هذه الحلقات الرمضانية عبارة عن تأملات وقراءة أولية لبعض جوانب حراك الريف، وهي مستوحاة من نبض وزخم الحراك الذي حظيت بفرصة ملاحظة وتتبع بعض لحظاته والإصغاء الهادئ إلى إيقاعات هزاته وارتداداتها ونقل شهادات حية من قلب الريف لشباب شاركوا أو تعاطفوا مع الحراك. استمعنا إلى روايات وشهادات عدة فيها الكثير من الحقائق الموضوعية، لكن فيها أيضا الكثير من الانطباعات والتناقضات؛ بل وتصارع المواقف والرؤى حول مواضيع شتى، وبالخصوص حول هوية الحراك ومآلاته، الخطاب المثير للجدل لأيقونة الحراك ناصر الزفزافي، المسألة التنظيمية ورفض إنشاء هياكل تنظيمية وتنسيقية... ولا يخفى أن التطرق للحراك أمر صعب وبالغ التعقيد، واستدعاؤنا للعلوم الاجتماعية للرصد وطرح الأسئلة أملاه الزخم الشعبي للحراك والديناميات التي أفرزها على المستوى الاجتماعي والسياسي والهوياتي؛ فهو في العمق يسائل ويكشف حجم الاختلالات والمفارقات الكامنة في مجتمعنا وفي فضائنا السياسي.. أسئلة حارقة عديدة أثارها حول قيم المجتمع وتحولات السياسة، وهي تستنفر شعورنا وتدفعنا إلى إمعان النظر في مكامن وأشكال الهيمنة والاستلاب والقهر السائدة. ورغم تسلحنا بالحذر المنهجي الشديد حتى لا نقع في بعض المنزلقات، إلا أن هذا لا يمنعنا من الاعتراف ب"التورط" في الشعور بالتعاطف مع الشرط الإنساني لعالم شباب الحراك خلال محاولة فهم بعض معالمه، رغم محاولتنا ما أمكن أن نضع مسافة كافية تحول دون ذوباننا الكامل في الموضوع المدروس. إننا لا ندعي القبض على معاني ودلالات الحراك الشعبي بالريف، ولا الإحاطة بمختلف سياقاته وأبعاده، فالأمر يحتاج إلى مجهود بحثي جماعي ضخم. لكننا نتوخى في هذا الجزء الأول فتح بعض الأسئلة والمداخل المعرفية للتوثيق للحدث وتعرية مجموعة من المغالطات التي تم تسويقها إعلاميا وحتى أكاديميا حول الحراك، وأيضا رصد بعض الأخطاء التي وقعت فيه. لهذا كله سنحاول ملامسة مجموعة عناصر وثيقة الصلة بالحراك وتقديم تشخيص أولي لمختلف تفاعلاته، عبر طرح مجموعة من الأسئلة: • كيف ينظر شباب الحراك إلى تاريخ وذاكرة الريف؟ كيف يتمثلون الصدمات التاريخية الكبرى للريف؟ وكيف كشف الحراك هشاشة المصالحة مع الريف؟ لماذا لم تتناول الوثيقة المطلبية للحراك الملفات التاريخية والسياسية الحساسة؟ لماذا رسم نشطاء الحراك لوحة غيرنيكا لتقديمها في أربعينية الشهيد محسن فكري؟ لماذا يرفض نشطاء تماسينت رفع علم تمازغا وعلم الريف؟. • كيف تحول شعار "نحن نحب الحياة" إلى فلسفة موجهة للزخم التنظيمي للحراك؟ أي دور لأولتراس لوس ريفينيوس في الحراك بإمزورن؟ كيف أعاد الحراك الاعتبار المعنوي للأشخاص في وضعية إعاقة؟ من هم شباب النيني ولماذا خرج الحراك من رحم معاناتهم؟. • كيف تحول ناصر الزفزافي إلى أيقونة الحراك بلا منازع؟ لماذا يرفض بشدة أن يعتبر نفسه قائدا أو زعيما للحراك؟ لماذا يتماهى الشباب بعفوية كبيرة مع خطاب وصورة الزفزافي؟ من هم الزفزافيون والحراكيون؟ وكيف نجحوا في تجاوز كل التيارات المتجذرة في الريف (اليسار الجذري، الحركة الأمازيغية)؟ ما قصة تحول الحراك إلى مدرسة لمن لا مدرسة له؟. لماذا انتقد بعض "الحراكيين" الخرجة السينمائية لناصر في 18 مايو 2017 وتحفظوا على شعار "لسنا انفصاليين"؟. لماذا يحظى الأستاذ محمد جلول بالإضافة إلى شعبيته الكبيرة وسط بني بوعياش وإمزون بمكانة خاصة وسط فئة نشطاء الحراك المثقفين؟. • لماذا يحتج شباب الريف بشكل قوي مع أن هناك في المغرب مناطق هي أولى بالاحتجاج، إذ تعاني من بؤس اجتماعي أعمق بكثير مما هو موجود بالريف؟ ولماذا الحراك أقرب إلى لا حركة اجتماعية بمفهوم عاصف بيات؟. • الجدل المجتمعي والإعلامي حول الرايات وبالخصوص علم الريف "باندو نا ريف"، ألا يجسد في العمق اختلالا في تمثل المغاربة وتصورهم لتاريخهم، ولهوياتهم الوطنية والمحلية؟ هل هي بداية إفلاس الرواية الرسمية والمركزية للتاريخ المغربي؟ وكيف رافع المعتقل الأستاذ محمد جلول أمام المحكمة عن التنوع الثقافي والخصوصية الهوياتية في إطار الوحدة الوطنية؟ • ما هي الدلالات العميقة لعبارتي "بيك يا وليدي" و"ما عندي بو الوقت دابا"؟ هل تكرسان مفارقات المغرب السياسي أم بداية تحول في علاقة السلطة بالمجتمع؟. • ما قصة الناشط أحمد الخطابي المعروف بعزي احمد والملقب بسفير تاماسينت وشيخ الحراكيين؟ ما سر معرفته الدقيقة بكل قبائل الريف ومختلف مداشره وكذا بمختلف مدن وقرى ومداشر المغرب؟ كيف انخرط في الحراك؟ ما قصته مع ناصر الزفزافي ودافيد هارت؟... محمد سعدي / أستاذ حقوق الإنسان والعلوم السياسية بجامعة محمد الأول بوجدة، عضو الجمعية الدولية لعلم الاجتماع وعضو عامل بالمجلس لعربي للعلوم الاجتماعية، مهتم بديناميات ما بعد الحراك العربي وبسوسيولوجيا حقوق الإنسان والفئات الهشة والمهمشة.