المملكة السعودية تحض القوى الغربية على رفع العقوبات الدولية عن سوريا    نقابيون يحذرون من انتشار "بوحمرون" بمدن الشمال    بقيمة 801 مليون أورو.. المغرب يحتفظ بموقعه كأكبر مورد للفواكه والخضروات في إسبانيا لعام 2024    الدرهم يرتفع أمام الدولار والأورو    تدشين خط جوي مباشر بين الناظور والرباط    شركة "مناجم" التابعة للهولدينغ الملكي "المدى" تبيع منجم "أمجران" للنحاس بقيمة 30 مليون دولار    تنصيب رئيس لجنة الطلبيات العمومية    5 آلاف شهيد ومفقود في 100 يوم من العدوان الإسرائيلي على شمال غزة    الزمامرة تهزم حسنية أكادير بثنائية    "برلمان الأحرار" يعلن عن توصيات    الأرصاد الجوية تحذر من موجة برد تصل إلى ناقص 9 درجات في عدة مناطق بالمغرب    موجة برد قارس تضرب المغرب مع أمطار خفيفة في بعض المناطق    حرائق لوس أنجليس.. حصيلة القتلى ترتفع إلى 16    الفساد يجر خليجيين ومغربيات للقضاء    الوكالة الوطنية للمياه والغابات تنفي إتلاف شتلات الصنوبر بإقليم الناظور    المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية يُقصي الريف من احتفال رأس السنة الأمازيغية    مهرجان خنيفرة يحتفي بالقصة القصيرة    تحرك وزارة الصحة للحد من انتشار "بوحمرون" يصطدم بإضراب الأطباء    مغربي يتوج بلقب أفضل أستاذ في العالم في دورة 2024    هل يمنع دعاء الكابرانات لفرنسا فضح الثروات المنهوبة؟    مليلية المحتلة تتجمل للاحتفال ب"إيض يناير"    حزب الاستقلال يطلق أول جيل من المناضلين الرقميين ويتطلع إلى عقد اجتماعي متقدم    جمعية "أبناء العرائش" تنظم أمسية فنية في مدريد احتفاءً بالذكرى ال81 لتقديم وثيقة المطالبة بالاستقلال.    الوداد يقترب من ضم مهاجم الأهلي السابق    "وحده الحب" فيلم يلقي الضوء على قضية الحدود برؤية سينمائية فريدة    أوروبا التي تشبه قادتها    جائزة "مغرب الفروسية" تحتفي بالفرسان والفارسات المغاربة المتألقين خلال سنة 2024    الإعلام الفرنسي يلوّح بكشف المستور.. ممتلكات نظام الكابرانات في الخارج على المحك    حذف فيلم "نايضة" من "اليوتيوب" في ظروف غامضة    مدرب الجيش الملكي: التأهل مستحق والفريق يملك هامشا للتطور أكثر    مضيان يدعو لاعتماد الحرف العربي في تعلم الأمازيغية إلى جانب تيفيناغ    ارتفاع حصيلة القتلى في لوس أنجلوس    الجامعة تعلن عن إلغاء السكتيوي معسكر مواليد 2000    قبل نهائي السوبر.. ليفاندوفسكي يحذر من ضربات ريال مدريد المفاجئة    الأردن يسمح بدخول السوريين بالخارج    28 قتيلا في قطاع غزة خلال 24 ساعة    4الفريق الهولندي DCG يعزز الروابط الثقافية والرياضية مع الوطن الأم المغرب    المغرب يخطط لتوسيع شبكة الطرق السريعة بنسبة 66% بحلول عام 2030    خمسة أعداء للبنكرياس .. كيف تضر العادات اليومية بصحتك؟    التطعيم ضد الإنفلونزا في يناير وفبراير .. هل فات الأوان؟    نيويورك.. مشاركة متميزة للمغرب في معرض الفن والدبلوماسية    لقاء تواصلي لنجمي الكرة المغربية عزيز بودربالة وحسن ناظر مع شباب مدينة زاكورة    مقاربة إدارة بايدن في سورية بعد سقوط نظام الأسد    جامعة الركبي تعقد جمعين عامين    مركز تفكير فرنسي: مسار الانتقال الطاقي بالمغرب يسير قدما مدعوما بإصلاحات استراتيجية ومنظومة مبتكرة    العثور على جثة شخص ستيني داخل وحدة فندقية بالحسيمة يستنفر السلطات الأمنية    اختتام أشغال قمة التنمية الزراعة الإفريقية على خلفية التزام بزيادة إنتاج الصناعة الغذائية    دراسة تسلط الضوء على تحذير بشأن ارتفاع حرارة محيطات العالم    أخطاء كنجهلوها.. أهم النصائح لتحقيق رؤية سليمة أثناء القيادة (فيديو)    مكناس.. الاحتفال بالسنة الأمازيغية الجديدة على نغمات فني أحواش وأحيدوس    طنجة... الإعلان عن الفائزين بجائزة بيت الصحافة وتكريم إعلاميين ومثقفين رواد (فيديو)    رواية "بلد الآخرين" لليلى سليماني.. الهوية تتشابك مع السلطة الاستعمارية    أغلبهم من طنجة.. إصابة 47 نزيلة ونزيلا بداء الحصبة "بوحمرون" بسجون المملكة    ملفات ساخنة لعام 2025    أخذنا على حين ′′غزة′′!    الجمعية النسائية تنتقد كيفية تقديم اقتراحات المشروع الإصلاحي لمدونة الأسرة    فتح فترة التسجيل الإلكتروني لموسم الحج 1447 ه    وزارة الأوقاف تعلن موعد فتح تسجيل الحجاج لموسم حج 1447ه    









حراك الريف..: عزي احمذ.. شموخ جبال الريف

هذه الحلقات الرمضانية هي تأملات وقراءة أولية لبعض جوانب حراك الريف، وهي مستوحاة من نبض وزخم الحراك الذي حظيت بفرصة ملاحظة وتتبع بعض لحظاته، والإصغاء الهادئ إلى إيقاعات هزاته وارتداداتها، ونقل شهادات حية من قلب الريف لشباب شاركوا أو تعاطفوا مع الحراك.
شيخ الحراكيين
عاش شيخ "الحراكيين" معظم حياته في التجوال والترحال، سائحا لا يتوقف في مكان إلا ليبدأ رحلة جديدة، له معرفة عميقة ودقيقة بكل شبر وقبيلة في الريف وبكل مدن المغرب وقراه ومداشره.. مكث يتجول ويصول معظم بقاع الوطن، شمالا وجنوبا، غربا وشرقا، لمدة تتجاوز 35 سنة. ما قصة هذا الترحال؟ كيف انخرط في الحراك؟ وكيف تحول من شخص تائه يسيح على امتداد البسيطة إلى رمز من رموز حراك الريف؟.
أحمد الخطابي، الملقب بعزي أحمذ، سفير تاماسينت، سفير الحراك المتجول، شيخ حراك الريف وحكيم الريف هو شخصية فريدة، تحول بسرعة إلى إحدى أيقونات الحراك الأساسية، ونجح عبر رمزية السلة (ثْسُودْجِيِتْ) والعكاز اللذين لا يفارقانه في منح الحراك عمقا تواصليا اجتماعيا وتاريخيا عبر ربط الحاضر بالماضي وخلق جسر بين الأجيال.
هو رجل خمسيني بسيط من مواليد منتصف الستينيات، ويقطن بدوار غريض القريب من بلدة تاماسينت، وهو متزوج وأب لثلاث بنات. وفي التضاريس الطبيعية الوعرة، والأخاديد الجبلية الصعبة، ترعرع وعاش على البداوة والبساطة وعشق الحياة الحرة الكريمة؛ قسوة الحياة وشظف وضيق العيش دفع بوالده إلى التوجه شرقا (إِشَارَقْ) إلى الجزائر، أمضى سنوات يدرس القرآن وعلوم الدين لأبناء الأعيان بالجزائر، كما عمل بُوسْطَاجِيا (ساعي بريد) ينقل الرسائل والأموال بين الجزائر والريف.. بعد مدة سيعود إلى بلده ليدرس القرآن للصغار في الكتاتيب القرآنية في مورو فييخو بالحسيمة.
حفظ عزي أحمذ القرآن الكريم منذ صغره، ووفق نمط التدين الفطري بالريف، فهو لا يتردد في كل المجالس التي يحضرها عن الاستشهاد بالآيات القرآنية والأحاديث النبوية، وهو يمتلك ذاكرة قوية جدا، فيتذكر ويحفظ بسهولة أسماء الأشخاص وملامح وجوههم ومختلف التواريخ والتفاصيل الدقيقة حول الأماكن.
عزي أحمذ رجل قوي البنية والعزيمة، صلب الإرادة والشكيمة، طاهر السريرة، لا يعبأ بالمظاهر كثيرا، رغم سنه فهو شاب الهمة؛ روحه لا تعرف التجاعيد، لا تفارق البسمة والبهجة محياه.. ينثر خيوط السعادة والألفة والمؤانسة في كل مكان، شديد الإحساس بمحيطه، وحسه الاجتماعي الذكي يجعله سهل المعشر، يتسع قلبه لجميع الناس.. لا يمكن أن تجالسه دون أن تشعر بالحنين إلى زمن الريف الغابر والأصيل، لا يتوقف عن ترداد "تحياتي، تحياتي" عندما يودع الناس رافعا الشارة الثلاثية أو شارة النصر أو قبضة اليد، وكلما شكرته يرد بتلقائية: "هذا واجب، واجب".
عزي احمد بصفاء ضميره يرفض بتاتا التنازل عن المبادئ والقيم التي يؤمن بها، تصادف لقائي معه ذات يوم مع عودته من المستشفى بالحسيمة، حيث ذهب لعلاج إحدى بناته، منحه الطبيب موعدا بعد شهرين لإجراء بعض الفحوصات وخلال خروجه من المستشفى التقى بعض الممرضات اللائي أردن مساعدته وأومأن إليه بإمكانية تقريب الموعد وإجراء الفحوصات دون انتظار كل تلك المدة.. رفض ذلك رفضا باتا: "لا يمكن لابنتي أن تأخذ مكان وحق مواطنين وأطفال آخرين سبقوها. هذا غير ممكن، نحن نحارب مثل هذه السلوكات ولا يمكنني أن أقوم بذلك، إنه ضد مبادئي.. الحراك ليس هو المسيرات والوقفات، عليه أن يكون سلوكا وتربية.. الحراك عليه أن ينطلق من أنفسنا أولا إذا أردناه أن ينجح".. وحتى مظهره الخارجي الذي قد يوحي بالخشونة والقسوة يخفي في أعماقه شخصا إنسانيا رهيف الحس ورقيق الشعور، يشعر بآلام الآخرين ويجيد التعامل بأسلوب رفيع مع النساء.. فاجأتني كثيرا الرقة واللطف والأسلوب الهادئ والرزين في تعامله مع ابنتيه الصغيرتين.
مثل الشجرة الباسقة التي تلقي بظلالها على من يتحلقون حولها، رجل يبذل الحب ولا يبخل، ليس جزافا أنه يحب أن يردد باستمرار مأثورا ريفيا لا يعرفه الكثيرون: "الشجرة التي لا تلقي بظلالها على جذورها دواؤها هو الفأس"، "ثَشَجَاثْ أُو يْتَكَنْ بُو ثِيرِي خِ يِزَوْرَانْ نَسْ ؛ دّْوَا نَسْ تَشُقَاثْ".. يعتبر نفسه فلاحا، فله دراية بشؤون التشجير والزراعة، وفي منزله الريفي الذي بناه بيده طوبة طوبة وعلى طريقة منازل الريف القديمة يستقبلك هدوء الطبيعة وألقها وامتداد الحقول الرحبة؛ لا حركة ولا أصوات، وحده نباح كلاب الحراسة وأسراب الدجاج توقظك من غفوتك وتجعلك تشعر بالشوق لعبق الريف العميق.
كلامه الموزون مليء بالمأثور والأمثال والألغاز وبالحكم النابعة من أعماق التراث الشفهي للريف، وأنت تستمعه يتحدث بدقة عن تفاصيل الحياة الاجتماعية والطقوس بالريف،عن محطات مجهولة من التاريخ بالريف، عن عائلاته ومداشره وعشائره وقبائله وحتى أحياء مدنه، وعن كلمات أصيلة في اللهجة الريفية لم يعد يستعملها ويعرفها إلا القليل من أهل الريف، يخال أليك أنك في حضرة أنثروبولوجي أو عالم اجتماع كرس وقضى حياته كلها لسبر أغوار المجتمع الريفي وفهم مكنوناته.. إنه بمثابة مكتبة متنقلة، فتجد لديه معلومات دقيقة حول كل المراحل المفصلية في التاريخ الاجتماعي للريف ودراية هامة حول علم اجتماع المعيش اليومي للإنسان الريفي على مستوى العلاقة بالأرض والفلاحة والدين والمرأة...
هو فنان بالفطرة ومبدع في التراث الشفهي الريفي، ولا يخفي إعجابه وتعلقه الشديد بشخصية عبد النبي نسوق، حكيم الريف، إذ علق صورته إلى جانب صورة "مولاي موحند" على الحائط في بيت الضيوف "أَخَامْ نْ ثْخُوخْثْ" بمنزله في أعماق جبال تامسنت الشامخة.. يتأسف كثيرا لأن حكيم الريف مات دون أن يحظى بما يستحقه من اعتراف وتقدير.. "عكس ما يعتقد الناس كان عبد النبي مقاوما شارك في الكثير من ملاحم المقاومة بالريف، وكان يقوم بإسعاف الجرحى وإجلائهم من المعارك".. هو معجب أيضا بشخصية أخرى، إنه لُولَا ابن بلدة إِعَكِييَّنْ، والذي سكن المخيال الجمعي لمنطقة إمزورن والحسيمة، إذ كان يتنقل بينهما ويتردد بكثرة على الميناء. ويصر عزي أحمذ أن يسمي ساحة الشهداء بساحة لولا، لأنه هو من "أسس تلك الساحة حيث كان يداوم الحضور والجلوس فيها"، وقد التقاه مرات عدة هناك قبالة "كوليخيو". يقول عزي أحمذ: "عبد النبي ولولا لم يكونا مخبولين أحمقين بل كان يصدحان بالحكمة ويبحثان عن معاني الحياة بطريقة مختلفة عما عهده الناس".
ومازال عزي أحمذ يبحث بإصرار شديد عن صور لُولاَ حتى لا يغمره ويطويه النسيان كما فعل مع العديد من الشخصيات الحكيمة بالريف التي صنفت ضمن خانة "الحمقى والمخبولين والمجذوبين".
محمد سعدي / أستاذ حقوق الإنسان والعلوم السياسية بجامعة محمد الأول بوجدة


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.