطة السياسية لارادتها من خلال تحكمها المتدرج في مفاصل الدولة والمجتمع ومن مؤسسات الشأن الديني، التي يمكن أن نعتبرها ثمنا مقابل ما تمرره عن وعي من إجراءات غير شعبية من داخل مسؤوليتها الحكومية ، أو ما تبديه هذه الاخيرة من جهة اخرى ، من حيطة وحذر من الدولة المخزنية التي عملت تاريخيا على توظيف الحقل الديني لضمان استمراريتها وترسيخ مشروعيتها ،وبالتالي فهي لا تستأمن جبروت السلطة المخزنية التي تعمل على كبح طموحاتها وتطويعها في أفق جعلها عنصرا ينضاف إلى باقي العناصر المؤثثة لمشروعيتها الدينية ، ويعزز من إمكانياتها في ضمان استمراريتها في الحكم والسلطة. كما أن هذا التحالف الذي ياخذ شكل زواج المتعة عند بعض الفقهاء، ورغم كونه يبدو تكتيكيا لا زال يتمتع بكل مقومات الاستمرارية لما يشكله من حاجة موضوعية متبادلة ترى فيه الدولة المخزنية عنصر استقرار سياسي واجتماعي ضروري لهذه المرحلة لما تتسم به من أزمات اقتصادية وسياسية واجتماعية ،تغيب فيه البدائل الحزبية التقليدية والادارية الأخرى ،التي فقدت مصداقيتها لدى غالبية الشعب المغربي ،ولم يعد لها أي تأثير في الشارع السياسي .في حين ترى فيه قوى الإسلام السياسي مناسبة لتوطيد حضورها في المجتمع والدولة والمؤسسات الدينية ، والاستفادة أكثر ما يمكن مما يتيحه لها مشاركتها في السلطة السياسية ، التي تتقن من خلالها المزاوجة بين مسؤولياتها الحكومية و لعب دور الضحية الذي تسوقه للمجتمع ولقواعدها عبر آلياتها الإعلامية والتنظيمية . انه اذن تحالف طبيعي رغم كل ما يشوبه من توجسات وحذر متبادل بين مكونين سياسيين أصوليين .تحالف شهد في صيرورة تطوره مرحلتين متعاقبتين . -مرحلة السرية التي مرت من خلالها هذه العلاقة عبر الغرف المغلقة للدولة العميقة، وما كان يتخللها من توجيهات السلطة المخزنية للاصولية الدينية بغاية محاربة قوى اليسار في الجامعات والشارع السياسي ، في مقابل دعمها و تيسير عملية اشتغالها في مجالات متعددة ، بما فيها الحقل السياسي والديني والتربوي بعد أن أعدمت الدولة كل البرامج والمقررات التعليمية التي تعمل العقل على حساب النقل ،والتي اعتبرتها سببا في انتشار القيم الحداثية واليسارية وذلك ابتداء من مرحلة أواخر السبعينات من القرن الماضي
-مرحلة التحالف السياسي العلني الحالي ،الذي ساهمت في انضاجه الظرفية الصعبة ،الاقتصادية والاجتماعية والسياسية الراهنة ،وتبوء هذه القوى لصدارة المشهد السياسي الذي انتفت فيه القوى السياسية التقليدية وفقدت قدرتها على التأثير والتأطير. وهو ما يمكن اعتباره تطورا طبيعيا ، وثمرة علاقة شهدت الكثير من المد والجزر في ما بينهما ، أساسها الشراكة في السلطة السياسية سواء من موقع الأغلبية النسبية أو الأقلية البرلمانية وذلك بتزكية وضمانة من قوى الرأسمال العالمي . فكلاهما في حاجة الى هذه القوى من اجل ضبط نبض الشارع السياسي ، وضمان استقرار المجتمع بما يكفل استمرارية مصالحهم الآنية والاستراتيجية. 3/ خلاصة أن القاسم المشترك بين الدولة المخزنية وحركات الإسلام السياسي ،هو توظيف الشأن الديني من أجل خدمة مشاريعهم السياسية ولو بخلفيات وغايات مختلفة . وما تفتقد إليه الدولة من أجل ضبط نبض الشارع السياسي وتمرير ما يملى عليها من مخططات من طرف المؤسسات المالية الدولية ، تجده في حركات الإسلام السياسي. وما تحتاج إليه هذه الأخيرة تجده في السلطة المخزنية وما تتيحه لها من إمكانيات للتمكن من مفاصل الدولة ومؤسساتها السياسية عبر مشاركتها وتسييرها للحكومة من خلال تجربتين انتخابيتين متتاليتين ،ومن امارة المؤمنين التي تفتح لها أبوابا واسعة للولوج والتحكم في مؤسسات الحقل الديني . وبالتالي علينا قراءة هذا التحالف من زاوية ،غير تلك التي تعتبره تحالفا لحظيا رغم كل الحيطة والحذر التي يبديها الطرفين من بعضهما البعض ،بل يمكن رايته من زاوية التحالف المصلحي المفكر فيه جيدا ، والذي يتمتع بكل مقومات الاستمرارية كونه يشكل في نهاية المطاف تلاق موضوعي ،بين الأصولية الدينية والأصولية السياسية المخزنية بغض النظر عن من سيخضع لمن ، وهو ما يندرج ضمن ما نشهده من تشنجات ظرفية بين الطرفين، اما من خلال بعض الإشارات والإجراءات التي تتخذها الدولة من أجل تحجيم دورهم ، او ما نسمعه من تصريحات نارية نقدية، أو حتى مبطنة بالتهديد لبعض قياديي حركات الإسلام السياسي، لكن دون أن يبلغ حد القطيعة والعداء ..وبالتالي ومن خلال ما يجمعهم من مصالح مشتركة ،يمكن اعتبارهم وجهان لعملة واحدة و ضحيتهم المشتركة الاولى هي المسألة الديمقراطية من جهة ،التي على القوى اليسارية واجب النضال من أجلها ضدا على الاصوليتين ،ومن جهة أخرى يمكن اعتبار الدين الإسلامي كمعتقد روحي لعموم المغاربة ضحيتهم الثانية ، وعلى الفقهاء ورجال الدين المغاربة المتنورين واجب تحرير الحقل الديني و تخليصه من التوظيف السياسي ،والكف عن اقحامه في أتون الصراعات الدنيوية .والى ذلك الحين ،على الفعاليات الديمقراطية والوطنية أن تلتئم في إطار جبهة عريضة على قاعدة برنامج حد أدنى ، قوامه الديمقراطية و الحرية والعدالة الاجتماعية والاقتصادية، وفصل الشان الديني عن الشان السياسي وهو ما لن تبتغيه الاصولية الدينية ولا الاصولية السياسية المخزنية.