اجتماع لتقييم مدى تقدم الأشغال المتعلقة بإنشاء وإعادة تأهيل الملاعب بالمدن المستضيفة ل"الكان"    بتنسيق مع "الديستي".. اعتقال شرطي و3 أشخاص متلبسين ب"ترويج 94 ألفا و728 قرصا من القرقوبي و3 كيلوغرامات من الكوكايين    صناعة السيارات: افتتاح الدورة الثامنة لملتقى "طنجة المتوسط أوطوموتیف میتینغ"    تعزيز الشراكة الاستراتيجية محور مباحثات السيد بوريطة مع نظيره الإسباني    حين تتحول البيانات إلى كنز .. المغرب يحصن نفسه بتأمين سيبراني لمواجهة أشباح الإنترنت    "أولاد الفشوش" يتمسكون بالبراءة.. والنيابة تحذر من الرشق بالبيض    وزارة الصحة تخلّد اليوم العالمي للهيموفيليا وتطلق حملة تحسيسية وطنية لمكافحة هذا المرض    ضحايا زلزال الحوز حاضرون في الأنشطة الخيرية ل"جمعية ماراطون الرمال"    الصين تدعو واشنطن للكف عن الضغوط وتؤكد استعدادها للتعاون دون تنازل عن مصالحها    هل يسرع تصنيف المغرب ضمن الدول الآمنة ترحيل المهاجرين من أوروبا؟    "التراث الثقافي المغربي في سياق الذكاء الاصطناعي ومقاربة الهوية الإفريقية" محور ندوة علمية    تعيين مدراء جدد لمراكز دراسات الدكتوراه في جامعة شعيب الدكالي    الأبيض والأسود من تقرير دي ميستورا    بوريطة: علاقات المغرب وإسبانيا إيجابية.. والحكم الذاتي يحظى بإجماع دولي    الصناعة التقليدية المغربية تطرق أبواب العالمية من خلال اتفاقية جديدة    آيت ملول تحتضن مهرجان سينما الأسرة    تراجع جديد في أسعار المحروقات بمحطات الوقود    المندوبية السامية للتخطيط…توقعات بمعدل نمو يصل إلى 3,8 في المائة خلال الفصل الثاني من سنة 2025    العمال الموسميون يرفعون حالات الإصابة ببوحمرون بإسبانيا    الاتحادات الكروية ترفض مقترح أمريكا الجنوبية المتعلق بتنظيم كأس العالم 2030 بمشاركة 64 منتخبا    بلقشور يعلن عن رفع المنع في حق حسنية أكادير ويؤكد أن العصبة ستقوم بتسوية الملفات المتبقية    "كان" الشباب... الاتحاد الإفريقي يعلن عن برنامج مباريات المنتخب المغربي    إسبانيا: "الحكم الذاتي" يظل الحل الأكثر مصداقية وجدية لتسوية النزاع حول الصحراء    خطابي: الإعلام العربي يتصدى للعدوان    وزارة الداخلية تتخذ قرارا مفاجئا في حق "قائد تمارة"    فرقة الأخلاق العامة بطنجة توقف أزيد من 20 شابة للاشتباه بقيامهنّ ب "الدعارة والفساد"    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الجمعة    أكثر من 20 قتيلا ضمنهم أطفال في قصف همجي إسرائيلي على مخيم نازحين    بعد "ميتا" و"إكس".. "تيك توك" ينضم إلى محاربة المعلومات المضللة    محمد السادس للرئيس السوري أحمد الشرع: أنتم تديرون هذه المرحلة الدقيقة من تاريخ بلدكم الشقيق    سعد لمجرد لن يشارك في الدورة 20 من موازين    قيوح يستعرض تجربة المغرب في تطوير النقل الجوي خلال مؤتمر "الإيكاو"    رسميا.. فيرجيل فان دايك يجدد عقده مع ليفربول    نصائح طبية لمرضى حساسية الحيوانات الأليفة دون الحاجة للتخلي عنها    شي جين بينغ يجري مباحثات مع رئيس الوزراء الماليزي أنور إبراهيم    هيئة حقوقية تندد بتوالي حوادث العنف داخل المؤسسات التعليمية    الفرق المتأهلة ومواعيد مواجهات نصف نهائي دوري أبطال أوروبا    مغربيات يتظاهرن في سلا تضامنا مع المرأة الفلسطينية ورفضا للعدوان على غزة    رئيس برلمان أمريكا الوسطى في زيارة للعيون    بنك المغرب بالجديدة يستقبل في لقاء تربوي    تقرير: المغرب في المرتبة 81 عالميا من حيث زخم التحول الرقمي    هيومن رايتس ووتش: السلطات التونسية حولت الاحتجاز التعسفي إلى ركيزة أساسية في "سياستها القمعية"    أمريكا.. إلغاء الامتيازات الصحفية لوكالات الأنباء الكبرى    مقدم شرطة رئيس يطلق النار لمنع فرار سجين كان رهن المراقبة الطبية بالمستشفى الجامعي بمراكش    تأهل المنتخب الوطني لكرة القدم لأقل من 17 سنة إلى نهائي كأس إفريقيا..نادي موناكو يشيد بأداء موهبته إلياس بلمختار    البندقية تنفتح على السينما المغربية    واكي: الرقمنة تدعم تنمية المغرب .. و"جيتيكس إفريقيا" يخدم الشراكات    دوائر أمنية بالجديدة في وضع مقلق... مطلب استعجالي لإعادة الإعتبار لهذا المرفق الحيوي    "تمغرابيت" تزين معرض الكتاب في باريس .. إبداع وذاكرة وشراكة متجددة    تسجيل ثالث حالة إصابة بداء الكلب في مليلية خلال أقل من أسبوعين    جامعة عبد المالك السعدي تُثري فعاليات المعرض الدولي للنشر والكتاب ببرنامج ثقافي متنوع في دورته ال30    هل ما زال للقصائد صوت بيننا؟    كلب مسعور على حدود المغرب .. والسلطات الإسبانية تدق ناقوس الخطر    قصة الخطاب القرآني    المجلس العلمي للناظور يواصل دورات تأطير حجاج الإقليم    العيد: بين الألم والأمل دعوة للسلام والتسامح    أجواء روحانية في صلاة العيد بالعيون    طواسينُ الخير    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



في شأن العلاقة بين الأصولية السياسية الدينية و المخزنية واليسار (1)
نشر في شبكة دليل الريف يوم 14 - 02 - 2019

يتناول الناشط السياسي-الحقوقي الدكتور عبد الوهاب تدمري، في هذا المقال التحليلي الذي ننشره على "دليل الريف" في حلقتين، العلاقة الجدلية بين قوى الإسلام السياسي واليسار والمخزن المغربي، وما تعرفه هذه العلاقة الثلاثية من تجاذبات ومشاحنات وتحالفات، ودور الدولة في هذه العلاقة عبر بحثها الدائم عن موقع متوازن وسط العلاقة، من خلال إثارة الصراع بين الاسلام السياسي واليسار والعمل على تأجيجه تاره، ومن خلال نسج تحالفاتها التكتيكية الوقتية مع طرف دون الآخر تارة أخرى، في سعي لإدامة التحكم بمفاصيل الدولة والمجتمع.
1/مقدمة
في سياق تتبعي لبعض السجالات الفكرية والسياسية التي ذهب من خلالها البعض الى طرح السؤال حول الغاية من تأجيج الصراع بين قوى الإسلام السياسي وبين الطيف اليساري ، وعن مدى مساهمة هذه النقاشات في توسيع المسافة وتأجيج التوتر بينهما بما يعيق خلق جبهة يسارية -إسلامية يراها البعض ضرورية لتغيير موازين القوى من أجل انجاز مهام التغيير الديمقراطي!.
بل ان هناك من يرى أن هذا السجال ربما تكون وراءه الدولة المخزنية كطرف مستفيد من هذا التوتر وهذا الوضع ، من اجل ادامة تحكمها في مفاصل الدولة والمجتمع وذلك بزرع بذور التفرقة بينهما حتى لا يكتب النجاح لهذا التحالف.
اني احترم هذه القراءات بما ورد فيها من أفكار تعبر عن مواقف اصحابها، رغم كوني لست متفقا معها و لا مقتنعا بها ذلك لأسباب سأتطرق لبعضها بالتحليل من خلال تناول عنصرين أساسيين شكلا نقاط تماس بين كل هذه القراءات .وكذلك من أجل استحضار نقاش، قديم - جديد، تم التطرق من خلاله الى طبيعة العلاقة بين اليساريين في الكثير من بلدان العالم وما سمي في حينها بلاهوت التحرير المسيحي ، وهل يمكن اسقاط هذه النقاشات على واقعنا الإسلامي خاصة في شأن العلاقة التي يمكن أن ينسجها اونسجتها بعض مكونات اليسار المغربي مع قوى الإسلام السياسي؟ .وهل هناك من مقومات وشروط.موضوعية لنجاحه ؟ .وان كان الجواب بالنفي ،فهل من ضرورة لتدخل الدولة المخزنية من أجل افشال هكذا تحالف.؟.
إن كان موقفي يختلف في هذا الشأن ، فليس لكوني متموقف من الدين الذي اعتبره يشكل مكونا أساسيا في تراثنا الروحي والثقافي، علينا واجب حمايته وتطويره، بل فقط لكوني ممن يدافعون على فصل الشأن الديني كشان إلهي خالص، يسعى للسعادة الروحية والأخلاقية للإنسان ، عن الشأن السياسي الذي هو شأن دنيوي يحتمل قراءات مختلفة ومتعددة، وقد تكون متصادمة ،وحتى لا نقحم الدين في أتون الصراع السياسي بما يشهده من تقاطبات قد تعصف بالوحدة الروحية للمجتمع، كما هو الشان في الكثير من المجتمعات المشرقية التي تحولت الى مجموعات مذهبية متصارعة، بعد ان كفرت بعضها البعض واستباحت دماء من كرمهم الله من خلقه وذلك في خرق سافر للاية الكريمة : "وَلَقد كرمنا بني أدم وَحملناهم فِي الْبر وَالْبحرِ وَرزقناهم مِنَ الطَّيبات وَفَضلناهم عَلَى كثيرٍ مِمنْ خَلَقنا تَفضييلًا "(الإسراء، الآية: 70) ،بل استباحوا بدون حق حتي دماء شركائهم في الملة والدين ضاربين بعرض الحائط ما انزله الله في الاية الكريمة .{ومن يَقْتل مؤمناً متعمِّداً فجزاؤهُ جهنم خالداً فيها وغَضِبَ الله عليه ولعنَهُ وأعدّ له عذاباً عظيماً) سورة النساء آية 93. ….
إذن في سياق ما تم التطرق إليه لا بد لي أن أتوقف عند العناصر التي سبق أن ذكرتها بعد أن أعيد صياغتها كأسئلة وإشكاليات .
2/ في تحليل نقاط التماس.
أ/ في شأن التحالف اليساري الإسلامي.
هل تواترت الشروط فعلا لقيام تحالف يساري إسلامي ضاغط من اجل انجاز مهام الانتقال إلى الديمقراطية؟.وهل هناك فعلا ما يؤسس لهذا التحالف علاقة بالأهداف المحددة اعلاه؟.
انني اعتبر هذه المسألة من الإشكاليات التي لم تحظ بالاهتمام المطلوب من طرف اليساريين والإسلاميين المغاربة ، ليس على المستوى الإجرائي والعملي بل على مستوى التأصيل النظري ،الفكري والسياسي .كما يجب ان نسجل أننا لا نتوفر فيها كذلك على تراكمات علمية ومعرفية ، خاصة وأن هذا المسالة اصبحت واقعا يفرض نفسه بإلحاح أمام تعاظم نفوذ قوى الإسلام السياسي التي أضحت تشكل عنصرا مهما في مشهدنا الحزبي، ولاعبا أساسيا في أي معادلة سياسية.رغم أن هذه المسألة ليست بالجديدة على اليساريين خاصة المشارقة منهم ، بحكم الحضور المتميز للكنيسة المشرقية في البنية الاجتماعية للشعوب الشرق أوسطية، وبحكم تاثر بعض رجال الدين المسيحيين خاصة في فلسطين المحتلة وعلى راسهم رجل الدين المقدسي نعيم عتيق باطروحات لاهوت التحرير اللاتيني، و تواجد الكثير من اليساريين المنحدرين من المنظومة الثقافية المسيحية في التشكيلات اليسارية الشرقية، الذين واكبوا النقاشات التي كانت تحبل بها الحركة السياسية والاجتماعية لشعوب أمريكا اللاتينية علاقة بلاهوت التحرير ،ووقوف هذا الأخير موقف الانحياز الى جانب شعوبها المضطهدة من طرف أنظمة الحكم الاستبدادية ،وهو ما جعله يتموقع الى جانب قوى اليسار اللاتيني التي كانت تكافح من أجل الحرية والعدالة الاجتماعية .
لكن ما يجب إدراكه هو أن هذا التموقع لم يكن ارادويا ،ولم تمليه رغبات ذاتية ، بل أملته ظروف موضوعية مرتبطة بطبيعة الديانة المسيحية نفسها ، التي لم ترتبط في نشأتها بقيام الدولة كشان زمني إلا مع بداية القرن الرابع الميلادي مع الإمبراطور الروماني قسطنطين العظيم الذي اعتنق الديانة المسيحية ،وليس كما هو الشأن مع الدين الإسلامي الذي ارتبط منذ النشأة بمعارك نشر الدعوة و بدولة الخلافة كشأن سياسي . كما أن الديانة المسيحية لا تحمل في كتابها المقدس ما يشير الى الجهاد كمفهوم يراد به تطويع كل من يعتقد انه خارجا عن طاعة الله ورسوله بل هو جهاد النفس ضد الخطيئة من اجل ارضاء الله الذي يمر عبر بوابة الفقراء ، …. وهو ما ساعد رجال الدين المسيحيين في تأصيل اجتهاداتهم التي أحدثت قطيعة مع مفهوم مسيحية الدولة الذي ساد لقرون من الزمن ،هيمنت من خلاله الكنيسة على الشأن السياسي او العكس ، بكل ما نتجت عنه من فظاعات في حق شعوبهم وذلك منذ أكثر من 500 سنة عندما أعلن مارتن لوثر ثورته الدينية بألمانيا ،التي عمل من خلالها على فصل الدين عن الدولة .
كما أن اللاهوت المسيحي اللاتيني الذي انطلق مع بداية الخمسينيات من القرن الماضي ،هو من انحاز لمطالب المجتمع وبالتالي لليسار في تلاق موضوعي معه وليس العكس ، وذلك من خلال تبنيهم للتحليلات الاجتماعية والاقتصادية الماركسية التي تركز على إيلاء الاهتمام بالأوضاع الاجتماعية للفقراء والتركيز على التحرر السياسي للشعوب المضطهدة، وذلك في إطار ما أطلق عليه من طرف لاهوتي أميركا اللاتينية في السبعينات من القرن الماضي بالخيار التفضيلي للفقراء ،الذين اعتبرهم جون سوبرينو " طريق متميز لنعمة الله ". أو المهمة المتكاملة التي تجمع بين التبشير والمهمة الاجتماعية، و دون ان نغفل أن هذا الانحياز الذي عبر عنه لاهوت التحرير اللاتيني كان من خلال توجه فكري شمل رجال رجال الدين المسيحيين باعتبارهم ذواتا فردية ، وليس كتجمعات او كاحزاب سياسية تطرح نفسها كمشاريع سياسية مجتمعية بديلة لتدبير الشأن الديني والدنيوي، كما هو شأن حركات الاسلام السياسي الاخوانية الوهابية وفقهائها الذين يجمعون بين الدين والسياسة ،بين الزعامة الروحية والزعامة الدنيوية ،ويقسمون الانسانية بين دار الإسلام ودار الكفر، التي عليهم واجب قتالها ، وليس قتلها، حتى وان لم تتوفر شروط الاقتتال كما ورد في الكثير من الايات القرانية الكريمة التي ربطت القتال برد الاعتداء وليس العكس ،وذلك اعمالا لمفهومهم لمعنى الحكم بشرع الله ، وما أنزله من بيان ،الذي ورد في الكثير من الايات القرانية الكريمة و هو حسب اعتقادهم ما يخول لهم مواجهة باقي التشريعات والقوانين الوضعية التي تدرج في مرتبة الكفر والجاهلية والإلحاد التي تستدعي الجهاد ضدها من أجل إعلاء راية الإسلام.. انهم بذلك يدعون حسب اعتقادهم الى الاقتداء بمنهج النبوة والسلف الصالح، الذين ربطوا الدعوة الاسلامية بقيام دولة الخلافة، وحملوا الدعوة على نصل السيف والإكراه، حتى وان كانت باسم الفتوحات الاسلامية، وذلك في تناقض صريح مع مضمون ما ورد في كل من سورة الكهف، وسورة البقرة، التي تنص على أن لا إكراه في الدين ،أو تلك التي خيرت الإنسان بين الإيمان والهداية أو الكفر .ولم يأخذوا الموعظة من رجل عظيم بسلوكه وإيمانه العميق بحرية الرأي والمعتقد ،الذي اعتبره فولتير زمانه، أبو طالب ،عندما قدم كل ما لديه وضحي بتجارته ومكانته بين أعيان قريش من أجل الدفاع عن الإسلام كدين جديد في إطار ايمانه بحرية الراي والعقيدة ، وليس فقط دفاعا عن ابن أخيه الرسول محمد عليه الصلاة والسلام كما يريد البعض أن يعرفه ، وهو ما حدى بالنبي "ص " أن يستغفر له عندما كان على فراش الموت فطلب منه الشهادة حتى يجد ما يستغفر به الله من أجله .حتى أن رفضه النطق بالشهادة وتلبية رغبة ابن أخيه الذي هو النبي محمد "ص" كان سببا في نزول الآية الكريمة " إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء وهو أعلم بالمهتدين " سورة القصص. او لاحقا في الآية الكريمة "ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولي قربى" سورة التوبة. وإلا لما كان كذلك موقف عمه الاخر أبو لهب معاديا ومحاربا له ،رغم كونه الأخ الغير الشقيق لوالده ، ويقال عنه انه فرح فرحا شديدا عند ولادته ،مما حدا به لأن يعتق احدى جواريه احتفالا بهذه المناسبة ، وهو ما يدل على أن موقف أبي طالب كان اعمق من ان ينسب لقرابة الدم فقط. إن مسألة فصل الدين عن الدولة في العالم الإسلامي هي عملية صعبة ومعقدة ، تحتاج الى علماء دين مغاربة جريئين ،متشبعين بالموروث الديني المغربي، قادرين على تخليص العقل الديني من كماشة الفكر الاخواني والوهابي و على تغليب الجانب الإنساني والكوني للإسلام بالرجوع إلى النصوص التي تدعو الى التسامح وليس الى العفو، وتغليب العمل بالآيات المكية التي تدعو إلى الأخلاق والفضيلة، و إحداث القطيعة عبر اجتهاداتهم مع الموروث الفقهي السائد الذي يستند الى قراءة منغلقة ورجعية للنص القرآني ، الذي رسمه معاوية بن أبي سفيان ولاحقا ابنه اليزيد الذي كان أول من رجم مكة ،بكل رمزيتها ، في عصر دولة الإسلام ، وذلك من أجل تكريس تبعية الديني للشان السياسي او العكس ،عندما يضعف هذا الأخير ، وتطوير المنظومة الدينية والفقهية الإسلامية بما يحررها مما لحق بها من ترسبات سلفية بالشكل الي ينسجم ومتطلبات القرن الواحد والعشرين، وما تتطلع إليه الشعوب الاسلامية من قيم الحداثة والديمقراطية والحرية والعدالة الاجتماعية والاقتصادية ،وهي قيم لا تستقيم إلا بفصل الدين كشأن الاهي عن الدولة كشان دنيوي.
أما أن نعمل على إسقاط ما تمت مراكمته من علاقات وطيدة بين لاهوت التحرير المسيحى ومكونات اليسار في مختلف دول العالم من اجل تحرير الانسان من الفقر والاضطهاد الذي مارسته ولا زالت تمارسه انظمة الحكم الجائرة في حق الشعوب ، على واقعنا في العالم الإسلامي الذي يشهد الكثير من الصراعات الدينية والمذهبية والطائفية بالشكل الذي يعود بنا الى عصور الكنيسة المظلمة بأوروبا ، فهذا سيكون من باب المجازفة والعبث . ولنا في بعض النماذج في العالم الإسلامي ما يثبت عدم حجية هذا الإسقاط وبطلانه . وفي هذا السياق يمكن الاستدلال بثورة ايران الشعبية التي عاصرت هذه النقاشات التي سبق أن ذكرناها ، والحضور المتميز لليسار فيها من خلال اللجان العمالية والمجالس الشعبية منذ انطلاقتها في يونيو 1977 وذلك حتى قبل التحاق الملالي بها في دجنبر من نفس السنة ،الذين عملوا على بسط هيمنتهم عليها تدريجيا بالعنف والاغتيالات والاعدامات في حق باقي المكونات اليسارية والعلمانية التي كانت طرفا مبادرا وأساسيا فيها ، وذلك من خلال حزب الجمهورية الإسلامية الذي عمل على استئصال جميع التنظيمات المحسوبة على اليسار او التيار العلماني البرجوازي، وهيمن على المجالس الشعبية والعمالية بعد أن استحال عليه في البداية القضاء عليها. دون ان نغفل ان ما ساعدهم في ذلك كذلك هي الشخصية الكارزمية للإمام الخميني و تبني هذا الأخير مواقف عدائية من امريكا توجت باحتلال الطلبة ذوي التوجه الإسلامي للسفارة الامريكية ، وقيام الحرب العراقية الايرانية ، هذا بالإضافة للمواقف المتذبذبة للقوى اليسارية والعلمانية من القوى السياسية الدينية ، بحكم اعتقاد البعض منهم باهمية التحالف مع القوى الإسلامية لإنجاز المهام الثورية اقتداء بما كانت تعيشه أمريكا اللاتينية من تحالفات مماثلة.
وفي واقعنا المغربي لا بد كذلك من استحضار فشل هذه الاطروحة من خلال ما تم رصده من انتهازية في مواقف قوى الإسلام السياسي خاصة إبان الاحتجاجات الجماهيرية لحركة 20 فبراير، حين افتضحت حقيقة هذه القوى التي انسحبت من الشارع ومن اللجان الداعمة بمجرد أن عقدت صفقاتها السياسية مع الدولة، ضاربة بعرض الحائط جميع اتفاقاتها السابقة مع بعض أطراف اليسار المقتنعة بضرورة هذا التحالف من اجل انجاز مهام التغيير الديموقراطي ،رغم انها كانت دوما حريصة على إبراز عضلاتها في التظاهرات الجماهيرية التي كانت تشارك فيها ، وذلك ضدا على باقي الأطراف المشاركة من خلال انعزالها والتفرد بشعاراتها الغارقة في التعبئة السياسية الدينية المعادية لقيم الحداثة والديمقراطية، حتى يبدو للمتتبع العادي انا نشهد تظاهرة من زمن صلح الحديبية وسط ما يفترض أن يكون تظاهرة مشتركة لجميع الفعاليات المساهمة فيها، بالإضافة إلى ما شهدناه منها من إنزال لأنصارها في تظاهرات معادية لقيم الحداثة، و للتوجه العام الذي عبرت عنه الجمعيات و القوى الديمقراطية خاصة في مسألة مدونة الأسرة . ولا يفوتنا كذلك ان نستحضر موقفها مما تبقى من مجالات التنسيق معها في المجال الحقوقي، وذلك من خلال انسحابها من الائتلاف المغربي لحقوق الإنسان كالية للعمل المشترك التي تشكلت على خلفية حركة 20 فبراير ،والذي طالما اعتبرناه تحالفا هجينا يجمع بين من يعتقد بكونية وشمولية حقوق الإنسان، وبين من يؤمن بالمرجعية الإسلامية لحقوق الإنسان وسموها على باقي القوانين والتشريعات الكونية ،وما الانسحاب الاخير لجمعية كرامة من هذا التحالف سوى تحصيل حاصل ، ويؤكد على استحالة استمرار هكذا تحالف .
أقول قولي هذا لكوني لم استوعب بعد كيف يندفع بعض اليساريين المغاربة في اتجاه عقد تحالفات مع قوى الإسلام السياسي، وهي التي تحمل مشروعا سياسيا نقيضا لقيم الحداثة والديمقراطية ولا يعملون في مقابل ذلك على تجاوز خلافاتهم الذاتية مع باقي القوى والجمعيات الديمقراطية من أجل تشكيل جبهة ديمقراطية وطنية عريضة تكون من مهامها انجاز عملية الانتقال الى الديمقراطية على قاعدة برنامج حد أدنى، منفتح على كل القوى التي تلتزم بالعملية الديمقراطية كممارسة وقناعة استراتيجية .(...يتبع)
د.تدمري عبد الوهاب.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.